دول الخليج تعزّز ميزانياتها بضبط أسعار النفط
بينما تشهد أسعار النفط الخام تذبذباً منذ قرابة تسعة أشهر، ينشد منتجو النفط الكبار، ومنهم أربع دول خليجية، متوسط 95 دولاراً للبرميل، حسب نقاط التعادل المستهدفة في موازناتها.
وجاء قرار أربع دول خليجية، هي: السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان، بتمديد خفض إنتاج النفط حتى عام 2025، ضمن تحالف "أوبك+" تزامناً مع تحديات متعددة تواجه الأسواق النفطية العالمية، بما في ذلك زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، وتباطؤ الطلب في بعض الأسواق الكبرى مثل الصين.
وينفذ "أوبك+" خفضاً في إنتاج النفط بأكثر من 3.6 ملايين برميل يومياً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إلى جانب خفض طوعي بكميات متباينة من جانب أعضاء بقيادة السعودية بدأ في إبريل/ نيسان 2023.
يؤكد الخبير الاقتصادي علي أحمد درويش، لـ"العربي الجديد"، أن خفض إنتاج النفط يسعى إلى ضبط تراجع الأسعار في السوق العالمية، إذ يعتبر سعر البرميل العادل، وفق منظور دول الخليج، حوالي 95 دولاراً، بينما تراوح الأسعار حالياً حول 75 دولاراً، ما يدفع تلك الدول إلى تنظيم الإنتاج حفاظاً على استقرار الأسعار في ظل التراجع العالمي في الاستهلاك.
ويضيف درويش أن التباطؤ في استهلاك النفط يرتبط جزئيًا بتوجه بعض الدول نحو زيادة إنتاج الأسلحة وتخصيص موارد كبيرة لهذا المجال، ما يؤثر على الأسواق العالمية للسلع الأساسية، ويخلق نوعاً من الارتباك الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تسعى الدول النفطية إلى الحفاظ على استقرار الأسعار عبر تقليل الإنتاج لتجنب مزيد من الانخفاضات، بخاصة أن استقرار أسعار النفط يعد أولوية لدول الخليج نظراً لأنّ النفط يشكل المصدر الأساسي لتمويل موازناتها.
ويشير درويش إلى أنّ دول الخليج تتجه، في ظل هذا التباطؤ العالمي، إلى تبني سياسات تقييدية على إنتاج النفط في هذه المرحلة، ومع انتعاش الطلب العالمي وارتفاع معدلات الاستهلاك، بخاصة من الصين التي تعد مصدراً أساسياً للمنتجات الصناعية المتنوعة، قد يُعاد النظر في رفع الإنتاج في المستقبل. لكنّ درويش يتوقع أن تستمر السياسة الحالية حتى بداية عام 2025، ما يعكس استراتيجية طويلة الأمد لضمان توازن الأسعار في سوق النفط.
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي علي سعيد العامري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار الدول الخليجية بتمديد خفض إنتاج النفط حتى عام 2025 يعكس مزيجاً من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، وله عدة دوافع وآثار على الأسواق النفطية العالمية، منها سعي الدول الخليجية إلى الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات تعزز ميزانياتها وتدعم تمويل مشاريعها التنموية الكبيرة، خاصة مع التحول نحو تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط.
كما أنّ أسواق النفط تشهد تقلبات مستمرة نتيجة عوامل اقتصادية متعددة، مثل التضخم في الاقتصادات الكبرى وتباطؤ النمو الاقتصادي، ما يهدد بخفض الطلب على النفط، ولذا فإن خفض الإنتاج الخليجي يهدف إلى موازنة العرض مع الطلب، وتجنب حدوث فائض يؤثر سلباً على الأسعار، بحسب العامري.
وعن البعد الجيوسياسي لقرار خفض الإنتاج، يشير العامري إلى أن الدول الخليجية تريد حماية مصالحها ومكانتها باعتبارها أكبر منتجي النفط، ومن شأن هذه السياسة أن تعزز التعاون داخل تحالف "أوبك+"، الذي يضم دولاً من خارج أوبك، على رأسها روسيا.
وفي ظل تزايد الضغوط العالمية نحو مصادر الطاقة المستدامة، يؤكد العامري أن الدول المنتجة للنفط تسعى لاستثمار فترة الطلب المرتفع لتعزيز عائداتها قبل التحول الواسع نحو الطاقة المتجددة.
وعن التأثير المتوقع لخفض الإنتاج الخليجي على الأسواق النفطية، يؤكد العامري أن استمرار خفض الإنتاج من شأنه أن يحافظ على استقرار الأسعار أو رفعها تدريجيًا، وهذا مفيد للدول المنتجة، لكنه قد يضر بالدول المستهلكة التي قد تضطر لتحمل تكاليف أعلى للطاقة.
كما أن أسعار النفط المرتفعة تشجع الاقتصادات الكبرى على تسريع الاستثمار في الطاقة المتجددة وتقنيات كفاءة الطاقة، ما قد يقلل اعتمادها على النفط في المستقبل، حسب العامري.
ارسال التعليق