صفعة المحكمة الجنائية للصهاينة وبقية المطبعين العرب
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
على الرغم من أن قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي الأخير، والمتمثل بإصدار مذكرات اعتقال لكل من جزار وقاتل أطفال فلسطين ومرتكب المجازر المروعة والدموية البشعة، وحرب الإبادة المتواصلة في غزة، ومرتكب مجازر الإبادة والتدمير أيضاً في بيروت، المجرم بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق والمطرود يوآف غالانت، بالإضافة الى المجاهد محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، المدافع عن مقدساته ووطنه وشعبه للتخلص من الاحتلال الصهيوني...
نقول أنه على الرغم من أن القرار المذكور ساوى بين هذين المجرمين وبين المجاهد محمد الضيف، إلا أن القرار يعتبر تطوراً مهماً ومحطة تاريخية في غاية الأهمية في حياة العدو الغاصب، وفي المنطقة ككل، سوف تكون لهذه المحطة آثار وتداعيات كبيرة وكثيرة في المستقبل وفي الحال الحاضر نذكر منها ما يلي:
1ـ إن القرار باعتقال نتنياهو ووزير حربه المطرود، شكل تحدياً هائلاً للعدو، لأن هذا القرار شكل كسراً لكل الحواجز والمصدات النفسية، والإرهابية والنفوذية التي كان العدو قد نجح بمساعدة أمريكا والدول الغربية في تشييدها حول نفسه، فطيلة المدة منذ قيام هذا العدو عام 1948 وحتى صدور هذا القرار لم يستطيع أحد، لا من المنظمات الدولية ولا من قادة العالم كافة، أن يجرأ ويصدر قرار ضد العدو، لأن الدنيا سوف تقام عليه ولا تقعد ويتعرض الى حملة تشويه وتسفيه، ومعادية الى درجة اغتياله أو إسقاطه سياسياً بتهمة معاداة السامية، او حتى بتصفيته جسدياً والقضاء عليه، حتى ترسخ في أذهاب المجتمعات البشرية أن هذا العدو محصن من كل نقد وتوصيف لا يرضاه، بسبب الحماية الأمريكية والغربية له، وبسبب الخوف من نتائج التصدي لهذا العدو في المحافل الدولية!! ما يعني ذلك إن صدور قرار الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، كسر وتحطيم لكل تلك القيود والحواجز التي كانت تحول دون الاقتراب من العدو والمساس بسمعته أو بكشف حقيقته الإرهابية الدموية، وسقوط هذه الحواجز. يعني بدوره سقوط الخوف من أمريكا والعدو من تبعات الأقدام على هذا القرار الخطير ولا ادل على ذلك، هو أصرار كريم خان رئيس المحكمة الجنائية الدولية وفريق القضاة الآخرين معه، على إصدار المذكرة رغم كل ما مورس معهم من عمليات تهديد بتصفيتهم جسدياً واغتيالهم، ومن عمليات تشويه وتسقيط بإلصاق تهمة الاغتصاب برئيس المحكمة، وبمحاولات تقديم الرشى وأساليب كثيرة استخدمها الأمريكييون والصهاينة من أجل ممارسة الضغوط لحمل القضاة على عدم الاقدام على إصدار مثل هذه المذكرة!!
2ـ قرار المحكمة شكل نقطة أو بعبارة أدق محطة بداية بروز نظام دولي جديد وتلاشى نظام آخر اتسم بالهيمنة الأمريكية على شؤون العالم، عاثت فيه الولايات المتحدة الأمريكية طيلة المدة الماضية، والممتدة من سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية عقد التسعينات وحتى صدور هذا القرار، عاثت فيه فساداً وإجراماً تمثل بغزو بعض البلدان الإسلامية والعربية مثل العراق وأفغانستان والصومال و... واضطهدت شعوبها وقتلت الملايين منها، والى اليوم تعاني هذه البلدان من (بلطجة) واشنطن واستهتارها بالقيم الإنسانية، بل أكثر من ذلك، إن الأمور وصلت الى أن (المفكرين) الأمريكيين، بدأوا ينظرون ويروجون إلى مصادرة قيم الشعوب وحضاراتها وثقافاتها واستبدالها بـ (القيم الأمريكية)!! من أجل تحويل هذه الشعوب الى مجرد مسخ وعبيد للمستعمر الأمريكي!! ومن ثم جعل بلدانها مرتعاً لهذا المستعمر يمتص ثرواتها ويعبث بها كيفما يشاء!! ولعل الكل يتذكر إن هذا الطغيان الأمريكي الصهيوني كان من الهيبة بحيث لا تستطيع حتى القوى الكبرى أن تتجرأ على مجرد انتقاد لفظي لهذه القوى المتغطرسة فالمنظمات الدولية كانت كلها بخدمة الغطرسة الأمريكية، وسيفاً مسلطاً على رقاب الآخرين بيد أمريكا ترفعه الأخيرة متى ما تشاء لابتزاز الآخرين! فحتى هذه المحكمة قامت أمريكا وبعض حلفائها بتأسيسها من أجل استخدامها لقهر وابتزاز خصومها دون أن ترفع عقيرتها ضد الأجرام الأمريكي والصهيوني!! لكن اليوم نجد هذه المحكمة تصدر مذكرات الاعتقال بحق المسؤولين الصهاينة ما يعني ويؤكد ما أشرنا إليه، وهو بداية تلاشي الهيمنة الأمريكية والصهيونية وتحطيم كل الحواجز التي كانت تحول من الاقتراب للعدو ولراعيته أمريكا، الحواجز النفسية وحواجز الخوف وما إليها، نعم اسقط كل هذه الحواجز النفسية وحواجز الخوف وما إليها، نعم اسقط كل هذه الحواجز المقاومة وصمود الأمة، وبالتالي بزوغ عصر جديد سوف تتلاشى فيه هذه العنجهية الأمريكية وهذا الإجرام الصهيوني وسوف تسحق الى الأبد بأحذية المقاومين في هذه الأمة وبأسهم. ولهذا السبب وصف رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم مذكرة الاعتقال الآنفة، بأنها "نصر عظيم لكل من يدافع عن العدالة والإنسانية".
3ـ لأول مرة كما سبق وأن قلنا، إن مسؤولي العدو الغاصب، المجرمين والقتلة باتوا مطاردين تطاردهم العدالة الدولية، فلم يعودوا مطلقي الحرية في اقتراف المجازر بدون حساب أو كتاب كما كان في السابق، ذلك فضلا عن إن القرار كشف عن الوجه الحقيقي الإجرامي والدموي للعدو ولمسؤوليه القتلة ولراعيته واشنطن... ولذلك وجدنا حتى إن أقرب أصدقاء العدو، أعلنوا بأنهم سوف ينفذون حكم اعتقال رئيس الوزراء الصهيوني... فهولندا أول دولة أوروبية أعلنت الامتثال لقرار المحكمة الدولية، كما نقلت وكالة رويترز عن وزير خارجيتها كاسبر فيلد كامب وقوله إن بلاده مستعدة لتنفيذ أمر المحكمة في حق نتنياهو وغالانت، نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، قالت إن على أوروبا الامتثال قرار الجنائية الدولية وإن بلجيكا تؤيد مذكرة الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية بحق سفاح غزة نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، ويتعين على الاتحاد الأوروبي الامتثال لمذكرتي الاعتقال.. ووصل الموقف البلجيكي الى حد المطالبة بفرض عقوبات اقتصادية وتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.. من جهته منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، بدوره علق على القرار قائلاً: "هذا ليس قراراً سياسياً، بل قرار محكمة، محكمة عدل دولية، وقرار المحكمة يجب أن يحترم وينفذ". أما إيطاليا وعلى الرغم من أن موقفها لا يؤيد الحكم إلا إن وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو، يرى أنه في حال قدوم رئيس الوزراء الصهيوني ووزير دفاعه الى إيطاليا فسيتعين عليه اعتقالهما، بعد الحكم الصادر بحقهما من جانب محكمة الجنايات الدولية... وبالنسبة لفرنسا فأنه بالرغم من ضبابية موقفها من القرار الآنف، إلا إن الخارجية الفرنسية أشارت الى أن موقفها من أمر المحكمة الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت سيكون "متوافقاً مع مبادئ المحكمة" معتبرة إن المحكمة ضامنة الاستقرار الدولي، حيث يجب ضمان عملها بطريقة مستقلة".. وإلى ذلك، أشار المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني (كيرستارمر) الى إن لندن تحترم استقلال المحكمة الدولية، هذا بينما رأى زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن، أن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تأخرت كثيراً، وأنه يتعين على ستارمر ولامي أن يؤيدا قرار الجنائية الدولية على الفور.
كندا هي الأخرى، وعلى لسان رئيس وزرائها جاستن ترودو قالت إن "على الجميع الالتزام بالقانون الدولي وسنلتزم بجميع لوائح وأحكام المحاكم الدولية".
كما أعلنت إيرلندا والنروج على لسان مسؤوليهما، عن استعدادهما لتنفيذ قرار المحكمة باعتقال نتنياهو وغالانت، إذا حلّوا في هذين البلدين..
فضلاً عن ذلك، قال السفير الأمريكي فوق العادة لشؤون جرائم الحرب ديفيد شيفر، الأسبق "استطيع أن أتصور اعتقال نتنياهو، اعتقد أننا بحاجة الى أن نأخذ الأمر على محمل الجد هنا في الولايات المتحدة" وتابع شيفر في حديث له لشبكة السي أن ان الأمريكية قائلاً: "علينا أن نأخذ على محمل الجد أن تلك الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية، كما تعلمون وبعض دول المحيط الهادئ، الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية، تأخذ مسؤوليتها على محمل الجد، وشعوبهم تتوقع منهم أن يفعلوا ذلك".
ما يعني ذلك إن أمريكا لم تكن كما في السابق، فهي باتت فاقدة القدرة على منع تلك الدول الموقعة على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية من اعتقال نتنياهو وغالانت اذا حلوا في هذه الدول!! ما يعني ذلك أيضاً إن هؤلاء القتلة والسفاحين الصهاينة سيعشون باقي حياتهم مطاردين معزولين خائفين مرعوبين!!
4ـ كما قال أحد الصحفيين اليمنيين: "إن القرار شكل وثيقة ستؤرخ عن إجرام العدو الصهيوني وداعمه الأمريكي ومن خلفه حكومات أوروبية تسير في اتجاه معاكس لشعوبها، التي أظهرت تأييداً للحق الفلسطيني خاصة شريحة الشباب".. أي أن الزمن الذي كان فيه المسؤولون الصهاينة يرتكبون الجرائم والمذابح بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني دون محاسبة، أو تجريم حتى لو كان من مستوى قرار المحكمة الجنائية، قد ولى، فالحكومات الأوروبية وغير الأوروبية التي كانت تقدم الحماية للعدو وتتستر على جرائم مسؤوليه، باتت اليوم مضطرة للانصياع للعاصفة الشعبية في هذه البلدان، بعدما انكشف العدو واجرامه البشع لهذه الشعوب في تلك الدول الحامية للعدو.
والأهم من ذلك، إن القرار شكل صفعة مؤلمة جداً للمطبعين العرب ليس لأن دولاً غير عربية هي جنوب أفريقيا وبوليفيا وغيرهما هي من تولت متابعة ملف جرائم العدو مع المحكمة الدولية، حتى تمكنت من إصدار أو من حمل المحكمة على إصدار هذا القرار وحسب، وإنما لأن هذا القرار شكل بنفس الوقت حافزاً نفسياً ومانعاً من استمرار التطبيع أو فتح صفحة التطبيع مع هؤلاء المسؤولين الصهاينة المجرمين الملاحقين قضائياً، لأن الشعوب العربية سوف تعتبر المعني في التطبيع خيانة كبرى للأمة ولقضيتها المركزية ولمقدساتها.
لماذا؟ لأن:
أـ الدافع الأساسي لهذا التطبيع وهو الحماية التي يقدمها العدو أو من المفترض أن يقدمها للمطبعين قد سقطت لأنه هو بات غير قادر على حماية نفسه ولتلاشى وأنتهى لولا الدعم الأمريكي، ورغم هذا الدعم هزم شر هزيمة في جنوب لبنان.
ب ـ هذا العدو بات منبوذاً ومحاصراً حتى من داعميه لما مر بناء وبحسب صحيفة الواشنطن بوست بات ذليلاً بعد صدور قرار المحكمة ووصمة عار تلاحقه بحسب تأكيد صحيفة الغارديان البريطانية، فما فائدة التطبيع مع منبوذ وذليل وخاسر؟
ج ـ ولأن التطبيع مع هذا القاتل واحتضانه، يعني احتضان مجرم حرب وضد الإنسانية وقاتل الأطفال، فاق النازية اجراماً ووحشية وتجرداً من المشاعر الإنسانية، ما يعني ذلك، انتهاكاً واستهتاراً بمشاعر وقيم الشعوب العربية والشعب الفلسطيني خاصة الذي قدم لحد الآن أكثر من 44 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى، بل أكثر من ذلك تحدياً واستخفافاً بهذه الشعوب، سيما وأن هناك حكومات غير عربية قطعت علاقاتها مع هذا العدو، أو أعلنت عن استعدادها لاعتقال هذا المجرم اذا وطأ أراضيها، كل ذلك سوف يضع هذه الأنظمة المطبعة في مأزق قد يؤدي بها الى تداعيات خطيرة او حتى قد يؤدي الى سقوطها ورميها في مزابل التأريخ! لأن الشعوب العربية تتطلع الى من يدعم قرار المحكمة، لا أن يحتضن المجرم كما يفعل أراذل العرب والمسلمين، للأسف من تمسكهم بتطبيع مخزي ومذل لحد الآن!!
ارسال التعليق