من السعودية إلى مصر ومن خاشقجي إلى هدهود
سلط الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، في مقال رأي له بموقع “ميدل إيست آي” الذي يرأس تحريره، الضوء على السجل الحقوقي السيء للتعامل مع الصحفيين والنشطاء في منطقة الشرق الأوسط من قبل حكوماتهم، مستنكرا في الوقت ذاته تعاطي إدارة بايدن مع هذا الملف، خاصة ما يخص جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
وقال “هيرست” في مقاله الذي ترجمته (وطن)، إن تصرفات بايدن الأخيرة وقراراته فيما يخص السعودية وتحديدا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المسؤول الأول عن اغتيال جمال خاشقجي، ضربت مصداقيته بشأن ادعائه أيام السباق الرئاسي أنه سيحاسب قتلة الصحافي السعودي المغدور وعلى رأسهم المسؤول الأول عن الجريمة.
الكاتب البريطاني لفت إللى أنه بعد وقت قصير من رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن السرية عن تقرير وكالة المخابرات المركزية، الذي وجد أن محمد بن سلمان، وافق على عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي، أعلنت وزارة الخارجية سياسة “حظر خاشقجي”.
وتتلخص فكرتها في تقييد تأشيرات من يهددون المعارضين نيابة عن حكومات أجنبية، وعدم السماح بدخولهم إلى الولايات المتحدة.
وأعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكين عند إعلان الحظر، أنه تم تطبيقه بالفعل على 76 سعوديًا.
ولكن كما اكتشف السيناتور توم مالينوفسكي وبريان فيتزباتريك، تظل القائمة سرية وبالتأكيد لا تنطبق على الأخ الأصغر لولي العهد ونائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان.
وأوضح “ديفيد هيرست” في مقاله أن الأمير خالد ـ شقيق ولي العهد ـ كان زائرًا متكررًا لواشنطن، حيث كان سفيراً للسعودية وقت وفاة خاشقجي. وكان للأمير دورا محوريا في الجهود التي أعطت للصحافي السعودي الانطباع بأن السفارات والمباني القنصلية كانت أماكن آمنة له.
وأخبر خالد بن سلمان، المغدور “خاشقجي” أنه سيكون من الآمن أن يذهب إلى القنصلية في إسطنبول حيث قُتل، بحسب ما كشفت مكالمة اعترضتها المخابرات الأمريكية. لكن المكالمة نفسها لا تحتوي على دليل على أن خالد نفسه كان يعلم أن خاشقجي سيُقتل.
“هيرست” يوجه سؤالا مفتوحا:
وقال الكاتب البريطاني:”يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان الأمير خالد على علم مسبقًا بخطط أخيه الأكبر. ومع ذلك فهو جزء من عملية خداع خاشقجي لفترة من الوقت وإقناعه بأن التعامل مع الرياض آمن.”
ولفت “هيرست” إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية تواصل منع الاستفسارات حول علاقة الأمير خالد بن سلمان بفخ خاشقجي وسرية حظر التأشيرات، أو عدد السعوديين الذين ما زالوا قيد الدراسة بشأن قرار حظر من دخول البلاد لتورطهم.
وقال متحدث: “سجلات التأشيرات سرية بموجب القانون الأمريكي ، وبالتالي لا يمكننا مناقشة تفاصيل حالات التأشيرة الفردية. تم الإعلان عن ‘حظر خاشقجي’ في فبراير 2021 والقيود لا تزال سارية”.
مصداقية بايدن تتلاشى:
وتابع “هيرست”:”إن بقايا المصداقية التي خلفتها محاولة هذه الإدارة المعلنة لمحاسبة محمد بن سلمان على مقتل خاشقجي سوف تتلاشى مع زيارة بايدن المقبلة إلى الرياض.”
سيكون وصول بايدن إلى الرياض الشهر المقبل لحظة رضا شخصي كبير لقاتل خاشقجي، يقول ديفيد هيرست.
وهاجم محمد بن سلمان بقوله:”اعتقد الملك المستقبلي أنه يمتلك المملكة وشعبها هم ممتلكاته، يقسمون على الولاء الشخصي له وفي المقابل له الحرية في ثرواتهم أو التصرف فيها متى شاء.”
وتابع أنه بناء على تعليماته، أعادت الفرقة القاتلة جزءًا من جثة خاشقجي إلى الرياض، مضيفا:”هذه هي عقلية الرجل الذي سيصبح ملكًا قريبًا. لذلك لا يشعر محمد بن سلمان بأي ندم على مقتل خاشقجي. إنه مندهش فقط من أن الجريمة تسببت في كل هذه الضجة.”
زيارة بايدن للسعودية:
وأوضح “هيرست”:”سوف تثبت زيارة بايدن أن ولي العهد كان على حق. يمكنك فعل أي شيء والإفلات منه إذا كان لديك شيء تحتاجه واشنطن.”
ولفت الكاتب البريطاني إلى أنه استعدادا لتلك الزيارة المرتقبة، بدأت واشنطن في تغيير لهجة تصريحاتها بشأن الرجل الذي أطلق عليه بايدن اسم منبوذ سابقا ـ يقصد محمد بن سلمان ـ.
الإدارة الأمريكية والملك سلمان:
وأضاف “هيرست” أيضا أن التخلي عن محاولات التعامل مع الأب وتجاهل الابن – هذا أيضًا خيال حيث اختفى الأب الملك سلمان من الحياة العامة – وأشاد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بدور ولي العهد في تمديد وقف إطلاق النار الحالي في اليمن.
ومن ناحية أخرى، حاول بايدن أن يلبس السياسة الواقعية القديمة في الزي الممزق للدفع “القائم على القيم” ضد الاستبداد، يقول هيرست.
وتابع “هيرست” أن بايدن يوجه للصحفيين والنشطاء بتصرفاته الفعلية تلك رسالة مفادها: “انسوا تصريحاتي العنترية لقد كانت مخصصة للكاميرات فقط.. انظروا إلى أفعالي وسترون أنكم يا رفاق بمفردكم، أمريكا لن تحمي ظهرك.”
من السعودية إلى مصر ومن خاشقجي إلى أيمن هدهود:
وقال الكاتب البريطاني في مقالة بـ”ميدل إيست آي” إن هذه الرسالة هي أيضا التي سيوجهها إلى أقارب الاقتصادي المصري أيمن هدهود الذي كانت كل جريمته التحقيق في كيفية سيطرة الجيش على اقتصاد الدولة لصالحه، ليموت بعدها في الحجز في المستشفى بعد شهر من اختفائه حيث تبين أنه كان معتقلا وتعرض للتعذيب.
وكان موقع Middle East Eye حصل على صور لإصابات بالغة في رأسه وكذلك حروق في وجهه، وعلامات تعذيب.
وتساءل “هيرست”:”وماذا عن مصطفى النجار طبيب أسنان وعضو سابق في البرلمان حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “ازدراء المحكمة”؟ هو أيضا اختفى.”
وأضاف:”بالنسبة لأولئك في الغرب الذين يقولون إن المنشقين المصريين يستحقون مصيرهم لأنهم إسلاميون متطرفون، توقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ فترة طويلة عن مطاردة ضحاياه من فصيل سياسي واحد فقط وبات ينكل بالجميع.”
وتابع:”كما هو الحال في روسيا بوتين، يواجه الصحفيون المصريون خطر السجن بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، مثل الصحافيين هالة فهمي وصفاء الكوربيجي التي سلطت الضوء على أزمة غلاء المعيشة ودعت المواطنين إلى النزول إلى الشوارع لاعتراض.
حتى الصحفيين المتقاعدين مستهدفون، حيث تم اعتقال توفيق غانم (66 عامًا) لمجرد عمله الإعلامي. ويُحرم من الرعاية الصحية ويحتجز في ظروف قاسية. تم اعتقاله بدون أمر قضائي وتم تمديد فترة سجنه بشكل مستمر.
بوتين والسيسي وابن سلمان:
واستطرد ديفيد هيسرت في مقاله:”مثل بوتين ، بذل الحلفاء الرئيسيون لأمريكا جهودًا هائلة لقمع الصحافة الحرة.”
وأكمل:”مثل بوتين ، يذهبون إلى أبعد الحدود لتزوير التاريخ وتبييض صورتهم القبيحة.”
ولفت إلى مسلسل “الاختيار 3” المخابراتي المصري الذي تم بثه في رمضان، ويدعي أنه يظهر صعود السيسي للسلطة من خلال تصويره على أنه أمين ومخلص وشريف، وأن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، الرجل الذي سجنه السيسي هو وعائلته كان يتآمر على البلد.
قتل الحقيقة:
وتابع “هيرست”:”قتل الصحفيين وقتل الحقيقة مهم للطغاة في وقت مثل هذا حتى لا يوثقوا جرائمهم. يجب أن يكون الأمر مهمًا لرئيس الولايات المتحدة أيضًا. لأنه شئنا أم أبينا ، فقد ولت الأيام التي يمكن للولايات المتحدة أن تدعي هيمنتها على الشرق الأوسط.”
واختتم:”حتى حلفاؤها يشككون في النوايا الأمريكية ولا يثقون في الضمانات الممنوحة.”
ارسال التعليق