خفايا اعتقال الأمير أحمد عبد العزيز وتغييب الملك سلمان
كشفت مصادر دبلوماسية، عن خفايا اعتقال ولي العهد محمد بن سلمان عمه الأمير أحمد عبدالعزيز وتغييب والده الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ ذلك الوقت.
وأبرزت المصادر أن الأمير أحمد بن عبد العزيز، آخر الأبناء السبعة الباقين (هو والملك سلمان) المنتمين للجناح السديري الأكثر نفوذًا في العائلة المالكة.
وهو يعد أحد الثلاثة (بالإضافة للملك عبد الله والملك سلمان) الذين وصفهم نواف عبيد (المستشار السابق للحكومة) بأنهم الأكثر شعبية في العائلة المالكة.
وقد غادر الأمير أحمد المملكة متوجهًا إلى لندن، في نوفمبر 2017، قبل حملة اعتقالات طالت أمراء من العائلة المالكة في فندق الريتز بالرياض.
ثم عاد بضمانات أمريكية وأوروبية بعدم التعرض له في نوفمبر 2018، قبل أن يتم الغدر به واعتقاله بأوامر من محمد بن سلمان مع ولي العد السابق محمد بن نايف في 7 مارس 2020، بتهمة التخطيط لانقلاب في المملكة.
وإلى هنا لا جديد في الأمر، إذ أن بن سلمان نكّل بأفراد الأسرة المالكة ليعزّز فرصه في الاستيلاء على العرش، لكن ما يبرز هو علاقة اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز بغياب الملك سلمان تمامًا عن المشهد السياسي (أو تغييبه)، قضى معظمها وحيدًا في نيوم ولم يلتق أحدًا من الأمراء أو المسؤولين.
فقبل الاعتقال في 7 مارس 2020، كان الملك سلمان يُمارس دوره الطبيعي كملك، يستقبل ملوك الدول ومسؤوليها، ويحضر مراسيم تعيين الوزراء والسفراء، ويشارك الأفراح والأتراح، ويلتقي أفراد الأسرة الحاكمة، ويستقبل وفود المواطنين.
ولكن…بعد اعتقال الأمير أحمد، تغيب الملك عن كل هذه المناسبات!
من الأمثلة على نشاطات الملك سلمان قبل 7 مارس 2020: ذهابه لعُمان للتعزية بوفاة السلطان قابوس في 13 يناير، واستقبال وزير خارجية قبرص في 19 يناير.
وكذلك استقبال الملك سلمان الأمراء والمفتي ومواطنين في 20 يناير، وأداء صلاة الميت على الأمير بندر بن محمد في 21 يناير، وترأس جلسة مجلس الوزراء في 21 و 28 يناير.
وكذلك حضور الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في 26 يناير، واستقبال رئيس مجلس الوزراء بدولة الكويت في 11 فبراير، وترأس جلسة مجلس الوزراء في 25 فبراير.
وكذلك أداء وزراء الرياضة والسياحة والاستثمار القسم أمام الملك سلمان في 26 فبراير، واستقبال الرئيس الموريتاني في 26 فبراير، وأداء صلاة الميت على الأمير طلال بن سعود في 27 فبراير، واستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 27 فبراير، وترأس جلسة مجلس الوزراء في 3 مارس 2021.
كل الأمثلة المذكورة تدل على كثرة لقاءات الملك ونشاطاته ومتابعته لأمور المملكة بصورة طبيعية، ومنها لقاءان مهمان قام بهما الملك سلمان قبل اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز في 7 مارس 2020.
الأول استقبال وزير الخارجية الأمريكي في 20 فبراير، والثاني: استقبال وزير الخارجية البريطاني في 5 مارس، فيما بعد اللقاء الثاني بيوم ونصف تم اعتقال الأمير أحمد والأمير محمد بن نايف.
ومما لا يخفى تهاوي سمعة ابن سلمان دوليًا بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي وكثرة الكلام عن الرغبة باستبداله، وأن الأمير أحمد أحد أبرز المرشحين لمكانته من العائلة وشعبيته.
وقد يكون لقاء الملك سلمان بوزيري خارجية أمريكا وبريطانيا تضمن تفاهمات أو ضغوطات بضرورة تنحية بن سلمان عن ولاية العرش.
ويرجح مراقبون أنه قد يكون الملك سلمان خضع للضغوطات في هذا الاتجاه، لكن بن سلمان استبق الأمور واعتقل عمه وابن عمه، وقام بحجب الملك عن الأمراء وتغييبه في نيوم لاحقًا لأكثر من سنة وخمسة أشهر.
وهذا يعني أن ابن سلمان لم يتخلص من منافسيه في العائلة المالكة فحسب، بل قام بانقلاب ناعم على أبيه الملك!.
وظهر الملك (حضوريًا) بعد اعتقال الأمير أحمد مرتين فقط في الرياض.
الأولى في 8 مارس 2020 (بعد الاعتقال بيوم)، لقبول مهام سفيري الأوروغواي وأوكرانيا، في حدث هامشي، كأن الهدف منه إيصال رسالة بأن ما حدث كان برضى الملك، والثاني بعدها بيومين أثناء ترأس مجلس الوزراء.
بعدها غاب الملك عن اللقاءات المباشرة، حتى مغادرته إلى نيوم في أغسطس بزعم الاستجمام لأيام والذي استمر قرابة سنة و5 أشهر.
وما عدا لقائه بسلطان عُمان في يوليو 2021 (والذي كان صوريًا)، فلم يلتق الملك سلمان بأي زعيم أو مسؤول عربي أو أجنبي على مدار عامين تقريبًا.
واقتصرت نشاطات الملك سلمان على مكالمات هاتفية وظهور مرئي (بفيديوهات قصيرة ومقطّعة) في اجتماعات مجلس الوزراء وغيرها من النشاطات، كما لم يُعلن عن لقائه بأي وزير أو مسؤول أو أحد الأمراء، فضلًا عن بعده المستمر عن العاصمة الرياض.
ومن الصعب الجزم، ولكن المؤشرات وربط الأحداث حسب تسلسلها الزمني وخصوصًا مع تزامن اعتقالات مارس 2020 بزيارة وزيري خارجية أمريكا وبريطانيا، وتهميش دور الملك بعد ذلك مباشرة (رغم نشاطه الواضح قبلها)، مما يرجّح أنه يخضع لإقامة جبرية وعزلة قد يكون سببها عدم رضاه عن تصرفات ابنه.
وسواء أكان بن سلمان قد احتجز أباه أم لا، فإن المؤكد أنه لا يتوانى عن فعل ذلك، فهو الذي نكّل بأبناء عمومته واعتقل أمه وأخاه، وحاول قتل الملك عبد الله سابقًا.
ويجمع مراقبون أن شخصية محمد بن سلمان المضطربة لن تمنعه من حجز أبيه وتحجيم دوره وتغييبه، إذا اضطر لذلك، خصوصًا أنه يعيش عزلة داخلية وخارجية.
ارسال التعليق