صراعات هادئة تحت ظاهر التحالف السعودي - الإماراتي
تناول الكاتبان في مجلة "فورين بوليسي" ارش رئيسي نجاد ومصطفى بوشهري في مقالة لهما، ما يكمن خلف العلاقات السعودية الإماراتية الظاهرية، التي تُبدي للخارج انسجاما وتماهيا في العديد من القضايا الإقليمية، ابتداءً من اتحاد "المملكتين" على معاداة إيران، إلى توحّد الرؤية تجاه قطر "الخليجيّ الدخيل" الذي لا يعادي الجمهورية الإسلامية في إيران كما يفعل "الأشقاء"، وصولاً إلى اصطفافهم في وجه بلد آخر آخر وهو اليمن في عدوان امتد لما بقرب من العقد.
وأمام هذه التوافقات العامة، تأتي "العداوء" في كل ما يتعلق بمصالح البلدين الخاصة، من "منافسة جيواقتصادية" ذو أبعاد مختلفة، وفقا لتعبير الكاتبين.
انطلق الكاتبان من التناغم في النظرة للكيان الإسرائيلي الذي أكده ثبات موقف كِلا البلدين من "إسرائيل" حتى بعد عدوانها الوحشي على غزة، "ولكن ما يكمن تحت سطح هذا التحالف الأخوي الواضح هو صراع هادئ، حيث يتنافس البلدان على الزعامة داخل العالم العربي" وفقا للصحيفة. وتتابع "خلف الكواليس، تخوض السعودية والإمارات منافسة جيو-اقتصادية نشطة بأبعاد متعددة".
في الآتي ترجمة ما تبقّى من المقال مُظهرا أوجه الخلافات بين "السعودية" والإمارات:
أولاً، هناك منافسة هائلة على الاستثمار الأجنبي. ويعود التنافس إلى عام 2009، عندما اعترضت أبو ظبي على الموقع المقترح لمقر البنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، والذي لعب في نهاية المطاف دورًا في إحباط إنشاء البنك نفسه. بين عامي 2012 و2022، كان تدفّق الاستثمار إلى الناتج المحلّي الإجمالي في الإمارات أكبر بنحو 3.5 مرة من نظيره في السعودية، وأصبحت دبي الموقع المفضل لنحو 70% من المقرّات الرئيسية للشركات الكبرى متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع أسعار النفط في عام 2022، بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى دفع الاقتصاد السعودي إلى النمو بنسبة 8.7%، وهو أعلى معدّل بين دول مجموعة العشرين، التي أنتجت تدفقات كبيرة من رأس المال. وقد شجعت السعودية بنشاط الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الخليج على نقل مقرّها الرئيسي إلى أراضيها، وأصدرت تحذيرات من أنّ الشركات التي تفشل في ذلك تخاطر بوقف العلاقات التجارية مع الرياض.
وقد أدّت سياسات الطاقة بين السعودية (أكبر مصدر للنفط في العالم) والإمارات إلى زيادة حدة هذه المنافسة. وفي صيف 2021، برز خلاف واضح بين الرياض وأبو ظبي بشأن خطة تقودها السعودية ضمن أوبك+ لإطالة أمد تخفيضات الإنتاج، مع رفض الإمارات للمقترح. وعلى الرغم من التوصّل إلى حلّ واضح لهذا التوتر بسرعة، فقد انتشرت شائعات لاحقة بشأن اعتراض أبو ظبي على هيمنة الرياض داخل أوبك + والتفكير المحتمل في الانسحاب من أوبك.
كما أدت المنافسة على المكانة العالمية إلى إحداث شرخ بين السعودية والإمارات. ويستثمر كلا البلدين بشكل استراتيجي في الجهود الرامية إلى تعزيز قوتهما الناعمة من خلال استضافة تجمعات دولية بارزة. فقد أنشأت السعودية مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، في حين استضافت أبو ظبي منتدى الاستثمار العالمي، وهو حدث سنوي تنظّمه الأمم المتحدة. ويعمل كل من المنتديات والمؤتمرات بمثابة منصّات لاجتماع القادة والمستثمرين العالميين، وتسهيل اقتراح حلول مبتكرة للتحديات العالمية.
بعد أن نظّمت دولة الإمارات معرض إكسبو 2020 في دبي، وهو الأوّل من نوعه في الشرق الأوسط، دخلت السعودية التاريخ من خلال تأمين حقوق استضافة معرض إكسبو 2030. علاوةً على ذلك، تم اختيار دبي كمكان لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي المحوري لتغير المناخ العام الماضي. ويستمر هذا الالتزام باستضافة القمة، حيث من المقرّر أن تستضيف أبوظبي المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في شباط/ فبراير.
وبعد استضافة قطر الناجحة لكأس العالم لكرة القدم 2022، اتخذت الرياض مبادرات لرفع مستوى الدوري الوطني لكرة القدم من خلال جذب نخبة اللاعبين. منذ أوائل عام 2021، التزمت السعودية بما لا يقل عن 6.3 مليار دولار في الاتفاقيات الرياضية، وهو ما يتجاوز إجمالي الإنفاق في السنوات الست السابقة بأكثر من أربعة أضعاف.
ويمكن أن يكون أوّل مظهر من مظاهر الجغرافيا السياسية لكرة القدم في العصر الجديد. تشتهر دبي بمجتمعها العالمي المنفتح نسبيًا، حيث تجتذب المشاهير لاستضافة الحفلات الموسيقية والعروض. إلا أنّ هذا الامتياز لم يعد يقتصر على دولة الإمارات.
في كانون الثاني/ ديسمبر 2023، استضافت الرياض بنجاح MDLBEAST Soundstorm، وهو أكبر مهرجان موسيقي في الشرق الأوسط. وتعكس هذه المساعي مجتمعة الجهود المتعمدة التي بذلتها هاتان الدولتان لإعادة تشكيل صورتهما الدولية وتعزيز التصوّرات الإيجابية عن نفسيهما على الساحة العالمية.
أما المنافسة الأخيرة والأكثر محورية، فتتعلّق باستراتيجيات «الرؤية» التي تنتهجها الدولتان. وقد رسّخت دولة الإمارات، بعد أن شرعت في رحلة التنويع منذ سنوات، مكانتها كمركز عالمي للنقل والأعمال من خلال مبادرات استراتيجية تتعلق بمينائي خليفة وجبل علي، يكملها نجاح الناقل الجوي طيران الإمارات.
ومع ذلك، أطلق محمد بن سلمان رؤية 2030، وهي خريطة طريق طموحة للتنويع الاقتصادي السعودي، في عام 2016. والمشروع الرئيسي ضمن هذه الرؤية هو مبادرة نيوم، وهو مسعى بمليارات الدولارات يهدف إلى وضع السعودية كدولة بارزة في البنية التحتية والنقل والتكنولوجيا، ومركز الأعمال والمال في المنطقة.
كما التزمت الرياض أيضًا بأكثر من 100 مليار دولار لتحويل نفسها إلى مركز لوجستي بحري وجوي، وهو ما تميّز ببدء شركة طيران الرياض. وينطوي ذلك على تحدي هيمنة الموانئ الإماراتية من خلال استثمارات كبيرة في ميناء جدة الإسلامي، المقرّر أن يصبح أكبر وأكثر الموانئ ازدحامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبصياغة مختلفة، دفعت منافسة “الرؤية” الرياض وأبو ظبي إلى سباق التحديث والتنويع، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب بعضهما البعض.
ارسال التعليق