تقرير يفضح دور زعماء الشرق الأوسط في قمع أقلية الإيغور المسلمة
مع تعميق الصين لعلاقاتها مع الدول العربية، لا سيما السعودية ومصر والإمارات، يتعرض الشتات الأويغور في منطقة الشرق الأوسط بشكل متزايد لخطر القمع الصيني المتنامي العابر للحدود
فضحت منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (داون)، دورَ مَن سمّتهم الحكام المستبدين (السعودية والإمارات ومصر) في الشرق الأوسط، في القمع العابر للحدود ضد الإيغور.
وقالت المنظمة، في تقرير مفصل، إنه في استعراض للنفوذ السياسي المتزايد للصين في العالم الإسلامي، سافر قادة من 32 دولة ذات أغلبية مسلمة إلى شينجيانغ العام الماضي، في شمال غرب الصين، لحضور مؤتمر يعرض التنمية الاقتصادية والاجتماعية المفترضة في المنطقة.
صرّحت وزارة الخارجية الصينية، بأنّ الحاضرين عبّروا عن أنّ حرية المعتقد الديني والحقوق المختلفة للمسلمين مكفولة على النحو الواجب، وأن الواقع في شينجيانغ يختلف تمامًا عما تذكره بعض وسائل الإعلام الغربية، في إشارة مستترة إلى الاعتقال الجماعي لما يصل إلى مليون شخص من عرقية الإيغور.
حملات العلاقات العامة هذه ليست سوى عنصر واحد في مجموعة أدوات بكين لتبييض قمعها في أقصى غرب الصين، في مقاطعة تضمّ عددًا كبيرًا من السكان المسلمين.
ومع تعميق الصين لعلاقاتها مع الدول العربية، لا سيما السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، يتعرّض الشتات الإيغور في منطقة الشرق الأوسط بشكل متزايد لخطر القمع الصيني المتنامي العابر للحدود.
ففي العام الماضي، طُلب من أربعة الإيغور، بمن فيهم أطفال مقيمون في السعودية، الاستعدادَ للترحيل إلى الصين، حيث من المحتمل أن يتمّ احتجازهم من أجل “إعادة التعليم” في شبكة شينجيانغ الواسعة من معسكرات الاحتجاز والسجون والمصانع للعمل القسري.
منذ عام 2017، شرعت الصين في حملة قاسية لإخضاع المنطقة الشاسعة المتاخمة لآسيا الوسطى وإعادة هندستها، بما يتماشى مع مبادئ الحزب الشيوعي وتاريخ شينجيانغ الفريد وثقافته، والتي حدّدتها الأقليات العرقية العديدة.
ومع اكتساب الصين المزيد من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ النفوذ ذروته الشهر الماضي في الصفقة التي ساعدت في التوسط لإعادة العلاقات بين الخصمين في المنطقة إيران والسعودية، فقد اكتسبت أيضًا قبولًا دبلوماسيًا، وحتى تواطؤاً، لقمعها للإيغور، في منطقة كان للإيغور فيها قرون من التواصل والاتصال الديني.
وخلال زيارة قام بها إلى الصين عام 2019، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مردّدًا حديث الحكومة الصينية التي تبرر قمعها للإيغور: “نحن نحترم وندعم حق الصين في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية أمنها القومي”.
كما وقّعت الرياض رسالتين مشتركتين للأمم المتحدة، في 2019 و2020، تدعمان القمع الجماعي الصيني في شينجيانغ.
تَمضي البلدان ذات الأغلبية المسلمة في منطقة الشرق الأوسط إلى أبعد من مجرد تقديم الدعم الخطابي لهذه الحملة. فوفقًا لبحث أجريته، قامت ست حكومات على الأقل في جميع أنحاء المنطقة -مصر والمغرب وقطر والسعودية وسوريا والإمارات- باحتجاز أو ترحيل أشخاص من مجتمع الإيغور بناءً على طلب الصين، مع إجبار ما لا يقل عن 292 شخصاً من الإيغور على العودة إلى الصين من الشرق الأوسط منذ عام 2002.
في حين أن القمع الصيني للأويغور مستمرّ منذ عقدين من الزمن، فإن حجم وشدة ذلك القمع زاد بشكل كبير في عام 2017 مع بداية حملة الصين للاعتقال الجماعي داخل شينجيانغ.
ووفقًا لبحث أجرته جمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، تم احتجاز أو تسليم نحو 1,327 شخصاً من الأويغور من 20 دولة منذ بدء حملة “إعادة التعليم”. في الصين، تم تجريم العلاقات الشخصية مع العالم الإسلامي فعليًا، حيث أدرجت أجهزة الأمن 26 دولة ذات أغلبية مسلمة في القائمة السوداء، بما في ذلك جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط. تشتبه السلطات في أي شخص لديه روابط من خلال الأسرة أو الاتصالات شخصية أو التعليم في المنطقة، وتصنفه على أنه بحاجة إلى “إعادة تعليم”.
تستخدم الصين شبكة معقدة من المنظمات الدولية لملاحقة الأويغور في الخارج، بما في ذلك الإنتربول، جهاز الشرطة الدولي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهي الكتلة الأوروبية الآسيوية التي تركز على الأمن وتترأسها الصين.
كما تستفيد الحكومة الصينية أيضًا من معاهدات تسليم المجرمين الثنائية الواسعة النطاق، والتي غالبًا ما يتمّ توقيعها مقابل استثمارات صينية كجزء من برنامج البنية التحتية العالمية الضخم، مبادرة الحزام والطريق. لذا، فإنه عندما تلاحق بكين فردًا في الخارج، فإنها إن فشلت في إحدى الطرق، يمكنها استخدام طريقة أخرى بسرعة.
وقال التقرير: “يمكننا رؤية ذلك في حالة إدريس حسن. في يوليو/تموز 2021، تمكّن إدريس حسن، وهو مهندس كمبيوتر وناشط من الأويغور مقيم في تركيا وكان قد عمل مترجمًا لتوثيق الانتهاكات ضد الأويغور في شينجيانغ، من الهروب من البلاد بعد سلسلة من التهديدات من الشرطة المحلية”.
استقلّ إدريس رحلة إلى المغرب، طالبًا اللجوء، لكن الشرطة المغربية احتجزته عندما وصل إلى مطار الدار البيضاء، بناءً على “نشرة حمراء” لاعتقاله كان قد أصدرها الإنتربول قبل سنوات بناءً على طلب الصين.
وفي أعقاب احتجاج دولي على التهم المسيسة بـ”الإرهاب” ضده -وهو اتهام تستخدمه الصين لتبرير الفظائع الجماعية الوحشية في شينجيانغ- أصدر الإنتربول اعتذارًا وعلق النشرة الحمراء. ومع ذلك، لا تزال محنة حسن مستمرة حتى يومنا هذا، حيث شرعت المحاكم المغربية في تقديمه للمحاكمة، مستشهدة بمعاهدة تسليم المجرمين التي وقّعها المغرب مع الصين في عام 2016 كجزء من صفقة تجارية. وحكمت المحاكم لصالح تسليمه، لكنه لا يزال محتجزًا في المغرب حتى الآن.
وامتدت حملة القمع العابرة للحدود ضد الأيغور إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال الأنظمة الاستبدادية التي تقترب بشكل متزايد من بكين. في يوليو/تموز 2017، اعتقلت الشرطة المصرية عدة مئات من الإيغور الذين كانوا طلابًا في جامعة الأزهر، المؤسسة الإسلامية المرموقة في القاهرة، واحتجزتهم لترحيلهم.
وتمّ الإبلاغ عن وفاة اثنين في وقت لاحق في الصين في حجز الشرطة، ما يكشف عن خطر التعذيب وسوء المعاملة والإهمال الذي يواجهه الأويغور عند الترحيل. أخبرني العديد من الأويغور أنهم استُجوبوا من قبل أجهزة الأمن الصينية في مصر، ما يشير إلى أن الصين لديها تعاون أمني مكثف مع شركائها في المنطقة.
يمكن القول إن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك الأقرب للصين في المنطقة، وتضع نفسها كمركز استخباراتي لأجهزة الأمن في بكين؛ بل وتستضيف قاعدة عسكرية صينية مشتبهاً بها.
ومع قيام الحكومة الصينية بتوسيع نطاق مراقبتها الجماعية للأويغور خارج حدود الصين، فقد ضغطت على الإمارات لجمع بصمات الأويغور المقيمين في الإمارات، فعندما احتجزت السلطات الإماراتية أحمد طالب، الذي كان يعمل في الإمارات، في عام 2018، أخبر زوجته أمانيسة عبد الله أن الشرطة في دبي أخذت عينة من دمه بناءً على طلب من الحكومة الصينية. وزُعم أنه تم ترحيله بعد وقت قصير من آخر مكالمة هاتفية بينهما في ذلك العام.
من خلال فتح حدودهم أمام دولة المراقبة الصينية الواسعة، فإنّ بعض أقرب حلفاء أمريكا وشركائها في الشرق الأوسط يساعدون حملة الصين القمعية ضد الأويغور، والتي لا تقتصر فقط على شينجيانغ.
يجب على القادة الغربيين الرد على ذلك، والعمل على وضع سياسات من شأنها أن تسمح للاجئين الأويغور وطالبي اللجوء بالانتقال بأعداد أكبر من دول ثالثة أصبحت خطيرة بشكل متزايد، مثل مصر والإمارات.
وعلى الولايات المتحدة وحلفائها تبني تعريف مشترك للقمع العابر للحدود، والاعتراف بالتهديد الذي يمثله، والعمل على محاسبة الجناة وشركائهم من الأطراف الثالثة. لدى الغرب بالفعل تشريعات واسعة النطاق لمعاقبة مرتكبي مثل هذه الجرائم بعقوبات قانون ماغنيتسكي التي تم استخدامها لاستهداف المسؤولين المتورطين في الفظائع الجماعية في شينجيانغ.
مثلما أصبحت حملة الصين ضد الأويغور عالمية على نطاق واسع، يجب أيضًا أن تصبح الجهود الإنسانية الغربية لحماية الأويغور أكثر تنسيقًا واستجابة على المستوى الدولي. الأويغور في الصين بحاجة إلى ملاذات آمنة حقيقية حول العالم، بعيدًا عن أيادي القمع الصيني الطويلة الممتدة في أماكن عدة في العالم.
ارسال التعليق