البلطجة السياسية، شيء عن سيرة سعود القحطاني
بقلم: ناصر العربي...
في لغتنا العربية نشير إلى الشخص الذي لا يتقيد بالتقاليد ولا الأعراف ولا الذوق والآداب العامة فضلاً عن القانون بأنه بلطجي. وهي كلمة شائعة الاستخدام لها دلالاتها التي تختصر الكثير من الكلام. وهذا لُب المقال عن الشخص المدعو سعود القحطاني مستشار محمد بن سلمان، وهذا المقال ليس شخصياً ولا إنتقامياً ولا تشهيرياً عن هذا الشخص، لكن بحق هو عن السلوك السياسي وعن الشخصية السياسية السيكوباثية المريضة والغير سوية.
في الولايات المتحدة الأمريكية، في أوج الصراع الأمريكي مع الاتحاد السوفيتي، ظهرت للمجال العام، شخصية جوزيف مكارثي، هذا الشخص لم يكن ذو مكانة سياسية كبيرة، ولا زعيماً سياسياً، بل كان مجرد عضو في لجنة فرعية بسيطة في الكونغرس، بدأ عملة بتوجيه الاتهام للعديد من موظفي الخارجية الأميركية إنهم شيوعيون وجواسيس وعلى علاقة بالاتحاد السوفيتي، لم تكن أي معلومة قالها مكارثي حقيقية وصحيحة ومستنده إلى أدلة واقعيه، بل كان يعتمد على الكذب والتزييف. نتيجة لهذا الصوت الفاسد والبلطجي ساد الخوف في المجتمع الأمريكي وذهب العديد من الأبرياء للسجن وفُصل العديد من الموظفين من أعمالهم نتيجة هذا السلوك المريض. أضحت هذه القصة لها رمزية ودلالة يستدل بها عندما يسود الكذب والتضليل السياسي وتلفيق الأخبار والتحريض على الأبرياء في مناخ يسوده الخوف والقمع والملاحقات الأمنية الغير قانونية.
في سياقنا المحلي، عندما بدأ الإنترنت في الخدمة ظهرت معه مساحات للحوار والنقاش لما عرف سابقاً في المنتديات منذ ٢٠٠١ وما بعدها، أضحت المنتديات هي عالم تويتر اليوم. كانت المنتديات هي الملاذ للحديث والنقاش والتفكير والحوار للسعوديين، حيث حُرم علينا أن نتحدث في الصوالين الثقافية والمدنية بشفافية وحرية.
فذهب الناس إلى الإنترنت بعيداً عن مقص الرقيب وملاحقة الدبابيس والدبابير. في تلك الفترة، لا سامحه الله، أستقدم خالد التويجري مدير الديوان، المدعو سعود القحطاني من الكلية العسكرية، للعمل في لجنة إعلامية صغيرة في الديوان الملكي، كانت مهمة اللجنة الصغيرة جداً أن ترصد تفاعل المنتديات وما يكتب في الإنترنت، من يكتب، ماذا يقال، وكيف يتفاعل القراء مع المكتوب. كان هذا هو عمل سعود لا أقل ولا أكثر، لم يكن عملاً ذو أهمية كبيرة. مع الوقت تحمس سعود، وأصبح يكتب كتابات وطنجيه، تارة بالاسم الصريح في المواقع الإلكترونية والصحف، وتارة بأسماء مستعارة لم تكشف بعد. لكن النقلة النوعية التي حدثت هي بعد انهيار أحد المنتديات المعروفة كمنتدى لليبراليين السعوديين، سيطر على إرثها والاسم الذي تم التخاصم عليه من قبل أنصار الليبرالية، إلى أن كسب المعركة سعود القحطاني لكن باسم رائف بدوي! تخيل عزيزي القارئ هذه الصدمة، أن رائف كان مجرد كومبارس في مسرحية لا يعلم متى بدأت ولا كيف سوف تنتهي!
لا شك أن النظام السعودي استبدادي، لكن بحق كانت هناك توازنات في فترات كثيرة، فالعرف الاجتماعي والتقاليد تكبح جماح القمع، وأيضا القمع كان يسمع عنه ولا تتم مشاهدته دائماً. لأن الدولة كانت تتعامل بشيء من التوازنات التي تجعل الجميع يحتار في سلوكها وخصوصا في عهد الملك عبدالله. كان الإصلاحيين يكتبون بياناتهم السياسية ويجلسون مع وزير الداخلية، وقد دون أحمد عدنان العديد من هذه النقاشات في كتابة محمد سعيد طيب السجين ٣٢. نعود للقحطاني، عندما غابت شمس المنتديات وتحول الجمهور إلى تويتر، كان هناك هو أيضا لكنه كان قليل التأثير مجرد بيضة صغيرة كما كان يقال، بسبب طبيعة المرحلة، وحكم عبدالله، والمناخ العام، وكان كما يقال نحن نرصد ولا نتدخل. لكن بعد اندلاع الثورات العربية، تكونت حسابات كلها حسابات أمنية ذات أسماء محلية تابعه للديوان ووزارة الداخلية.
سعود، ليس شخصه بل شخصيته، حسابات تقوم على التخوين والبلطجة والإسفاف وتحريض الرأي العام على أي شخص يقول حرف لا يعجب سعود، المكارثية هي اليوم قوانين وممارسات حكومية. في عز صعود سعود السياسي في عهد محمد بن سلمان، نشر سعود إعلان في تويتر بالقائمة السوداء عن المواطنين الخونة، وحث الجميع على مشاركة أي أسم يرونه خائن.
هذه الخطوة هي نفس سلوك جوزيف مكارثي، حيث يجمد سلوك مؤسسات الدولة التي كان من مهمتها الأمن والتحقيق والتثبت، حتى لو كنا في بلد مستبد، لم يكن هذا من الممكن أن يحدث بطريقة سعود المكارثية الذي شعر أن الساحة خلت له وأصبح يتصرف كوزير داخلية وربما كملك. إلى أن وقعت الطامة الكبرى، وهي اغتيال مواطن في قنصلية بلدة. كشفت التحقيقات الأممية والدولية عن دور سعود القحطاني وأحمد عسيري في قيادة هذه العملية.
سعود لم يتوقف عند هذا الحد، بل بشهادات العديد من الضحايا في السجون أنه تم تعذيبهم وإذلالهم على يد سعود القحطاني ومحمد آل الشيخ؛ لهذا سعود القحطاني حاضر في جل ملفات القمع، فهو البلطجي الذي يفعل السلوكيات القذرة الخارجة عن القانون.
قبل أيام، ظهر للسطح المنتج الإعلامي عبدالعزيز المزيني يشكوا في بث له حول الملاحقات القضائية له والمطالبة بسجنة ٢٥ سنة واتهامه ب ٢٥ تهمه أخرها دعم الإرهاب والشذوذ! ذكر المزيني أسم سعد السحيمي، هذا الشخص هو نموذج من نماذج كثر لا حصر لها، من شخصيات سعود القحطاني، فالأسماء كثيرة ولا يمكن حصرها، لأن قائد المشهد الحالي هو لديه هذا المرض النرجسي، والتخوين، والكذب والتلفيق. لهذا تشكلت لدينا ظاهرة سياسية بلطجية بإمتياز، حتى أنها أضحت سلوك للدولة في مناسبات كثيرة وخصوصاً عندما تولى مبس السلطة، عندما كان سعود مقرباً جداً منه، تم تهديد كندا بفعل مثل ١١ سبتمبر.
تخيل عزيزي القارئ أن الحكومة السعودية منذ ٢٤ سنة وهي تدفع عن نفسها هذه التهمة، وبغباء منقطع النظير يعلن حساب حكومي يتبع القحطاني، تهديداً لكندا على خلفية تغريدة لسفارة كندا في السعودية تناصر فيها الحريات. اغتيال جمال خاشقجي، حصار قطر، اعتقالات سبتمبر، اعتقال وتعذيب النساء وتشويه صورتهم في جل الصحف المحلية، اعتقال رئيس لبنان، اعتقالات الرتز، وغيرها من الأحداث الكارثية المكارثية هي ذرة في سلوك سعود القحطاني، لهذا نقول أن البلطجة السياسية هي نمط ثابت في سلوك الدولة، حتى لو اختفى القحطاني من المشهد فهناك مدرسة كاملة لهذا السلوك الذي لن يزول إلا بسيادة القانون والرقابة الشعبية والعدالة.
فقط في هذه الحالة سوف تختفي هذه الشخصيات من المشهد ولن يكن لها أدنى قيمة.
ارسال التعليق