بن سلمان أصبح أكثر بعداً من العرش!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي على الرغم من سياسة التكتم والتعتيم التي يتبعها النظام السعودي، على ما يجري في المملكة من تطورات داخلية، إلا أن بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية، وحتى الصهيونية المهتمة بالشأن السعودي، تُسرب بين الحين والآخر بعض التقارير التي تتحدث عما يدور هناك في الساحة السعودية وراء الكواليس، وبعيداً عن أعين الرصد الإعلامي لما يجري في الساحة، واسمحوا لي بالإشارة إلى بعض من هذه التسريبات كنماذج، وليس حصراً، لمحاولة قراءة ما في سطورها، بخصوص ما يجري هناك، في الداخل السعودي..ونبدأ من العنوان الذي وضعه موقع ديبكا الصهيوني في 2شباط2019، وهو "بن سلمان في خطر بعد مذبحة الأمراء " حيث بين الموقع الصهيوني، أن الحملة التي قام بها بن سلمان ضد العشرات من الأمراء والمئات من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ في السعودية، تعد من أكبر وأعنف الحملات و أشرسها التي قام بها بن سلمان لإزاحة المعارضين والذين يشكلون عائقاً أمام وصوله إلى عرش المملكة، ووصف الموقع الحملة تلك بمذبحة الأمراء، وقال إن تلك الحملة رغم أنها ساهمت في تقليم أظافر المعارضين، إلا أنها بنفس الوقت زادت من الخلافات داخل العائلة المالكة، سيما بين بن سلمان ومئات الأمراء الآخرين الذين يشغلون مناصب رسمية، ويرقبون الصلاحيات غير المحدودة التي تتسلل إلى يد بن سلمان. ويرجح الموقع الصهيوني الآنف أن معارضة ولي العهد وسياساته ستتصاعد، خاصة وان سياسة ولي العهد الإصلاحية لا تزال حبراً على ورق، ذلك رغم أن الاعتقالات شملت إثنين من أبرز المعارضين للملك المنتظر، وهم الأميران متعب بن عبد الله والوليد بن طلال.
في هذا السياق أيضاً نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراً في 5/شباط/2019 كشفت فيه عن تزايد المعارضة من داخل النظام السعودي نفسه لخطط وسياسات بن سلمان، ومنها معارضة تسجيل شركة آرامكو النفطية في السوق المالية، وطرح جزء من أسهها للبيع، الأمر الذي تم التخلي عنه لاحقاً.
"وتكشف مقابلات الصحفية مع عدد من المسؤولين السعوديين السابقين والحاليين ومديري الشركات والمستشارين ملاحظتهم أن طموحات الأمير الاقتصادية مبالغ فيها، وعادة ما تصطدم الرؤية الاقتصادية بالواقع. فقد شن حرباً باهظة الثمن في اليمن، وسجن رجال الأعمال، وقطع العلاقات التجارية مع دولة حليفة مثل كندا، وتورط مساعدون له بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول".
وبموازاة ذلك، كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في 2/شباط/2019ونقلاً عن مصادر مقربة من دوائر الحكم بالسعودية بأن قضية اغتيال الكاتب جمال خاشقجي كانت ذات نتائج كارثية على محمد بن سلمان مؤكدة أن الحادثة أضعفتهُ بشكل كبير وجعلت مصيره على المحك..وتطرقت الصحيفة الفرنسية في مقالها المطول عن الأوضاع الداخلية لكبير مراسليها في الشرق الأوسط جورج مالبرونو، مشيرة إلى ما نقله الكاتب عن مسؤول سعودي رفيع، قوله " أن محمد بن سلمان وعد بالكثير غير انه فشل تقريباً في كل شيء..وحتى العديد من الشباب الذين أيدوا إصلاحاته في البداية، أصبحوا منتقدين لسياساته، لكن لا أحد يجرؤ على الكلام، فالسعودية أضحت كعراق صدام حسين".
وتحدث الكاتب عن الأجواء البوليسية التي فرضها بن سلمان في المملكة والتي أدت إلى فرار عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال، الذين أخرج أكثرهم أمواله من السعودية، في الوقت بات المستثمرون الأجانب يترددون في الاستثمار في داخل المملكة بعد فقدانهم الثقة ببن سلمان نتيجة سياساته المتهورة..
ونقل الكاتب الفرنسي عن مصدر دبلوماسي مقرب من دوائر القرار في المملكة، قوله إن ولي العهد، مازال قوياً لكنه معزول في الوقت نفسه داخل الأسرة الحاكمة، والملك سلمان بات يدرك العداوات الكثيرة ضد إبنه داخل عائلة آل سعود، ومن أجل تهدئة العائلة الحاكمة حاول الملك ضبط ولي العهد، حيث أعطى ضمانات لأخيه الأصغر الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي وافق على العودة إلى السعودية من شبه المنفى في لندن، كما قام بإجراء تغييرات في السلك الحكومي بالاستعانة ببعض رموز الحرس القديم من مثل، تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية، ومساعد بن محمد العبيان مستشاراً للأمن الوطني...
وهكذا..وقال الكاتب الفرنسي والبرونو أن المشكل الرئيسي الآخر الذي يواجهه بن سلمان هو ان صورته باتت سيئة في أوربا وكارثية في الولايات المتحدة، إلا أن الكلمة الأخيرة ستكون للبيت الأبيض: إذا لم يفز ترامب في عام 2020، فأن الرئيس الأمريكي الجديد سيعارض أن يتولى محمد بن سلمان العرش، طبقاً لما نقله هذا الكاتب عن مصادره السعودية.وفي ختام مقالته لا يستبعد الكاتب الفرنسي استحضار بن سلمان ما حصل مع عمه الملك فيصل بن عبد العزيز الذي قتله ابن أخيه عام 1975..
هذا بالإضافة إلى حديث الصحافة الغربية عن عمليات تكميم الأفواه والقمع التي يواصلها بن سلمان في المملكة إزاء حتى القريبين منه، والذين كان بعضهم يصفق له ولسياساته الطائشة بالأمس القريب، من مثل قيام السلطات في المملكة باعتقال سليمان أبا الخيل المدير جامعة الإمام محمد بن سعود الذي أطيح به من منصبه مؤخراً دون توضيح الأسباب وذكرت المصادر أن اعتقال أبا الخيل كبير المطبلين لبن سلمان بشكل مفاجئ جاء متزامنًا مع مصادرة بعض أملاكه الخاصة!!
ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن ما تقدم يعبر عن حالة إحباط وخيبة أمل عند الأوساط السياسية والإعلامية الغربية التي طبلت في البداية لابن سلمان، ولعل أكثر ما تعانيه من إحباط، هو فشلها في خندقه "السنة "ضد اقرانهم "الشيعة" وافتعال معركة طاحنة بينهم قد تستمر لأكثر من قرن، تستنزف وتهلك الطرفين فيما المستفيد الأول من هذه الحرب الطاحنة الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني، فهذا الأخير يتأمن له وجوده، وهيمنته بمشاركة الغربيين والأميركان على موارد المنطقة وتتأمن له تدخلاته في شؤون المسلمين، وبالتالي توفر الفرص السانحة لضرب كل قوة ناهضة تحاول أو تريد إنقاذ هذه الأمة من الوحل، أما الأمريكان والغربيون فهم سيسعدهم هذا الأمر، لأنهم يظلون يبيعون أسلحتهم ويتدخلون في شؤون هذه الأمة ويديرون أزماتها وتواترتها وبؤرها الساخنة بالاتجاه الذي يخدم مصالحهم غير المشروعة ومصالح غدتهم السرطانية الكيان الصهيوني، وللإشارة، أن قضية افتعال الصراع بين السنة والشيعة، كانت قد وضعت وبحثت في مؤتمر هرتزليا قرب تل أبيب الذي عقد في عام2000 وحضره أكثر خبراء ومفكري واختصاصي اليهود، وأصدقائهم الغربيين والاميركان وغيرهم من مختلف أنحاء العالم، فهؤلاء المختصين، ومن مختلف الاتجاهات والاختصاصات أقروا انه لا يمكنهم القضاء على ما أسموه التحدي الإسلامي، إلا بافتعال معركة بين السنة والشيعة، باستعارة كل ما سجله التأريخ من خلافات، ومن اختلافات، لتأجيج الصراع ومده بالأبعاد الآيدولوجية والكراهية وما إلى ذلك..ولذلك كان التعويل على السعودية في هذا الأمر، أي في إنجاز هذه المهمة، وعلى بن سلمان تحديداً، ولعل القارئ الكريم يتذكر كيف كان الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي في بداية مجئ الملك سلمان وابنه يعج بمصطلحات الطائفية والمذهبية، بل إن رئيس الوزراء الصهيوني والإعلام الصهيوني مازال يستخدم ويتبنى هذه المصطلحات، رغم أن الغربي والأمريكي خفف من استخدامها إلى حد ملحوظ، بعدما فشل بن سلمان في خندقة الدول الإسلامية وراءه في حلف ضد إيران، تحت عنوان " الدول السنية" ،وأيضاً عندما فشلت أمريكا في إقامة حلف "الدول السنية المعتدلة" والكيان الصهيوني، وهو الحلف الذي أرادت إقامته تحت عنوان آخر، هو "الناتو العربي" وعندما فشلت أيضاً في إقامة هذا الحلف تحت هذا العنوان، تحاول الآن إقامته تحت عنوان "الحلف الاستراتيجي" في الشرق الأوسط!!
هذا من جانب، ومن جانب آخر، أن ما تقدم لا يعكس الإحباط الغربي الأمريكي الصهيوني وحسب، وإنما يعكس قلق هذه الأوساط على النظام السعودي، وعلى مستقبل الدور الذي يلعبه منذ تأسيسه وإقامته على يد البريطانيين في بداية القرن المنصرم، وحتى اليوم، ذلك في ظل النتائج الكارثية لسياسات هذا الشاب المتهور، ومنها ما يلي:
1ـ إن إخفاقات بن سلمان، على صعيد الحرب مع اليمن، وعلى صعيد صفقة القرن، وإيجاد حلف يضم الدول الإسلامية تحت عباءته لخدمة أمريكا وحلفائها وربيبها الكيان الصهيوني..وإخفاقاته في ترجمة وعوده الإصلاحية، وبرامجه الاقتصادية، إلى وقائع عملية تلامس حياة المواطن في المملكة، كل ذلك وغيره أضعف بن سلمان داخلياً، وافقده زخم التأييد الغربي والأمريكي الذي أستقبل به بعيد مجئ الملك سلمان للعرش، وتولي نفسه ولاية العهد، فاليوم بن سلمان بات مستهدفاً من قبل الأمراء داخل العائلة يتربصون به، ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه، فيما يواجه حملة انتقاد وهجمات إعلامية من الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية والغربية، بل أصبح النظام السعودي برمته وسياساته تحت الرصد والاستهداف فعلى سبيل المثال، قدم في الآونة الأخيرة مشرعون في الكونغرس الأمريكي هم السناتور الجمهوري مايك لي والسناتور الديمقراطي كريس ميرفي والسناتور بيرني ساندرز وهو مستقل يشارك في اجتماعات الديمقراطيين، والنائبان الديمقراطيان روخانا ومارك بوكان..قدموا مشروع قرار يمنع مشاركة القوات الأمريكية في العمليات العدوانية في اليمن، كما أعاد عدد من أعضاء الكونغرس، طرح مشروع قانون في مجلس النواب، يهدف الى وقف الدعم الأمريكي المقدم لتحالف السعودية، وأيضاً بدأ الكونغرس البحث في مشروع قانون جديد يضمن لواشنطن ممارسة ضغوط جديدة على السلطات السعودية، ومراقبة تعديل المناهج الدراسية وحذف ما تضمنه بعضها من تحريض على الإرهاب وبث رفع الكراهية والعداء للآخرين. مشروع القانون هذا قدمه النائبان يتدبو من الحزب الجمهوري وبيل كيتلج من الحزب الديمقراطي، وينص على أن يسلم وزير الخارجية الأمريكي تقارير سنوية لكونغرس عما إذا كانت السعودية قد أزالت المحتوى غير المتسامح من وجهة النظر الأمريكية من كتبها الدراسية أم لا!! ذلك إضافة إلى تقديم مجموعة من الأعضاء في مجلس النواب مشروع قانون لمحاسبة المتورطين في قتل خاشقجي، ومشاريع قوانين أخرى تضيق الخناق على نظام السعودي..
أما على الصعيد الداخلي، فأن من مؤشرات ضعف بن سلمان هو ما أكده الأمير المنشق خالد بن فرحان آل سعود، أن تجمعاً سياسياً سعودياً معارضاً في الخارج سينطلق الشهر المقبل، أي في الشهر الثالث من هذه السنة، تحت اسم "حركة الحرية لأبناء الجزيرة العربية " ويهدف إلى تحرير الشعب السعودي من الظلم والقهر، الذي يتعرض له من قبل سلطات المملكة. جاء ذلك في تغريدة له على موقع تويتر يوم5/2/2019، والتي أشار فيها إلى أن لهذه الحركة العديد من الأهداف منها مساعدة أبناء وبنات بلاد الحرمين الشريفين في الحصول على اللجوء السياسي في أوربا...وقال الأمير المنشق أن من أهداف الحركة اسقاط النظام السلماني ووقف الحرب الظالمة على الشعب اليمني، وأيضاً من أهدافها وضع دستور مدني حر يكفل المساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم على أساس ديني أو مذهبي بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية أو العرقية.
2ـ إن شعور بن سلمان بالضعف داخلياً وخارجياً على خلفية إخفاقاته وفشل سياساته، دفع به إلى البطش بالمعارضة والى القمع الدموي لبعض رموزها، والزج بالسجن للنشطاء والناشطات في هذا البلد، وممارسة أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، الأمر الذي ساهم في زيادة عزلة بن سلمان، وفي توسيع دائرة الأخطار التي تتهدده داخلياً، وهو ما بات يؤرق الأوساط الأمريكية والغربية والصهيونية، تلك المعولة كثيراً عليه وعلى دوره في تسويق وتنفيذ خططها ومشاريعها في المنطقة سيما، مشروع التسوية الذي يسمونه " صفقة القرن ".
3 ـ عمليات البطش والقمع الدموي للمعارضة في المملكة، التي يواصلها بن سلمان هناك، أحرج الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية الغربية وحتى الصهيونية، وجعل من دفاع هذه الأوساط عنه، أي عن بن سلمان- عملية محرجة أمام الرأي العام الغربي، بل ومكلفة أيضاً لأن بن سلمان مع مرور الأيام يضيف مصاديق جديدة لمجازره الدموية في اليمن بحق الأبرياء، ولقمعه الناشطين والناشطات في المملكة، وزج الدعاة والوعاظ، حتى من بعض المطبلين لبن سلمان أنفسهم، الأمر الذي يزيد بل يفاقم حراجة تلك الأوساط، لدرجة أن بعضها اضطر إلى انتقاد سياسات بن سلمان واتهامه بالدكتاتورية، أو أن بعضها اضطر إلى السكوت محتملاً سقوطه الأخلاقي أمام الرأي العالم، فعلى سبيل المثال، أن الرئيس الأمريكي ترامب دافع عن بن سلمان دفاعاً مستميتا، وخالف جهاز استخباراته بنفي تهمة مقتل خاشقجي عن بن سلمان، تلك التي أكدها جهاز السي آي أيه، وتحمل كل الضغوط من الكونغرس ومن أوساط أمريكية أخرى بهدف معاقبة بن سلمان عن ارتكابه للجريمة، أو التخلي عنه وإبداله بأمير آخر..لكنه في النهاية وجد أن من الصعوبة بمكان الاستمرار في عملية الدفاع عن هذا المتهور، الذي بات بنظر الدولة العميقة في أمريكا يهدد حتى المصالح الأمريكية في المنطقة بحماقاته وسياساته المتهورة، ولذلك فأن ترامب يلوذ بالسكوت، ولم يدافع عن بن سلمان بنفس الحماس والقاطعية اللتين كانا يتعامل بهما في بداية الحملة الأمريكية والغربية المطالبة بمعاقبة بن سلمان أو خلعه من ولاية العهد..
وبنظر الأوساط السياسية والغربية أو بعض منها، فأن الأمور المشار إليها وغيرها جعلت من طموح بن سلمان للوصول إلى عرش المملكة أكثر بعداً مما كان في بداية، بل أكثر من ذلك كما مر بنا، البعض من هذه الأوساط يرى أن بن سلمان دخل في دائرة الخطر، ولا تستبعد هذه الأوساط تصفيته والتخلص منه، ومن داخل العائلة الحاكمة، وهو الاحتمال الذي جعل بعض الإعلاميين الغربيين يقول، كما مر بنا، أن بن سلمان بات يستحضر في حياته سيناريو تصفية عمه الملك فيصل، الذي قتله أحد أفراد العائلة المالكة.
ارسال التعليق