قراءة في تزايد طلبات دول الخليج على عضوية منظمة شنغهاي
بقلم: صالح العلي...
المشاركة المتزايدة لدول الخليج في منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تعقد اليوم في الهند اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء لبحث توسيع المنظمة، كانت تحت مجهر المحللين والخبراء، لما لها من انعكاسات على مجمل المشهد في المنطقة والعالم، وخصوصا لناحية انعكاساتها على مجريات الصراع الأميركي – الصيني.
ومن المقرر أن يوافق المجتمعون البوم على مشروع قرار بمنح إيران صفة عضو كما من المقرر أن يتم النظر في طلب بيلاروسيا في الانضمام للمنظمة وتسريع الإجراءات المتعلقة بذلك.
ورأي الخبراء في تحليل نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أن عملية إدراج دول من الشرق الأوسط تؤكد على رغبة هذه الدول المتزايدة في تنويع علاقاتها الخارجية، فضلاً عن طموحات الصين وروسيا المتزايدة في منطقة تعتبر تقليديًا منطقة نفوذ أميركية.
كما يشير نجاح منظمة شنغهاي للتعاون علاوة على ذلك إلى إعادة تعريف التوازنات العالمية وتأثيرها المتزايد على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومنظمة شنغهاي، التي تأسست في 2001، تضم إلى جانب الصين وروسيا، أربع دول من آسيا الوسطى (كازخستان، وطاجكستان، وأوزبكستان، وقيرغستان)، والتحقت بها كل من الهند وباكستان في 2017، وأخيرا إيران في سبتمبر 2022.
كما تضم شركاء حوار وهم: تركيا وقطر ومصر وأرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا، بينما تشارك بصفة مراقب كل من بيلاروسيا ومنغوليا وأفغانستان (عضويتها غير مؤكدة بعد سيطرة طالبان على البلاد).
وتغطي دول المنظمة 60 بالمئة من منطقة أوراسيا، بعدد سكان يقدر بـ 3.2 مليار نسمة، وبحجم اقتصادي يبلغ 20 تريليون دولار. إيران: تعزيز الثقة ورأت سارة بازوباندي، في التحليل، أن حصول إيران على العضوية الكاملة بمنظمة شنغهاي، سوف يعزز ثقة إيران الدولية ولكن بدون فوائد اقتصادية.
وذكرت أن إيران التي تمت الموافقة على طلب عضويتها الكاملة في عام 2021 تعتبر أن المنظمة هي نادي للقوى غير الغربية.
وأشارت إلى أنه بعد أن سحقت العقوبات الاقتصادية الأمبركية والضغط الاقتصادي المحلي المتزايد، فإن الجلوس على طاولة القوى الاقتصادية العالمية مثل الهند والصين وروسيا هو بصيص أمل في النجاة الاقتصادية للحكومة الإيرانية.
وعلى الرغم من أنه من الناحية الواقعية، فإن الاستثمار الذي طال انتظاره من قبل الصين والهند، والذي من المفترض أن يكون دافعا اقتصاديا حاسما لإيران، من غير المرجح أن يحدث في ظل نظام العقوبات الدولي الحالي.
لكن وفقا بازوباندي، فإن على أي حال، فإن المكانة السياسية التي تتمتع بها طهران لعضوية منظمة شنغهاي للتعاون هي مكانة هائلة.
وأضافت أنه في أعقاب الجولة الأخيرة من الانتفاضات التي بدأت في سبتمبر 2022، طغت المناقشات بين العواصم الأوروبية وإيران في المقام الأول على النقاش حول تبادل المواطنين الأجانب الذين تم أسرهم في طهران والعقوبات الجديدة ردا على القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية، مع عدم وجود علامة على التطبيع في الأفق.
وبحسب بازوباندي “فإن في ظل هذه الخلفية، ستعزز عضوية منظمة شنغهاي للتعاون ثقة النظام على المستوى الدولي”.
النظام السعودي: بين المصالح والتبعية من جانبها اعتبرت آنا جاكوبس المحللة المختصة بدول الخليج في مجموعة الأزمات الدولية، أن النظام السعودي الذي انضم للمنظمة كشريك حوار، يتفاعل مع تعدد الأقطاب المتزايد للنظام العالمي من خلال اتباع سياسة خارجية تستهدف تحقيق التوازن الاستراتيجي مع القوى العظمى.
يعكس قرار أن تصبح شريكا في حوار منظمة شنغهاي للتعاون أن المصالح الأمنية الاستراتيجية للرياض قد تقع على عاتق الغرب، لكن مصالحها الاقتصادية تبقى في معظمها في الشرق.
ويظهر توقيت الإعلان عن انضمام النظام السعودي لشنغهاي كشريك حوار بعد اتفاق الرياض وطهران على تطبيع العلاقات الذي توسطت فيه الصين في مارس 2023 ومؤتمرات القمة الصينية التي عقدت في الرياض في ديسمبر، زخما في العلاقات السياسية الصينية السعودية وكيف يسعى كلا البلدين إلى تجاوز علاقاتهما التقليدية، التي تتمحور حول الاقتصاد-وخاصة النفط.
ومع ذلك، من الضروري عدم المبالغة في تقدير قرار النظام السعودي بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وفق جاكوبس.
وذكرت أنه بالرغم من أن دول الخليج تحاول السعي لتحقيق التوازن الاستراتيجي بين القوى العظمى، وهي سياسة شعرت بأنها حتمية للقوى المتوسطة والصغيرة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة أهم شريك أمني خارجي لها، على الرغم من التحديات في العلاقة. وخلصت جاكوبس إلى إنه واقع الأمر، لا يمكن للصين أن تحل محل دور واشنطن الأمني لدول الخليج العربية.
ومع ذلك، فإن العلاقات السعودية مع الصين وآسيا هي بالتأكيد في صعود.”
العلاقات الإيرانية السعودية:
بدوره، رأي المحلل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية هشام الغنام، أن الاندماج التدريجي للنظام السعودي وإيران في منظمة شنغهاي للتعاون سيزيد من الفرص أمام الرياض وطهران لتحسين علاقاتهما الثنائية.
وأضاف أنه قبل كل شيء، فإن التقارب التدريجي بالمنظمة سوف يعمل على تعزيز علاقات الرياض وطهران والاقتصادية وترسيخ الاتفاقية الثنائية الموقعة مؤخرا في بكين.
كما سيحفز اندماج النظام السعودي وإيران في الوقت نفسه الصين وروسيا على الالتزام باتفاق مارس وتشجيعهما على الالتزام به.
وإضافة إلى ذلك ستوفر منظمة شنغهاي للتعاون منصة بديلة حيث يمكن للرياض وطهران معالجة مخاوفهما السياسية والأمنية، بدعم من بكين وموسكو والدول الأعضاء الأخرى. جذب الصراعات بدوره، اعتبر جاي بيرتون، أستاذ مساعد، مدرسة بروكسل للحكم، أنه بالنظر إلى مساع توسيع شنغهاي للتعاون؛ فيجب على الصين وروسيا منع شركائهم الجدد في المنظمة من جلب تنافسهم وصراعاتهم وأوضح أن الصين وروسيا تسيطران على منظمة شنغهاي للتعاون منذ تأسيسها قبل عقدين من الزمن، مع ذلك فإن توسيع عضوية المنظمة، فمن المحتمل أن يحدث ذلك.
ومع ذلك، مع نمو عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، من المحتمل أن يشكل توسيع العضوية تحديا لكل من الصين وروسيا اللتان تقودان المنظمة حيث تصبح السلطة موزعة بصورة أكبر.
وذكر أن الهند وباكستان، على سبيل المثال، جلبتا سابقا قضايا جنوب آسيا وتنافسها إلى منظمة شنغهاي للتعاون.
وعقب بأنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن عضوية إيران الأخيرة وقرار النظام السعودي بأن يصبح شريكا في الحوار لا يمكن أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للخليج.
في الوقت نفسه، أصبحت العلاقات الدولية متعددة الأقطاب بشكل متزايد والدول مهتمة بنفسها، مما أدى إلى زيادة في سلوك المعاملات فيما بينها – مما قد يؤدي إلى انتكاسة.
بينما تسعى إيران إلى التضامن والدعم ضد الغرب من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، لم يتخلَ النظام السعودي بعد عن حليفتها التقليدية للولايات المتحدة، وقد يضع ذلك عقبة أمام أي جهود لتعزيز نفوذ الصين أو غيرها.
وقال روبرت ماسون، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن؛ إن توسع منظمة شنغهاي للتعاون ولا سيما فيما يتعلق بالخليج لا يجب أن يمثل مصدر قلق كبير لواشنطن.
ورأي أن الطلبات المتسارعة للحصول على عضوية شريك حوار بمنظمة شنغهاي للتعاون من دول الخليج (السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات حتى الآن) رمزية وتدل على الخطاب الرسمي للصين حول القوة العالمية.
واعتبر أن احتمال حدوث المزيد من التداعيات من الاتفاق النووي الأميركي الإيراني الفاشل، واستئناف البناء في موقع عسكري صيني مشتبه به في الإمارات العربية المتحدة، وأي علاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وفاجنر يجب أن تكون مصدر قلق لصانعي السياسات الأمريكيين أكثر من توسيع عضوية منظمة شنغهاي للتعاون.
ارسال التعليق