حماسة سعودية وتحفّظ صيني: زيارة “شي جين بينج” بلا موعد حاسم
على الرغم من إعلان النظام السعودي عن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج، إلى “السعودية”، هي الأولى له منذ 6 سنوات، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز علاقات بكين مع منطقة الخليج، بعد 5 أشهر من تحذير واشنطن الأخيرة بأنها لن تتنازل عن الشرق الأوسط لها أو لأي شخص آخر.
إلا أن الصين تسجّل تحفّظاً شديداً حيال الزيارة المفترضة، إلى درجة أنه لم يتمّ بعد تأكيد حضور الرئيس شي جين بينغ إيّاها على رغم ترجيحه، كما لم يتمّ تحديد موعد دقيق لها، على رغم حماسة النظام السعودي الكبيرة له. الحذر الصيني هذ رغم أنه يأتي على خلفيّة مصالح هائلة بين العرب والصينيين، إلا أنه يدلّ على خشية من الفشل الذي قد يتسبّب به احتمال تراجُع العرب عن المضيّ في ذلك الطريق تحت التهديدات أو الإغراءات الأميركية.
وفي السياق، كتب الأستاذ في جامعة برنستون الأميركية، برنار هيكل، القريب من الرياض، قبل أيام قليلة في موقع “العربية. نت” بالإنكليزية، أن السياسة السعودية تجاه الصين “تُصنع في أميركا”، أي بكلام آخر تُحدّدها درجة حرَد ولي العهد محمد ابن سلمان من الأميركيين نتيجة الهجمات التي يشنّونها عليه.
فهل يمكن لدولة كالصين، تزحف ببطء وعناية لانتزاع الزعامة العالمية من الولايات المتحدة، أن تبني استراتيجياتها على سياسة ارتجالية واندفاعية لشخص مِن مِثل ابن سلمان أو غيره من القادة العرب؟ زيارة مفترضة هامة وتتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المنطقة العربية لعقد ثلاث قمم (قمة صينية-سعودية، قمة صينية-خليجية، قمة صينية-عربية)، بحسب الإعلان السعودي عن جدول أعمال الزيارة المفترضة.
ومن المتوقع أن تحقق هذه الزيارة تطوراً في العلاقات العربية-الصينية، ليس لجهة الأرقام التي تعكس الازدياد في حجم التبادل التجاري فقط، بل لجهة انخراط الصين في عدد من القضايا التي تمسّ أمن المنطقة، والتي يمكن لبكين لعب دور بارز فيها، خاصة وأنها الدولة الأكثر قبولاً ربما من قبل جميع الأطراف.
وتأتي الزيارة في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم كله إلى المنطقة، لما تمثله من أهمية استراتيجية آخذة في الازدياد، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية وازدياد حاجة العالم إلى نفط المنطقة، والذي تنتج إيران كمية كبيرة منه.
كذلك، تأتي الزيارة والمنطقة تعيش حالة من عدم التوازن الأمني نتيجة لأسباب كثيرة أهمها الانسحاب الأميركي من العديد من المناطق، ونتيجة لفقدان بعض الدول قدرتها على إدراك الدور الذي يمكن أن تلعبه والمكانة التي تحتلها في المعادلة، فعاشت حالة من “تضخم الذات”، لدرجة أننا بدأنا نرى دولاً قزمة تطمح لأن يكون لها دور القيادة الإقليمية، فقط لأنها تمتلك المال، وتنفقه على تمويل الاضطرابات الداخلية في دول أخرى مستعينة بجماعات إرهابية مرتزقة، تجد فيها أداة لتنفيذ تلك السياسات.
هل الصين بديل مناسب؟ ولم يقدم أي من الجانبين تفاصيل حول اجتماع الزعيم الصيني مع أفراد العائلة السعودية المالكة، لكن يمكن أن يوقع البلدان اتفاقًا بشأن التعاون يتراوح بين التجارة الحرة والطاقة النووية، حسبما أوردت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية. ويلتقي شي، خلال الزيارة، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، فضلاً عن حضوره قمتين مع زعماء عرب وخليجيين.
ورغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن وجّه رسالة إلى الزعماء العرب المجتمعين عندما زار الرياض في يوليو الماضي، قال فيها “لن نغادر ونترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران.. الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان”، إلا أن العلاقات بينه وبين بن سلمان ظلت متوترة.
والرأي السائد في الخليج هو أن الولايات المتحدة أصبحت بعيدة بشكل متزايد، وتحاول التركيز على مناطق أخرى من العالم، وأن الصين من بين الدول التي تحرص على سد أي فجوة قد يتركها الإهمال الأميركي، بحسب “فايننشال تايمز”.
وفي هذا الإطار، قال جيداليا أفترمان، الخبير في شؤون الصين والشرق الأوسط في معهد “أبا إيبان” للدبلوماسية والعلاقات الخارجية في الكيان الصهيوني: “يعتقد الجميع أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج (..) في المعركة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين، فإن كل 10 أمتار يقترب بها السعوديون من الصين لا تعتبر فوزاً لبكين فحسب، بل انتصاراً مزدوجاً؛ لأن السعويين يبتعدون أيضاً عن الولايات المتحدة”.
ومع ذلك، يحذر المسؤولون الخليجيون من الوقوع في فخ أي نزاعات صينية أميركية، ويعتقدون أنه يتعين عليهم الحفاظ على العلاقات مع القوتين الكبيرتين.
فالنظامان السعودي والإماراتي تحديداً يعتمدان على واشنطن كمورد رئيسي للمعدات العسكرية والحماية، وسيكون من المستحيل بالنسبة لهما استبدال ما تورده الولايات المتحدة بما تقدمه الصين. لكن ذلك لم يمنع النظام السعودي ودول الخليج الأخرى من الاقتراب من بكين بشأن التعاون في التجارة والتكنولوجيا، بما في ذلك تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والطائرات القتالية المسيرة.
وفي السياق، قالت نيسا فيلتون، كبيرة المديرين في شركة “جينيس إنتل تراك” الاستشارية إنه “في حين أن الصين لا تشكل حاليا تهديداً للدور التاريخي للولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي في منطقة الخليج، إلا أن العلاقات (الخليجية) المتزايدة معها يُحتمل أن تمثل إشكالا لمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل”.
وأضافت: “هذا التعاون الأوسع نطاقاً، بما يشمل الاستعداد لمزامنة السياسة الخارجية للصين مع أجنداتها المحلية، يشير إلى الانفتاح الخليجي على التنويع بعيداً عن العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة”.
وفي الداخل الصيني، يواجه “شي” قلقاً واسع النطاق بسبب الركود الاقتصادي الحاد والمعارضة المتزايدة لسياساته، التي انعكست في احتجاجات أواخر الشهر الماضي بالعديد من المدن الكبرى، وهو ما ربطته ويلي لام، الخبيرة في سياسة بكين بالجامعة الصينية في هونج كونج، بزيارة الرئيس الصيني إلى “السعودية”، قائلة: “يحتاج شي إلى صرف الانتباه بسبب عدم الرضا المحلي” عن سياساته.
وتصدرت “السعودية” وجهات الاستثمار الصيني في منطقة الخليج على مدار العشرين عامًا الماضية، بإجمالي 106.5 مليارات دولار، متقدمة على الكويت بـ97.6 مليار دولار و46 مليار دولار للإمارات، وفق بيانات “جينيس إنتل تراك”. النفط والقواعد العسكرية والعلاقات بين بكين والرياض مدعومة بالنفط؛ إذ إن “السعودية” هي أكبر مورد للخام إلى الصين، والأخيرة هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة.
ولذا سيلوح النفط في الأفق بشكل كبير خلال زيارة “شي” المرتقبة، الأمر الذي يثير قلق الإدارة الأميركية، خاصة فيما يتعلق بمجالات تعاون بعينها، مثل تزويد الصين للمملكة بتكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس، فضلاً عن وجود مؤشرات على احتمال سماح بعض الدول الخليجية بإنشاء قواعد عسكرية صينية على أراضيها.
وفي السياق، أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الإمارات أغلقت، العام الماضي، منشأة عسكرية صينية بعد اعتراضات أميركية، ونقلت عن “بريت ماكجورك”، كبير مسؤولي الشرق الأوسط في إدارة بايدن، قوله، في مؤتمر بالبحرين، الشهر الماضي: “هناك شراكات معينة مع الصين من شأنها أن تخلق سقفا لما يمكننا القيام به”.
وكانت الولايات المتحدة قد اتفقت مع “السعودية” على التعاون بنقل تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس إلى المملكة، لكن الرياض لا تزال تواصل تعاونها مع شركة “هواوي” الصينية، التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات، باعتبارها مخلب “تجسس” مزعوم. كما أثيرت مخاوف في الولايات المتحدة بسبب تكنهات بشأن توقيع “السعودية” اتفاقاً مع الصين لتسوية تجارة النفط باليوان الصيني.
وبينما أفاد مسؤولون سعوديون أنهم أبلغوا نظراءهم الأميركيين بأن أي صفقة من هذا القبيل لن تشمل تجارة النفط التي تتم بالدولار حالياً، بل ستمتد إلى قطاعات أخرى، قال مسؤول سعودي كبير إنه ليس على علم بأي صفقة تجارية بشأن النفط مع الصين هذا الأسبوع، لكن اعتبر أنه “لن يكون هناك خطأ في القيام بذلك”، حسب تعبيره.
ارسال التعليق