محبوب الصهاينة يَؤمّ المسلمين في عرفة
أعلنت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التابعة للنظام السعودي، بتكليف عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لضارطة العالم الإسلامي، التابعتين للنظام السعودي، محمد بن عبدالكريم العيسى، بالخطبة والصلاة في يوم عرفة بمسجد نمرة في موسم حج هذا العام 1443. بطبيعة الحال، احتفلت وسائل الإعلام التابعة للنظام، وتلك المموّلة منه، بالتكليف الصادر بعد «الموافقة السامية الكريمة» من الملك سلمان.
إلا أن أكثر مَن يحق لهم الاحتفال هم الصهاينة، إذ إن العيسى يُعد من أكثر أتباع النظام السعودي العاملين في المجال الديني والدعوي، تناغماً مع مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومساعيها في مجال التطبيع من بوابته الدينية والعقائدية. من هنا، لا يمكن فصل تكليف العيسى بالخطبة والصلاة في يوم عرفة في موسم حج لهذا العام، عن الخطوط العامة لسياسة محمد ابن سلمان التطبيعية مع العدو الإسرائيلي، كما لا يمكن فصلها عن حرص الرجُل على تهيئة أفضل الظروف الممكنة تمهيداً لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة.
فالرجل الموظّف من قبل نظام آل سعود في هيئة كبار العلماء السعوديين، إضافة إلى إيلائه الأمانة العامة لما يسمى رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقراً لها، وكان قد أثار الجدل في كانون الثاني 2020، حين أدى صلاة الجنازة على ضحايا "الهولوكوست"، خلال زيارة إلى معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية المعروف بـ"أوشفيتز"، وذلك لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير المعسكر على يد القوات السوفيتية، حيث التقى حاخامات يهود، وانتقد "معاداة السامية". وقال وقفت دائماً إلى جانب إخوتي اليهود، وقلت لن يحدث هذا مرة أخري مطلقاً". وأضاف: "هناك من يحاولون تزييف التاريخ عبر ادّعاء أن المحرقة، وهي الجريمة الأكثر فظاعة في تاريخنا البشري، نسج خيال.. إننا نقف ضد هؤلاء الكاذبين".
يومها، احتفت "إسرائيل" كلها بتصريحات العيسى، بشأن معاداة السامية. نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية عدة تغريدات على حسابها الرسمي في "تويتر"، للاحتفاء بتصريحات المسؤول الديني التابع لنظام آل سعودي، يدعو فيها إلى إعادة بناء جسور الحوار وأواصر الشراكة بين اليهود والعرب، خصوصاً قوله "بينما عاش اليهود والعرب جنباً الى جنب على مدى قرون، من المحزن أننا ابتعدنا في العقود الأخيرة عن بعضنا البعض. نحن ملزمون حالياً بإعادة بناء جسور الحوار وأواصر الشراكة بين مجتمعاتنا".
يحدث كل هذا، فيما النظام السعودي يمنع أبناء الجزيرة العربية من التعبير عن آرائهم السياسية، وممارسة عباداتهم الدينية بحرّية، ويزجّ في السجون المئات من رجال الدين والفكر والسياسة، ويصنّف فصائل مقاوِمة للاحتلال الصهيوني كـ"منظمات إرهابية"، ويمنع مسلمين من الحجّ بسبب موقفه من حكوماتهم، كما حصل في العام 2016 عندما منع الحجّاج الإيرانيين من اداء مناسك الحج بسبب الأزمة الدبلوماسية الحادّة التي وقع بين البلدين إثر إقدام النظام السعودي على إعدام الشيخ نمر باقر النمر، مع 46 من مواطني الجزيرة العربية بعد اتهامهم بالانتماء لـ"تنظيمات إرهابية". حينها، تحجّج نظام آل سعود بـ"مسيرة البراءة من المشركين"، التي تعتبر ركناً أساسياً من أركان الحجّ لدى المسلمين الشيعة، فمنع المسيرة ومنع معها الحجّاج الإيرانيين من اداء المفريضة المقدّسة.
يعرف أبناء الجزيرة العربية أن العيسى هو أحد الأشخاص القلائل الذين يشكّلون الدائرة الضيقة لابن سلمان، وينفّذون أجندته بدقة، في مسار تصل نهايته إلى علاقات تامّة وعلنية وشاملة مع الكيان الإسرائيلي. وهو الشخصية التي يسعى من خلالها ابن سلمان، إلى جعل التطبيع مع "إسرائيل" أمراً واقعاً عبر استخدام الذرائع الدينية للعلاقة مع اليهود. لذا، فقد سطع نجم العيسى مع وصول ابن سلمان إلى السلطة، وتحرّك دائماً في إطار مشروعه السياسي الذي يهدف إلى تهيئة الأرضية للوصول إلى مرحلة التطبيع الكامل مع الكيان الإسرائيلي.وضمن هذا الإطار، لم يسعَ العيسى فقط إلى إباحة العلاقة مع "إسرائيل" تحت مزاعم دينية وأخرى تتعلّق بـ"حسن الجوار"، بل إن الأهم في ادائه هو تجسيده للمفهوم السعودي للدين، من خلال تحريم المقاومة بعد تجريمها.
وفيما يفسّر اداء العيسى ربط آل سعود للمسارين الديني والسياسي ببعضهما البعض تنفيذاً لأجندتهم الخاصة، من خلال التقارب مع الصهاينة وتجريم المقاومة، أنكر العيسى أي علاقة لرابطة العالم الإسلامي بالسياسة، حاصراً دورها بالسلام فقط. وللمفارقة، فإن ذلك حصل عندما ردّ العيسى على سؤال المدير التنفيذي لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" روبرت ساتلوف، الذي التقاه في السعودية في العام 2017، في عن رأيه حول اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، حيث قال إن "الرابطة ملتزمة بالسلام وليست هيئة سياسية".
يقول ساتلوف، إن ردّ العيسى هذا "مثيرة للإعجاب". كان ستالوف يتوقع أن يَعِظ العيسى حول علاقة المسلمين بالقدس ويشجب قرار الرئيس الأميركي بالاعتراف بسيادة الدولة اليهودية في أي مكان في المدينة، لكن كل هذا لم يحصل، إذ حصر العيسى استيلاء الصهاينة على مدينة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين، في سياق سياسي لا علاقة لـ"رابطة العالم الإسلامي" به. إعجاب ساتلوف نابع من أنه بعتقد بوجود ترابط وثيق بين السياسة والدين في مملكة آل سعود التي تعتمد على "حماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة كمصادر رئيسية لشرعيتها".
سيعتلي العيسى منبر الحج ليلقي الخطبة ويؤمّ الصلاة بالمسلمين في يوم عرفة. قد تكون هذه الخطوة تتويجاً له على صعوده الصاروخي على سلّم التمهيد للتطبيع مع الصهاينة، منذ خطواته الأولى في هذا السياق عام 2017، عندما زار أكبر كنيس يهودي في باريس، مروراً برعايته، لقاء وفد من الرموز الإنجيلية الداعمة لـ"إسرائيل" يرأسه الكاتب الإسرائيلي جويل روزنبرغ، مع ابن سلمان في الرياض عام 2019.
وفي خطاب مفترض، قد يعيد العيسى من عرفة ما قاله لمراسل صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية الذي حاوره على هامش مشاركته في مؤتمر بالأكاديمية الدبلوماسية العالمية في باريس عام 2017، كتثبيت لموقف آل سعود من "إسرائيل" والمقاومة، حينما رد على سؤال عمّا إذا كان "الإرهاب الذي تنفذه مجموعات ومنظمات باسم الإسلام ضد إسرائيل وأهداف يهودية، وتربطه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقع في إطار الإرهاب الذي تعارضه بلاده لأنه يسيء للإسلام"، بالقول إن "أي عمل عنف أو إرهاب يحاول تبرير نفسه بواسطة الدين الإسلامي مرفوض (…) فالإسلام غير مرتبط بالسياسة، وهو ديانة سمحة وتفاهم ومحبة واحترام الآخر".
ارسال التعليق