العوامية في السعودية.. تأمين وتنمية أم تصفية حسابات؟
سبعة قتلى بينهم جنديان سعوديان في اشتباكات بلدة العوامية شرقي البلاد، الرواية الرسمية تتحدث عن محاولة السلطات هدم حي المسوّرة القديم لمنع من وصفتهم بالإرهابيين من استخدام أزقته الضيقة للإفلات من قبضة الأمن، بينما يتحدث نشطاء محليون من المنطقة التي تقطنها أغلبية شيعية عن إجبار السلطات للمواطنين على الخروج من الحي وإطلاق النار بشكل عشوائي، وهي الاتهامات التي تنفيها السلطات السعودية وتقول إنه تم تجهيز وحدات سكنية مفروشة لإيواء النازحين أو تعويض المتضررين في العوامية.
أحداث العوامية
بدأ المئات من سكان بلدة العوامية الهروب منها بسبب المواجهات المسلحة بين قوات الأمن السعودية ومسلحين من العوامية، ويقول بعض قاطني المنطقة، إن هروب الناس من حي المسوّرة بسبب انقطاع الكهرباء والماء من قِبَل الحكومة السعودية، ومن يخرج من منزله ليجلب الماء يتعرض لإطلاق النار من القناصة، والذين يخرجون من العوامية لا يسمح لهم بالعودة أبدًا، ويقول آخرون، إن حي المسوّرة يشكل 5% فقط من العوامية، وأن القوات السعودية تستهدف برصاصها وقذائفها الأحياء الأخرى.
ويتهم نشطاء محليون قوات الأمن السعودية بإجبار مئات من السكان على الخروج من العوامية بإطلاق النار عشوائيًّا على المنازل والسيارات في المنطقة.
واحتدم القتال في الآونة الأخيرة بعد محاولات من الحكومة السعودية لهدم حي المسوّرة التراثي لمنع من تصفهم السلطات السعودية بالإرهابيين من استخدام أزقته المعقدة للإفلات من قبضتها، ونفت المعارضة أن يكون استهداف الجيش للحي السكني بالسيارات المدرعة وطائرات الأباتشي وF15 تطهيرًا للمنطقة من الإرهاب المزعوم.
وتصاعد الموقف مع بدء السلطات السعودية مشروعًا لتطوير حي المسورّة التاريخي الذي تقول المعارضة السعودية إن تاريخه يعود إلى 400 عام، الأمر الذي أثار جدلًا محليًّا ودوليًّا.
وتؤكد السلطات الالتزام بالقانون وتوفير تعويضات مناسبة للسكان، ويقول معارضون إنه حتى في حال وجود أي عروض لتعويضهم عن هدم منازلهم القديمة فهي لا تتناسب مع أسعار الشقق الجديدة نظرًا لكلفتها الباهظة، وبالنسبة لنقطقة التزام الدولة بالقوانين، فبحسب مشاهد يسربها ناشطو العوامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد نية السلطات تهجير أهالي العوامية قسريًّا إلى مناطق متفرقة، وهم الذين أُمروا بمغادرة البلدة من منفذي صفوى والسجن حاملين الرايات البيضاء.
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أصدرت بيانًا أنصفت فيه سكان العوامية وعدم هدم حي المسوّرة، حيث دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة وطالبت السلطات السعودية بوقف عمليات الهدم والتجريف المزمعة في الحي فورًا، وتعويض المتضررين عما لحق بهم دون أن تلقى آذانًا صاغية.
بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الذي صدر في 24 مايو، أشار إلى أن ما تقوم به السلطات يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان وطالبتها بـ«الإيقاف الفوري لأعمال الهدم الجارية في حي المُسَوَّرة التراثي».
وأضاف البيان الأممي «رغم محاولاتنا المتعددة في التعبير عن قلقنا ومن سعينا الدائم للحصول على أي تفسير من الحكومة بشأن أعمال الهدم المخطط لها، يبدو أن الجرافات وغيرها من آليات الهدم بدأت في 10 مايو، وبمساندة قوى عسكرية مسلحة، هدم المباني والمنازل في الحي التاريخي المسَوَّرة وفي أماكن أخرى من العوامية، مُوقِعةً جرحى وقتلى ومكبدة أماكن إقامة المدنيين خسائر مادية».
ويبدو أن المملكة السعودية تمتلك سجلًا حافلًا لدى الأمم المتحدة فيما يخص المناطق الشرقية وحريات السياسية والعقائدية، فالسعودية كانت قد قطعت من قبل رأس الشيخ الشيعي نمر النمر بالسيف، بذريعة الإرهاب، وحينها أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد بن الحسين، عن أسفه العميق لتنفيذ عقوبة الإعدام، وذكر الدبلوماسي أنه قد توجه عام 2015 إلى الحكومة السعودية باستفسار حول مسألة الحكم بإعدام نمر النمر، وهو الأمر الذي يفتح الباب عريضًا حول تسييس السلطات السعودية عقوبة الإعدام.
جدير بالذكر أن العوامية هي مسقط الشيخ نمر النمر، الذي أعدم مطلع العام الماضي، وتقع بلدة العوامية ذات الغالبية الشيعية في إمارة المنطقة الشرقية من المملكة إلى الشمال من مدينة القطيف.
ويرجع بعض المراقبين انتهاكات السلطة السعودية في العوامية إلى أن الهدف من الهجوم على المناطق والبلدات الشرقية والتشديد على مواطنيها انتقام من الأهالي على اعتراضاتهم السلمية في العام 2011، حيث كان مسقط رأس الشيخ النمر مركزًا أساسيًّا لتلك التحركات، ومن الواضح أن الهدف الأساسي للنظام السعودي القضاء على جذور تلك المعارضة والانتقام من أهالي المنطقة وتحويلها إلى منطقة تجارية.
فيما يرى الباحث والناشط السياسي السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم، إن توقيت هذه الهجمات لإيصال رسالة، فالهجوم الأول على العوامية قبل شهرين جاء بالضبط يوم إعلان تحرير الموصل، والتصعيد الأخير جاء اليوم الذي أعلن فيه خطاب لحزب الله بخصوص تحرير جرود عرسال، وكأن «النظام السعودي يعوض عن خسائره بالخارج من خلال هذا التصعيد والإجرام الذي يرتكبه بالداخل».
ويرى آخرون أنه من المؤكد أن السلطات ستتمكن في نهاية المطاف من إنهاء الموقف في حي المسورة والسير قدمًا في مخطط تطوير الحي، لكن المشكلة الراهنة ليست سوى تعبير عن أزمة كامنة ومستمرة منذ سنوات، وجوهرها شعور المواطنين الشيعة في السعودية بالتهميش ونظرة السلطات لأي مطالب ينادون بها بأنها بإيحاء من إيران، حيث يقول الناشط السعودي المعارض، حمزة الحسن، إن استهداف النظام للعوامية محاولة لاختزال المعارضة في منطقة صغيرة والإجهاز عليها كما حصل في دوار اللؤلؤة في البحرين، مضيفًا أن المعارضة تعم أرجاء المنطقة الشرقية، رغم تصوير الإعلام الرسمي بأنها محصورة في القطيف أو العوامية أو المسوّرة أو بشخص الشيخ نمر النمر.
وحول بعض المواجهات المسلحة الدائرة فبمنطقة العوامية، يقول رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، علي الدبيسي، إن حمل السلاح هو مسار خاطئ، لكنه ناتج عن الاستخدام السيئ من قِبَل الحكومة السعودية للسلاح الذي في أيديها في المقام الأول، حيث رصدنا في المنظمات الحقوقية مجموعة من المعارضين قتلوا في مظاهرات سلمية، ورصدنا أيضًا قتلًا خارج إطار القانون، كالقتل في السجون والقتل التعسفي، وكل هذا العنف الشديد الذي مارسته المملكة ولَّد عنفًا مضادًّا.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق