قلق و خوف الصهاينة.. من احتمالات الحوار والتفاهم الإيراني السعودي!
[عبد العزيز المكي]
في مقالي السابق الذي علقت فيه على نصيحة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني لدول الخليج العربية وبالأخص السعودية والأمارات بضرورة التحاور مع إيران، وانتهاز الفرصة السانحة الآن لهذا الحوار لحل المشكلات البينية ومشكلات المنطقة.. في هذا المقال أشير بشكل سريع إلى أن استمرار التوتر بين إيران وجاراتها الخليجيات يعتبر مصلحة حيوية للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة، اسمحوا لي بالتوقف مرة أخرى عند هذه النقطة بعد صدور تقرير مركز أبحاث الأمن القومي " الإسرائيلي"، يوم 4/11/2019، حول التحركات والدعوات الجارية من أجل إقامة حوار بن السعودية وإيران، ويكتسب التقرير أهميته، ليس فقط من المركز المشار إليه الذي أعده وهو المتخصص في الأمن القومي الصهيوني، وإنما لأن معديه من القامات الصهيونية الكبيرة، وهما كل من يوئيل جوزنسكي، مسؤول برنامج الدراسات الخليجية في المركز المذكور، والذي سبق وان عمل في قسم الأبحاث التابع لديوان رئيس الحكومة الصهيوني.. وسيما شاين، الباحثة الرئيسية في المركز، والتي شغلت سابقاً منصب قائد لواء الأبحاث في جهاز الموساد، ما يعني ذلك أن الاثنين متخصصان في الشؤون الأمنية، وآرائهما على مايبدو على قدر من الاحترام والاهمية بالنسبة للحكومة الصهيونية ولرئيسها تحديداً. وما جاء في تقريرهما، يكشف الكثير من الحقائق، وينسف الكثير من التضليل والتزييف الأعلامي والسياسي لتبرير حالة التوتر في المنطقة بين دولها وأنظمتها، الأمر الذي يجعل بنظري قراءة ما بين سطور هذا التقرير أمراً مهماً يؤكد ضرورة وعي الأمة بحقيقة ما يجري حولها من أحداث وتطورات، وبالتالي اتخاذها الموقف المنصف والذي يتواءم مع مصالحها ومصالح إسلامها وهويتها، ويجنبها ذلك بالطبع الانقياد وراء انفعالات ومشاعر، لا تخدم سوى عدوها، أي الأمة، وهو الكيان الصهيوني. فهذان الخبيران الصهيونيان حذرا في تقريرهما صناع القرار في الكيان الصهيوني من أنه " عليهم الاستعداد لمرور السعودية بالمزيد من مراحل الضعف ما يجعل تل أبيب مرغمة على تحمل كل عبئ مواجهة إيران". وهذا التحذير يشير إلى أمرين هما:
تأكيد ما قلنا و ما كنا نقوله، و قاله أكثر المحللين والمعلقين العرب و الغربيين حول أن بن سلمان وأباه قادا المملكة السعودية إلى الهوان وإلى الضعف وإدخالها وتوريطها في متاهات المستنقعات الآسنة، من حروب، ومن استنزاف مالي واقتصادي، حتى وصلت اليوم إلى وضع لا تحسد عليه، بات يقلق الصهاينة ويقض مضاجعهم !! فهي أي المملكة متورطة في العدوان على اليمن ولا يمكنها الخروج من هذا العدوان إلا بالاغتراف بهزيمتها المدوية، ومتورطة بالتصعيد مع إيران وقوى المنطقة الأخرى المدافعة عن حقوق الأمة، وليس لديها القدرة على استمرار المواجهة، وإذا انسحبت منها تعتبر نفسها أنها هُزمت، وهي التي تعهدت قبل خمس سنوات بإلحاق الهزيمة بخصومها، فهي في مأزق سياسي وعسكري و أمني واقتصادي يتفاقم يوماً بعد آخر.
أيضاً يؤكد هذا التحذير ما قلناه وقاله محللون آخرون، حول أن قوة المملكة السعودية هي لخدمة الأمن الصهيوني، لا لخدمة الأمة الإسلامية، كما يحاول الإعلام السعودي والإعلام الآخر الذي يدور في فلكه، تزوير هذه الحقيقة، وهذا ما يسقط كل الحجج والتبريرات التي يرفعها النظام السعودي لخداع الرأي العالم العربي والإسلامي في المملكة السعودية وفي خارجها في أن عدوانه على اليمن، وتبنيه مواقف عدائية من قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي لأنها " تابعة لإيران " و" الأخيرة تشكل تهديداً على العرب "!! فالحقيقة أن هذه القوى معها باتت تشكل تهديداً جدياً للكيان باعتراف الصهاينة وعلى رأسهم رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو، ورؤساء موسادهم السابقين واللاحقين، ومعلقيهم ومحللي صحفهم، وبالأمس القريب قال نتنياهو أن صواريخ كروز التي زعم أن إيران زودت الحوثيين بها باتت تشكل تهديداً " لإسرائيل". هذه الحقيقة تفسر أيضاً مواقف الإطراء التي يكررها نتنياهو على السعودية وغيرها من الدول الخليجية المهرولة نحو التطبيع مع العدو، ففي 3/11/2019، وفي المؤتمر السنوي لوسائل الإعلام المسيحية الدولية المقام في القدس، قال رئيس الوزراء الصهيوني " لم يعد التعامل مع إسرائيل كأنها عدو، بل يتم التعامل معها كحليف ضروري في مكافحة الإسلام المتطرف، الذي يقوده السنة المتطرفون، أي تنظيما القاعدة وداعش، وأكثر فأكثر، الإسلام الشيعي المتطرف، بقيادة إيران وأتباعها " على حد قوله. وأوضح نتنياهو انه.. " علاوة على المصلحة المشتركة التي تجمعنا ضد عدو مشترك ( إيران وقوى المقاومة )، فأن العلاقات بيننا تشهد تطبيعا في مجالات متعددة ". واعتبر أن هذه العلاقات تتطور في كافة المجالات !!
ما تقدم، أولاً، وثانياً: إن الباحثين الأمنيين الصهيونيان، يوئيل وسيما، يشيران في تقريرهما إلى أن تطور إيجابي في العلاقة السعودية الإيرانية سيشكل تهديداً للأمن الصهيوني وقالا: " إن أي تحول على طابع العلاقة القائمة بين السعودية وإيران سيمس حتماً بمصالح " إسرائيل" ومكانتها في المنطقة، ويفاقم من حجم الأعباء الأمنية على عاتقها "! وأضافا: "أن الرياض وطهران أظهرتا مؤخراً عدة مؤشرات مقلقة، على سعيهما لتنفيس الأزمة الحالية بينهما، لاسيما من خلال استعدادهما لحل المشاكل العالقة عبر الحوار".
هذان الباحثان قالا أيضاً.. " إن التقارب السعودي الإيراني المحتمل سيجبر " إسرائيل" على صياغة استراتيجيتها الإقليمية، على اعتبار أن هذه الاستراتيجية قامت على وجود مصالح مشتركة بينها وبين السعودية في مواجهة إيران ". وأشارا أيضاً الى ضرورة التصدي لجماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس، وتنظيم الدولة الإسلامية ".
إن النظام السعودي بقيادة بن سلمان فضح دور النظام في انه كان وما يزال يشكل ركناً أساسياً في حماية ما يسميه الصهاينة " الأمن القومي للكيان الإسرائيلي "، فالاستراتيجية الأمنية قامت، كما يشير الباحثان الصهيونيان على أساس أن النظام السعودي بثقله الإسلامي، بحكم احتضانه الحرمين الشريفين وادعائه بقيادة أغلبية المسلمين، وبموارده المالية والاقتصادية، وبتأثيره الإقليمي والدولي مكلف بحماية الأمن الصهيوني، ومن أجل أن يواصل هذا النظام هذا الدور الاستراتيجي لابد أن يبقى في شاطئ التصعيد و التوتير مع الأطراف التي باتت اليوم تشكل تهديداً للصهاينة ! ولذلك فأن هذين الباحثين يوصيان، في ظل مؤشرات التحرك السعودي، من أجل إنقاذ النظام من أزماته أو على الأقل الحد منها، للحفاظ على بقاء هذا النظام، لأنها باتت، أي هذه الأزمات، تهدد بسقوطه، يوصي هذان الباحثان بإعادة النظر في استراتيجية الأمن الصهيوني، وصياغة هذه الاستراتيجية بالشكل الذي يتلاءم مع التطورات الجديدة.
ويبدو لي أن صياغة الاستراتيجية الصهيونية الجديدة في ظل المتغيرات المشار إليها ترتكز إلى المعطيات أو إلى الأسس التالية:
+ تصعيد التوتر بين السعودية من جهة وبين إيران ومحور المقاومة من جهة بإجبار النظام على التورط بخطط الكيان الصهيوني في محاولات زرع الأشواك والعراقيل في طريق قوى المحور المعادية له، وأنا لا أستبعد في أن يكون واحدة من أهداف الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في محاولات تفجير الساحتين العراقية واللبنانية بتوظيف واستغلال معاناة الشعبين العراقي واللبناني الاقتصادية على خلفية الفساد المستشري في حكومتيهما، والذي هو بسبب التدخل الأمريكي وجشع بعض المسؤولين العراقيين واللبنانيين وارتباطهم بالدوائر الأمريكية.. أنا لا استبعد في أن يكون أحد أهداف تفجير هاتين الساحتين هو تشجيع النظام السعودي على مواصلة العداء لمحور المقاومة وعدم التراجع عن هذا الموقف باغرائه أو بالإيحاء إلى أن هذه البلدان مقبلان على تطورات سياسية وأمنية لصالح المحور الأمريكي !
+ مضاعفة الحملة الإعلامية التشويهية لمحور المقاومة وحلفائها تحديداً في لبنان والعراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى أن يكون محور هذه الحملة المبالغة والتضخيم في ما يسميه العدو " خطر إيران على الدول الخليجية " وخطر فيلق القدس التابع للحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني من أجل الاستمرار وتذكير السعوديين بهذا الخطر المزعوم !! وتحذيرهم بشكل غير مباشر من الأقدام على التقارب والتفكير بطروحات الحوار مع إيران، وقد رأينا فعلاً من خلال متابعتنا لترجمات الصحف والمواقع العربية، و لتغطية القنوات التلفزيونية الخبرية العربية وغير العربية، رأينا أن العدو بدأ فعلاً في تكثيف الجهد في الإطار وفي الاتجاهات المشار اليها.. وكما ذكرنا في بدايات الحديث أن حديث نتنياهو باتهام إيران بنصب صواريخ مجنحة في اليمن لضرب الكيان الصهيوني يدخل في إطار هذا التحريض وهذا التضخيم أما الإعلام فحدث ولا حرج إذ يواصل حملته الصاخبة حول " الخطر " لإيران ولحلفائها على السعودية وعلى دول الخليج !! رغم أن إيران تتقدم بالمبادرات للحوار لحل المشاكل العالقة والتي هي من صنع الصهاينة وحماتهم الاميركان، والدعوة لحكومات دول الخليج بعقد معاهدة عدم اعتداء بين هذه الدول.
+ ممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل عدم التخلي عن المنطقة وترك الكيان الصهيوني يواجه التحديات لوحده، ذلك لان عدم مبالاة الإدارة الأمريكية، بما يجري في المنطقة من تطورات يعتبرها المسؤولون الصهاينة مهددة لامنهم ولوجودهم، ومهددة لعملائهم، تسبب في إضعاف ثقة هؤلاء العملاء بالدعم والحماية الأمريكيتين و اجبر هؤلاء إلى التفكير بجد نحو بدائل أخرى، فبعضهم يقول الصهاينة، أي بعض الأنظمة بدأ يتجه أو يتحرك لمغازلة الروس أو الصينيين والبعض الآخر بدأ يراجع سياساته تجاه إيران وهكذا، وقد اتخذت هذه الضغوط الصهيونية على الإدارة الأمريكية اشكالاً و أساليب مختلفة، منها شن حملة على ترامب واعتباره رئيس لايمكن الاعتماد عليه، ومزاجي وتاجر صفقات مالية، ومنها تحريك اللوبي الصهيوني الأمريكي ضده، ولعل محاولات عزله من قبل الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي تدخل في هذا الإطار، ومنها التحريض عبر الادعاء أن أمريكا تركت الكيان الصهيوني لوحده و حلفائهم العرب في مواجهة إيران، ومنها التقارير المتواترة حول هلاك " إسرائيل " إذا نشبت الحرب بينها وبين إيران.. ونشير هنا إلى مثال واحد فقط لا الحصر، للإشارة إلى الجهد الصهيوني المكثف هذه الأيام في هذا الاتجاه، يتمثل في ما كتبته الوزيرة الصهيونية السابقة، من حزب الليكود ليمور ليفنات في مقال لها في صحيفة يدعوت احرونوت في مطلع تشرين الأول حول الانسحاب الأمريكي من سوريا قبل التراجع الأخير، والبقاء في المنطقة السورية، حيث أوضحت في هذه المقالة أن هذا الانسحاب، وسياسة ترامب الحالية في المنطقة يشكل تهديداً للكيان الصهيوني، ومن شأنها أن تجعل هذا الكيان يواجه لوحده هذه التهديدات، متناغمة مع مراكز الدراسات الاستراتيجية الصهيونية المهتمة بالأمن الصهيوني والتي اعتبرت في دراسات لها أصدرتها خلال أيام الماضية، أن الرئيس الأمريكي ترامب خائن، وخان الكيان الصهيوني، ولا يمكن الاعتماد عليه. وبعد إشارتها إلى مواقف ترامب الأخيرة، بعدم التحرك ضد إيران، وبإقالة جون بولتون صديق " إسرائيل"، واعتبرت هذه المواقف وغيرها مخيبة " لإسرائيل "، خلصت هذه الوزيرة إلى القول.. " أن كيان الاحتلال مطالب رغم كل ذلك، بأن يتذكر دائماً بأنه في اللحظات الصعبة والحرجة والمواقف الحاسمة والمصيرية في حال وقعت، ليس لديه من يعتمد عليه، إلا على نفسه " على حد قول هذه الوزيرة ومزاعمها.. وفي الحقيقة أن هذا الخطاب تدركه الوزيرة في قرارة نفسها إنه مجرد مزاعم، لكنه تحريض من أجل الدفع بأمريكا للبقاء في المنطقة، وبقاءها في حياكة المؤامرات، وإدامة عدم الاستقرار والتوتر بين دولها. وعلى نفس وتيرة التحريض الآنفة جاءت تصريحات البروفسور الصهيوني أفرايم عنبار رئيس المركز الاورشليمي للأبحاث الاستراتيجية... ومازال الصهاينة يواصلون هذا النوع من الخطاب التحريضي وأخر حلقاته وليس أخيرها ما كتبه السفير الصهيوني في واشنطن سابقاً مايكل أورن حول السيناريو المرعب الذي قال فيه أن الكيان الصهيوني سوف يحترق وسوف يُشل ويعزل عن العالم، إذا نشبت بينه وبين إيران وحلفائها الحرب.
+ محاولة مضاعفة التحرك السري والعلني على السعودية تحديداً وعلى بقية الدول الخليجية العربية الأخرى سراً وعلانية من أجل طمأنتها بالاعتماد على حماية الكيان الصهيوني، وبممارسة الأخير الضغط على إدارة ترامب من أجل الاستمرار في حماية عملاء واشنطن في الخليج، كما تمثل ذلك في التقارير المتواترة التي أشارت إلى أن نتنياهو إستقل طائرة خاصة حطت لمدة دقيقتين في عمان، ومن ثم حطت في السعودية، وبعد ساعة رجعت بعد إقلاعها إلى الأرض المحتلة، وقيل أن نتنياهو نفسه شارك في اجتماع ثلاثي مع ولي العهد السعودي بحضور وزير الدفاع الأمريكي الذي كان يزور السعودية قبل أكثر من أسبوع.. ومازال هذا التحرك قائم على قدم وساق !
يؤكد تقرير الباحثين الصهيونيين يوئيل وسيما، أن الفتنة الطائفية التي ضربت المنطقة منذ سنوات ومازالت تهدد وحدة المنطقة بخطابها الطائفي العفن، هي من صنع الكيان الصهيوني وأسياده الاميركان، وبدعم كامل من قبل النظام السعودي، ذلك من أجل تعميق الفرقة بين طوائف الأمة ومذاهبها وتمزيقها، وتبرير الحروب والتوترات في ربوعها، من أجل تبرير التدخلات وإذكاء هذه الحروب وهذه الفرقة ليبقى الكيان الصهيوني والاميركان لاعبين أساسيين في المنطقة في رسم مستقبلها وحاضرها بما يتوائم مع مصالحها غير المشروعة، وما يعزز هذا الأمر هو استخدام الصهاينة وحلفائهم الاميركان والغربيين مصطلحات طائفية في خطابهم و تصريحاتهم وفي كل مناسبة وحتى غير مناسبة، فنتنياهو لم يسقط ولو لمرة واحدة في تصريحاته المتكررة وعلى مدى السنوات الخمس الماضية أو أكثر وحتى الآن مصطلح " الدول السنية المعتدلة " في الخليج قبال مصطلح " الدولة الشيعية المارقة إيران ".
كما أكدنا في ثنايا الحديث، أن العدو الصهيوني يعتبر العامل الحاسم في تخريب المبادرات الرامية إلى حل مشاكل المنطقة ونزع فتيل التوترات فيها بسبب تبعية بعض الأنظمة العربية ومنها النظام السعودي لهذا الكيان واملاءاته، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح هذه الدول، بل حتى ولو كان ذلك على حساب أمن واستقرار النظام نفسه، كما هو حال النظام السعودي اليوم !
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق