في المملكة فقط.. دعاة وسلطة متفقون على تخطي الدين نحو العلمنة
* حسن العمري
صدق من قال "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم".. هو حال مشايخنا في المملكة فبعد عقود وقرون طويلة من فتاواهم في حرمة الغناء والرقص واللهو واللعب واستخدام وبيع الالات الموسيقية والطرب و...، نرى اليوم وبين عشية وضحاها صدور جملة من الفتاوى بحلية بل وضرورة الترفيه عن النفس بإرتكاب المعاصي والمآثم حيث أباحوا الرقص ومن نوعه المختلط رجالاً ونساءاً في شوارع مملكة الوحي والتنزيل شاهرين سيف تخطي الدين ودفع البلاد نحو العلمنة والليبرالية في زمن يكون فيه الحكم على من يدعو لحرية الرأي والاصلاح والتغيير هو "قطع الرأس حرابة" كما شهدنا مطلع عام 2016.
بدأوا فتاواهم نحو علمنة بلاد الحرمين الشريفين بدعمهم لعمل الهيئة العامة للترفيه والتي تأسست بقرار ملكي في 30 رجب 1437 هـ الموافق 7 مايو 2016 تماشيًا مع رؤية محمد بن سلمان المستقبلية للمملكة والتي اطلق عليها رؤية السعودية 2030 في 25 أبريل 2016 لما يمثله قطاع الترفيه من أهميّة كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي - حسب وصفه - فيما الحقيقة تبوح عن سر كبير بان من دفعه نحو اطلاقها هو معلمه والأب الروحي محمد بن زايد، في خطوة أولى نحو تفتيت وتفسيق الخلق الاسلامي الاجتماعي التراثي للمجتمع السعودي كما حل بجاره الاماراتي .
حقيقة ما يدور يوحي الى اننا بانتظار ولادة ديكتاتورية جديدة في البلاد تحت يافطة العلمنة والتوجه الليبرالي عبر إشغال الشارع بتفاهات السماح للمرأة بقيادة السيارة - علماً أنني من دعاتها من زمن طويل -، ثم اطلاق فتاوى حلية بث أغاني أم كلثوم من فضائيات ووسائل اعلام مملكة الوحي كانطلاقة من المؤسسة الدينية نحو السماح لغيرها من الاغاني والموسيقى لتطرب أسماعنا بعد أن كنا نتفاعل ونهمس فرحاً وشوقاً مع تناغم أسماعنا بصوت قرائنا وهم يتلون على مسامعنا آيات من الذكر الحكيم تريح أنفسنا وتبهج قلوبنا وتنور أفكارنا؛ وإذا بشاب آل سعود الأرعن يستبدل لنا الذي هو أدنى بالذي هو خيرنا وسعادتنا .
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وفي مقال تحت عنوان "قيادة المرأة تحول إلى الاستبداد وليس إلى الديمقراطية" بقلم كاتبها ستيفان لاكرواكس، كشفت النقاب عن حقيقة ما تصبو اليه السلطة الحاكمة في المملكة من وراء السماح للمرأة بقيادة السيارة وكذلك كل هذا الانفتاح والتطبيل والتهريج نحو العلمنة والليبرالية تزامناً مع ارتفاع عدد المعتقلين من دعاة ومشايخ وأمراء ونشطاء ودعاة اصلاح وتغيير الى أكثر من 200 شخص وسط صمت وسائل الاعلام الغربية والعربية؛ فيقول..في 26 سبتمبر/أيلول، منحت المملكة العربية السعودية مواطناتها الحق في القيادة، بعد رفع الحظر الذي دام لعقود. وقد أحدث هذا التغيير هزة في الأسس المحافظة التي بني عليها نظام المملكة.. وفي حين كانت المملكة معتادة على سجن الأصوات السياسية المستقلة، كانت الاعتقالات الأخيرة غير عادية من عدة زوايا .
مراقبون للشأن السعودي أكدوا من جانبهم على أن الإصلاحات الأخيرة لمحمد بن سلمان لا تحظى بشعبية كبيرة، وانه لا علاقة لها بتمكين المجتمع المدني أو تعزيز الحكم الديمقراطي، وتُفهم هذه التغييرات بشكل أفضل بل هي محاولة لجعل القيادة السعودية «سلطة مستبدة» أخرى في المنطقة. حيث شملت حملات الاعتقال المتواصلة في المملكة العديد من المثقفين الإصلاحيين والشباب الناشطين في الحركة السعودية المؤيدة للديمقراطية منذ عام 2011 بينهم «عبد الله المالكي»، مؤلف كتاب صدر عام 2012، عن الشرعية الدينية لمفهوم سيادة الشعب.
لازال الشارع السعودي ومن حوله العربي والأجنبي يتذكر فتوى قتل "ميكي ماوس" للداعية الشيخ محمد المنجد خطيب وإمام جامع عمر بن عبد العزيز في حي العقربية في محافظة الخبر (سبتمبر عام 2008) وما أحدثت من تداعيات هزيلة مضحكة على وسائل الاعلام العالمية، حيث كتبت مجلة بيلد الالمانية "الموت لميكي ماوس... الإسلاميون يؤكدون أنه جندي الشيطان"، فيما كتبت التلغراف البريطانية "ميكي ماوس لابد أن يموت"، ليسخر موقع "فوكس نيوز"من الفتوى كاتباُ أن "رجل دين سعودي يهدر دم ميكي ماوس"، وكتبت "كرونين زيتونغ" النمساوية .. "الفتوى التي قتلت ميكي ماوس"، وصحيفة "المانيفيستو" الأسبانية اليسارية "ميكي ماوس مخلوق شيطاني وفقًا لفتوى اسلامية"، ودي ستاندرد البلجيكية "ميكي ماوس قد يكون ضحية فتوى"، كلها ساخرة من فتاوى كبيرة لمشايخ السعودية من هذا النوع.
اليوم يفاجأ الشارع السعودي بجملة فتاوى متناقضة تماماً عما كان يعيشه طيلة العقود والقرون الأخيرة من سلطة آل سعود حيث أباحت المؤسسة الدينية الذراع العقائدي في المملكة إقامة الحفلات الماجنة والرقص المختلطة رجالاً ونساء، والمسرحيات المبتذلة، وأمسيات الباليه الروسية و... غيرها من أمور التفسيق للمجتمع الشبابي السعودي ذكوراً وإناثا بغية إنشغالهم عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة المباحة للأجنبي الخبيث والمصروفة في ملاهي وفنادق العهر والدعارة العربية والأجنبية الأميركية والفرنسية والروسية كلاً على شاكلته لترفيه الملك وحاشيته الطويلة العريضة من سواحل فرنسا حتى طنجة المغربية وموسكو وسوتيشي الروسية، والشعب جائع عريان مفلس يبحث عن لقمة العيش في المزابل.
مُهد لما نشاهده اليوم في المملكة عام 2013 حيث نشرت وسائل الاعلام المصرية تقريراً لفتاوى شيوخ الطائفية بحلية الرقص والغناء والطرب تحت عناون "فتاوى كبار العلماء من السلف والمعاصرين فى اباحة الموسيقى والغناء مع ذكر المصدر "، جاء في التقرير الاعلامي رأي العديد من المشايخ الحاضرين والمتوفين و منهم د. نصر فريد واصل (فتوى منشورة على موقع إسلام اونلاين بتاريخ 30 يوليو 2001)، والشيخ السيد سابق (كتاب فقه السنة - الجزء الثالث ص217- باب البيع- بيع آلات الغناء -المكتبة العصرية 2002م)، د.عبدالله سمك حفظه الله (فتواه المنشورة في القسم الديني بموقع مصراوي 27 مايو2010)، و.....
سرعان ما أتى الرد بنقضها وكذبها البناء بقوله.. "إن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك.. عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات. وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتُنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء..ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم".
ارسال التعليق