ابن سلمان يستخدم ملف السجناء الفلسطينيين لإرضاء الصهاينة
ضربة مزدوجة أتت من خارج التوقعات في القدس. صحيحٌ أنها لا تخرج عن سياق الفعل التراكمي المقاوم ضد قوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، إلّا أنها اتسمت بطبيعتها المنظمة، وانتقالها من الهجمات الفردية الارتجالية إلى نسخة جديدة عنوانها التنظيم. ضربة استباقية موجعة تلقاها العدو بعد أن اتخذت قيادة الاحتلال قرارا يقضي بتجريد نفسها من أيّ قناع، وإيلاء أقصى وجوه العنصرية والفاشية مسؤولية الحكم في دولة الاحتلال.التطورات الميدانية في فلسطين المحتلة غذّتها مشاهد فشل الإعلام الإسرائيلي في نقل صورة مبشرة عن تحقيق المراد من التطبيع مع الحكومات العربية. وعلى ضوء هذه المستجدات حاورت صحيفة "مرآة الجزيرة" الباحث الفلسطيني في الشؤون السياسية صالح أبو عزة.
إستهل أبو عزة حديثه بالتأكيد على أن ميزة عملية القدس المزدوجة تكمن في المكان المعتمد لتنفيذها، باعتبار أن القدس تشكل محل تنازع على السيادة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، " إن كل عملية فلسطينية على أي نقطة في الجغرافيا الفلسطينية تترك وقعا على الصهانية، إلّا أن العمليات في القدس دائما ما تحظى بوقع أكبر وأعمق بالاستناد إلى ما تمثله القدس في المنظور الصهيوني من عاصمة أبدية للدولة، سيّما بعد اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بذلك".
وفي استدلاله على التراكم السلبي في حسابات الاحتلال، لفت الباحث الفلسطيني أنه "منذ سنة ونصف، خصوصا بعد مارس/آذار الماضي، أعلن الصهاينة عن عملية "كاسر الأمواج"، والتي كان الهدف الأساسي منها يقوم على محاصرة المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها في الضفة المحتلة وإيصالها إلى أدنى درجات المقاومة"، وأكد أن "الاحتلال سعى من خلال العملية إلى منع تكرار سيناريو الأعوام السوداء (2000-2005) إبّان انتفاضة الأقصى، التي استخدمت فيها كل أشكال المقاومة المسلحة. حتى وإن ظل هناك وجود للمقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة على أن تبقى في أدنى مستوياتها المقدور على تحملها صهيونيا".
وأردف الكاتب الفلسطيني قائلا "شكلت العملية المزدوجة نقلة نوعية ومرحلة متقدمة من العمل المقاوم، بعد أن اعتدنا على عمليات إطلاق النار والدهس والطعن". وأضاف "إن عدم توصل الاحتلال إلى الفاعلين، وتمكّن المنفذين من التواري عن الأنظار، حتى وإن تعرفت عليهم الأجهزة الصهيونية، لكن حتى الآن لم يتم الكشف عن أسماء أو أماكن ولا عن جهات قد تكون وراء العملية".
ولفت في حديثه عن العملية المزدوجة في القدس إلى احتمالية تنفيذ العملية من قبل منظمة تابعة لخليّة جهادية، كاشفا عن " حديث آخر يتم تناوله بشكل أوسع، يرفع من إحتمالية تحمل محور المقاومة مسؤولية العملية عن أن تكون فلسطينية خالصة"، مستشهدا بتزامن العملية مع اختراق إيراني لأجهزة الكاميرا في المنطقة المستهدفة ورصد التفجير، ما يثير تساؤلا حول الجهة التي نفذت العملية"، بحسب أبو عزة.
من ناحية أخرى، تناول الباحث الفلسطيني زاوية أخرى في معالجته لطبيعة العملية ودلالاتها، حيث انعكست إيجابا على المستوى النفسي للفلسطينيين. واستشهد بالمفعول التراكمي للمقاومة الفلسطينية منذ معركة "سيف القدس بما حملته من رسائل حرّضت على المقاومة، وعملية "نفق الحرية" باعتبارها إيقونة ثانية للمقاومة، إلى جانب معركة وحدة الساحات وما مثلته كتيبة جنين التابعة لـ"سرايا القدس" والتي كانت الإشعاع الأول للعمل المسلح المنظم في الآونة الأخيرة، ما دفع العديد من المجموعات للاقتداء بها كمجموعة عرين الأسود". مشددا على أن "العملية المزدوجة في القدس أكدت على قدرة الشباب الفلسطيني على إيلام العدو".
حكومة إستفزاز والعين على إيران:
وفي تطرقه لملف تشكيل الحكومة الإسرائيلية ومدى تأثير عمليات القدس على توجهات الحكومة المرتقبة بقيادة بنيامين نتنياهو، نفى صالح أبو عزة ما يتم تداوله إعلاميا عن تعثر عمليات التأليف، "بل إن مفاوضات التشكيل صعبة". وأضاف " ما يجب أن يعرفه المتابع العربي والفلسطيني هو أن الحكومة الإسرائيلية ستشكل بسيطرة يمينية. هذا ما يصرّح به حزب الليكود وأحزاب الصهيونية الدينية باعتبارهم يشكلون الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، وهم متفقون على ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة برئاسة نتنياهو وبوجه يميني صرف لا تشوبه شائبة".
وأعرب الباحث الفلسطيني عن اعتقاده بأن أي عمليات شبيهة من تلك المنفذة في القدس، لا تشكل دافعا أساسيا لمضي الحكومة الصهيونية المرتقبة بخيار ممارسة الإرهاب تجاه الفلسطينيين، ذلك لأن الحكومات الصهيونية إرهابية وإجرامية بطبعها"، وتابع "حتى لو افترضنا جدلا أنه لا يوجد في هذه المرحلة أي أعمال قتالية أو هجومية من قبل أبناء الشعب الفلسطيني فإن الحكومة الصهيونية لن تتوانى عن ممارسة الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني". لافتا إلى أن الحديث عن الإرهاب الإسرائيلي لا يقتصر على الإرهاب بحق الإنسان الفلسطيني، بل بحق أرض الإنسان ومقدساته أيضا.
وفي السياق نفسه، اعتبر الكاتب صالح أبو عزة أن "حكومة الاحتلال القادمة ستجزر في الأرض الفلسطينية"، مشيرا إلى أن " عضو الكنيست إيتمار بن غفير قد حسم مقعده في وزارة الأمن القومي الإسرائيلية، ما يعني أنه لن يألو جهدا في ضمّ قوات أمنية إضافية لتكون تحت مسؤوليته، وهو الذي يؤمن بضرورة تغيير شروط إطلاق النار"، موضحا بالقول "هناك نوع من القيود على آليات إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال بوجه الفلسطينيين تحول دون إيقاع إصابات مميتة، وخطورة الظرف المقدر". أما بالنسبة لـ بن غفير فإن تعليمات إطلاق النار لديه تلزم جيش الاحتلال بإطلاق النار في حال ووجهت بحجر، الأمر الذي يخالف القواعد الأصيلة للقانون الدولي لناحية عدم وجود موازنة بين الفعل ورد الفعل".
"تعدّ العمليات في القدس بمثابة ردّ على الجرائم المرتقبة للحكومة القادمة، وليست المقاومة من تدفع إسرائيل لممارسة الإرهاب".
هذا واعتبر الباحث الفلسطيني أن "الحكومة القادمة هي حكومة مستفزة لكل الزوايا الفلسطينية بقرارتها التي ستصدر عنها، للأسرى في السجون، لساحة الأسرى وساحة القدس والمسجد الأقصى. سيّما مع بروز حديث جدي عن نيّة العدو تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والقدس، ولن تكون غزة بمنأى عن هذا المسار، إلى جانب العديد من الملفات الشائكة مثل ملف الاستيطان وملف تعليمات إطلاق النار". مؤكدا أن "الحكومة الصهيونية لن توفر جهدا لاستفزاز الشعب الفلسطيني عبر كافة الملفات الشائكة، الأمر الذي سيؤدي وبشكل دراماتيكي لتصاعد عمليات المقاومة كرد على ارتفاع منسوب الوحشية المتوقع من الحكومة القادمة".
وبالتوازي، أشار الباحث أبو عزة إلى احتمالية تبني العدو سياسة "تخفيض بعض بؤر الاستفزاز إذا كان هناك مواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بمعنى أن لا يكون هناك وحدة ساحات وجبهات ومواجهة ما بين أطراف في محور المقاومة وإسرائيل".
وأكد أن الجمهورية الإسلامية في إيران تسعى إلى تثبيت قوى ردع بمواجهة إسرائيل. "رأينا الحرب السيبرانية بين الطرفين، حيث يعترف الصهاينة بتضررهم من الممارسات الإيرانية"، وأضاف " تمتلك إيران خط مواجهة واضح يقوم على الردّ بالمثل، كأن يكون استهداف أي سفينة إيرانية خطوة باتجاه استهداف سفينة صهيونية، وأن تبني العدو أي عملية اغتيال لقادة إيرانيين يعني انتظار رد ينسجم وحسابات طهران، بالنظر إلى ساحات المواجهة القائمة بين الطرفين.
"السعودية" دولة مطبعة:
أما بالحديث عن ملف التطبيع وفرص نتنياهو في ضمّ "السعودية" إلى نادي المطبعين العرب، شدّد الباحث الفلسطيني في الشؤون السياسية صالح أبو عزة أنه وفق مفهومه للتطبيع، "إن السعودية تطبع مع الكيان الصهيوني". موضحا أن "الحديث عن التطبيع يدور حول ما كشف من هذا التطبيع أو تحول العلاقات من سرية إلى علنية وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية"، لافتا إلى أن "الرياض وتل أبيب تجمعهم علاقات متينة في العديد من الجوانب الاستخبارية والأمنية، إلى جانب تولي السعودية قيادة دفة تطبيع الدول العربية وتدفعها إلى الأمام في العلاقة مع إسرائيل حتى تكون الأجواء الشعبية مناسبة لإعلان التطبيع".
تريد الرياض، وفقا للباحث السياسي، في تمهلها التكتيكي عن التطبيع الرسمي جني ثمن هذه الخطوة، من خلال ضمان اعتراف واشنطن والغرب بمحمد بن سلمان ملكا على عرش "السعودية"، "لذلك يحتفظ ابن سلمان بهذه الورقة لحين وفاة الملك الحالي سلمان".
وأعرب الباحث الفلسطيني عن اعتقاده بكون خيار التطبيع من عدمه يعود لمحمد بن سلمان حصراً و"لن يتم قبل وفاة الملك سلمان، حتى تكون هذه الخطوة عربون إرضاء الولايات المتحدة الأميركية والقبول الرسمي والنهائي بابن سلمان".
ولفت أبو عزة إلى أنه بالرغم من "تشكيل ترامب مع نتنياهو وابن سلمان حلفا متينا ضد محور المقاومة، إلا أن بايدن لم يعمل ضد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، خاصة في ظل تفرغ واشنطن للملف الأوكراني والصراع مع روسيا والصين". وأضاف "قد يكون تعيين ابن سلمان ملكا مقابل التطبيع وقيادة السعودية وإسرائيل للمنطقة نيابة عن الأميركي، قد يكون خيارا مناسبا لجو بايدن أيضا".
في مونديال قطر.. توّجت فلسطين:
وفي تطرقه لمشاهد التضامن العربي مع القضية الفلسطينية أكد الكاتب الفلسطيني على رفضه وجود مكتب دبلوماسي مؤقت لـ"إسرائيل" في الدوحة، كما تواجد الصهاينة فيها، "كما نرفض أي تواجد إسرائيلي في أي دولة عربية، ونعتقد أن التواجد الإسرائيلي لا يخدم الفلسطينيين ولا حتى الدولة المستضيفة للصهاينة". ولفت إلى وجود تمايز بين الرفض الشعبي للكيان الإسرائيلي وبين العمل على إسقاط اتفاقات التطبيع في الدول العربية، وقال " إن مستوى الرفض العربي لكيان الاحتلال والتطبيع معه يعدّ مشهدا ممتازا تمكن المونديال من أن يعكسه، وسمح لنا أن نقول بأن من فاز في مونديال قطر هي فلسطين". وأكد أن "الرفض لم ينحصر بالعرب، بل شمل العديد من الشعوب الحرة التي اتخذت موقفا مشابها من مراسلي القنوات الصهيونية".
ورأى الباحث الفلسطيني صالح أبو عزة أن " الإشكال الأساسي يكمن في الخطوة الثانية ما بعد الرفض، وكيفية إقناع الشعوب لممارسة دورها الحضاري في اسقاط اتفاقيات التطبيع". مشيرا إلى أن أول من أسقط أهداف اتفاقيات التطبيع هي الشعوب. وتابع " نتنياهو دائما ما يطرح "السلام مقابل السلام" بعد أن ولى زمن السلام مقابل الأرض والسلام مقابل الأمن. لكن نتيناهو ولابيد يكتشفان اليوم أن التطبيع الذي يرنو إليه الاحتلال قد فشل تماما، وأنه يقتصر على الحكومات، إذ ظلّت إسرائيل مرفوضة اجتماعيا".
ونوّه أبو عزة خلال حديثه لـ"مرآة الجزيرة" بالحراك البحريني المعارض، الذي جعل من فلسطين مطلبا يوازي بأهميته مطالب التحرر الوطني لبلاده.
ردود الفعل العربية في قطر خطر وجودي:
إلى ذلك، طرح أبو عزة مسألة تعاطي الإعلام الإسرائيلي مع ما تنقله الكاميرات من مشاهد الرفض للوجود الصهيوني في المونديال وأكد أن هذا الملف يحظى بأولوية التغطية إلى جانب ملف تشكيل الحكومة. ونوّه إلى أن الإعلام الصهيوني يعبّر عن ما تعكسه المشاهد من الدوحة بـ" فشل تطبيع الشعوب العربية مع إسرائيل". ولفت إلى "أنهم يتابعون لحظة بلحظة هذا الملف لدرجة أنهم يعبرون أن عدم تقبل العالم العربي لفكرة وجود إسرائيل يعد أحد الأخطار الوجودية على الكيان، وأنهم ما زالوا دولة غير مرغوب بها في المنطقة ومنبوذة، ولا يُعترف بوجودها أصلا من قبل غالبية الشعوب العربية ".
تحاول تل أبيب، وفقا للكاتب الفلسطيني، المضي في ملف التطبيع وفقا لعدد من المسارات : الأول توثيق علاقاتها مع الحكومات، ثانيا إستغلال بعض الشخصيات السعودية والبحرينية والإماراتية المرتهنة والتي تبالغ في مدح التطبيع للتأثير على الشعب العربي، حتى تَبيَّن أن التواصل مع هذه الوجوه ودعمها لم يحقق النتائج المطلوبة بعد سنتين من تطبيع العلاقات، وذلك لأن الغالبية الساحقة العظمى من الأمة العربية ترفض التطبيع بشكل واضح، وتنظر إلى المومياءات والمهرجين المدعومين سعوديا والمرغوبين لدى إسرائيل بوصفهم أركوزات تطبيع.
ولكنه نبّه إلى أن " الاسرئيلي يعتمد على النفس الطويل في التغيير، وهذا ما يجب أن تدركه الشعوب العربية والإسلامية"، وأضاف "يجب أن يستمر النضال ضد التطبيع وأن يتوارث وتزيد وتيرته منعا من خطر تحوله إلى ملف طبيعي"، مشددا على أهمية الاستمرار في الحديث وتناول الملف والنضال للضغط على الحكومات قدر الإمكان.
السجناء الفلسطينيون في "السعودية": ملف تزكية محمد بن سلمان لدى العدو:
وفي سياق منفصل، أبدى أبو عزة استنكاره لـ"أي اعتقال يمارس ضد أي فلسطيني في أي دولة عربية بما فيها السعودية"، لافتا إلى أن اعتقال الخضري واخوانه يعد اعتقالا ظالما لا يمكن تبريره، سيّما أن ملف المعتقلين الفلسطينيين في "السعودية" يُعدّ من الملفات التي تجمّل محمد ابن سلمان لدى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.
ولفت إلى أن "الموقف السعودي الرسمي واضح لناحية العداء للمقاومة الفلسطينية ووسمها بالإرهاب. ومن هنا إن الرياض لا تتعاطى مع المقاومة الفلسطينية على أنها ممثلة للشعب الفلسطيني ولنضاله بمواجهة الاحتلال". وأكد أن أوضاع المعتقلين الفلسطينين سيئة ويعانون ما يعانيه المعتقلون اليمنيون .
الأسوء من كل ذلك، من وجهة نظر الباحث، أنه في الوقت الذي يتم فيه استقبال رجال أعمال وشخصيات عسكرية وأمنية وإعلامية إسرائيلية في "السعودية" يتم احتجاز أبناء الشعب الفلسطيني داخل السجون السعودية بدون أي وجه حق.
ونوّه إلى حقيقة العداء التي تكنّه القيادة السعودية لممثلي المقاومة الفلسطينية، كما أنها "لم تتوان عن الضغط والتضييق على السلطة الفلسطينية (التي تنسق أمنيا مع الاحتلال والمزكاة من الولايات المتحدة) خلال الفترة التي سبقت توقيع اتفاقيات التطبيع حيث امتنعت عن دفع أجزاء من أموال الدعم لإرغامها على الموافقة على صفقة القرن".
وختم الباحث الفلسطيني في الشؤون السياسية صالح أبو عزة حديثه بالتأكيد على أن "دور السعودية السلبي لا يقتصر على المقاومة في فلسطين، بل يتجاوزه ليشمل السلطة الفلسطينية واستغلال المال السعودي استغلالا سياسيا للقبول بشروطهم والشعب الفسلطيني".
ارسال التعليق