قمم مكة تفاقم المأزق السعودي
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي كنت متردداً في الكتابة على قمم مكة السعودية الأخيرة، قمة مجلس التعاون الخليجي، والقمة العربية الطارئتان، والقمة الاعتيادية الرابعة عشر لمنظمة مؤتمر التعاون الاسلامي، خصوصاً وان الكثير من المحللين و المراقبين إنبروا للكتابة عنها تحليلاً ومتابعة, وكشفاً للاهداف والدوافع، لكن التحفظ القطري على بيانات هذه القمم دفعني وحفزني الى تسجيل بعض الملاحظات على هذه القمم، فوزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني أكد في تصريح للتلفزيون العربي يوم 2 حزيران 2019 أن "بيانا القمتين الخليجية والعربية كانا جاهزين مسبقا ولم يتم التشاور حولهما" وأكد الوزير أن الدوحة تتحفظ على هذين البيانين لأن بعض بنودهما تتعارض مع السياسىة الخارجية للدوحة وقال "قمتا مكة تجاهلتا القضايا المهمة كقضية فلسطين والحرب في ليبيا واليمن، وكنا نتمنى أن تضع أسس الحوار لخفض التوتر مع ايران". وسبق الاعتراض القطري، رفض العراق ما جاء في صياغة البيان الختامي للقمة العربية التي اختتمت أعمالها يوم الجمعة الموافق 31/5/2019 مايو الماضي.. حيث قرأ أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية اعتراض ورفض العراق، ومما جاء فيه (.. اننا لم نشارك في صياغة البيان الختامي وان العراق يسجل اعتراضه على البيان الختامي في صيغته الحالية) وكان الرفض العراقي قد جاء استكمالاً لما كان الرئيس العراقي برهم صالح قد اكده في خطابه في القمة العربية ، حيث جاء خطابه مخالفاً لما طرحه الملك سلمان ولما طالب المؤتمرين العرب به، وهو إدانة وتجريم جماعة الحوثي، ومحاصرة ايران والتصدي لها، حيث رفض صالح الحرب أو معاداة إيران، وأعرب عن أمله في عدم وقوع اي حرب مع الجارة ايران.
على أن الرفض العراقي ، ثم القطري لبياني القمتين الخليجي والعربية الختاميين، أكدا بما لا يقبل الشك، أن هذه البيانات فُرضت على الحاضرين ولم يساهموا في وضعها أو المصادقة عليها، بدليل أن المسؤولين القطريين طالبوا عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، بنشر مسودة هذين البيانيين، عندما اعترض على التحفظ القطري، وقال يجب إبداء مثل هذا التحفظ وقت إنعقاد القمة، وليس بعد إنقضاضها، وما يعني ذلك أن المسودات تحتوي على مضامين تختلف عما أعلن في الصيغ النهائية لهذه المسودات، الأمر الذي يؤكد جملة معطيات نذكر منها ما يلي:
1ـ تراجع مركزية وثقل السعودية، بل فقدانها هذه المركزية وذلك الثقل، في مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، فكانت الدول العربية تحسب للسعودية ألف حساب، عندما كانت تتبع سياسات يصفها البعض بالمتعقلة وغير الطائشة، مثلما هو حاصل الأن! كما أنها لا تتدخل بشؤون الدول العربية الاّ من وراء الكواليس، أو بشكل لا يثير الشبهات تجاهها. وبالتالي فأن فقدان السعودية لهذه المركزية والثقل، جعل من الصعوبة بمكان على أن النظام السعودي أن يجعل من نفسه مركزاً للدوائر الثلاث الخليجية والعربية والأسلامية، ومن ثم أخفاقه في خندقة هذه الدوائر حوله في مواجهة إيران ومحورها، فالزمن الذي كان فيه هذا النظام يستطيع خندقة الدول العربية والخليجية وغير الخليجية قد ولّى الى غير رجعة.
2ـ أن سكوت ممثلي ومندوبي الدول العربية والخليجية، أو زعمائها المشاركين في القمتين الخليجية والعربية، يكشف بوضوح مجاملات هؤلاء للنظام السعودي نظراً لحاجة بعضهم للأموال التي يغدقها هذا النظام لشراء هذا التأييد، الذي يبقى مهما كان هذا الاغداق السعودي المالي، في الأطار الصوري الاعلامي دون أن يتعدى الى أبعد من ذلك، فحينما طلبت السلطات السعودية من بعضهم الوقوف عسكرياً الى جانبها ضد الحوثيين في اليمن، وأيضاً التجييش لحرب على ايران رفض هؤلاء رفضاً قاطعاً.. فعلى سبيل المثال قال الضابط في جهاز الامن الاماراتي وصاحب حساب (بدون ظل) أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان رفض الوقوف الى جانب السعودية ضد ايران، واضاف "رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في حديث غاضب مع محمد بن سلمان، (قال له) لن أقف معكم ضد إيران، هناك صدام دائم داخل باكستان بين السنة والشيعة، واذا وقفت مع أي جانب سترتد عليّ داخلياً. واذا أردتني وسيطاً ساعمل ما في وسعي لايقاف التصعيد". وكما أشرنا في بداية هذه السطور فان وزير الخارجية القطري اعتراض على التصعيد السعودي ضد ايران، داعياً الى الحوار معها ومؤكداً على ضرورة منح الاولوية لهذا الامر ، ولقضايا اليمن وفلسطين وليبيا، في القمم العربية والاسلامية. يضاف الى ذلك أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد رفض مشاركة الجيش المصري في محاربة الحوثيين، واعلنت السلطات المصرية أيضاً في أكثر من مناسبة أنها لا تؤيد الحرب مع ايران، بل وتفضل الحوار معها.
3ـ يعني ما تقدم إستحالة نجاح النظام السعودي في تشكيل تحالف عسكري من الدول العربية والاسلامية، يكون هذا النظام محوره ومحوله، نيابة عن أمريكا والكيان الصهيوني، فالسلطات الامريكية والصهيونية اعلنت صراحة أنها بصدد تشكيل حلف عسكري أو (ناتو عربي) بالتحالف بين الدول العربية (السنية) المعتدلة بقيادة السعودية والكيان الصهيوني، وبدعم أمريكي وغربي وصهيوني، ليقوم هذا الحلف بالحرب على ايران نيابة عن أمريكا لأن الأخيرة لا تريد بعد تجربتي العراق وافغانستان التورط في حرب جديدة مباشرة، ولذلك فأن الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ورغم تلويحه بالحرب ضد ايران في بداية الأمر بدافع من صقور ادارته مثل جون بولتون مستشاره للأمن القومي، ومايك بومبيو وزير خارجيته، وتعزيزه هذا التلويح بارسال عدد من البوارج الحربية والقاذفات الاستراتيجية بـ 52، الا أنه تراجع في النهاية واعلن صراحة أنه لا يريد الحرب، ودعا المسؤولين الأيرانيين الى الحوار، أكثر من ذلك أن مايك بومبيو أعلن مؤخراً أن الرئيس الامريكي يريد الحوار مع أيران بدون شروط مسبقة، أي أنه تنازل عن الـ 12 شرطاً التي كان بومبيو نفسه قد أعلنها للحوار مع طهران!!.
4ـ اللافت أيضاً، أن النظام السعودي حاول توظيف المقدسات الاسلامية من أجل دفع الدول العربية والاسلامية الى التخندق معه ضد جماعة الحوثي وايران، فاختيار مكة المكرمة لانعقاد هذه القمم، الهدف منه إسباغ نوع من المسحة الاسلامية والقدسية على هذه القمم وعلى القرارات التي تتخذها، وأيضاً تبنيها للأهدف السعودية التي اعلن عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير وهي إدانة الحوثيين بقصفهم المنشآت النفطية، وما أسماه التصدي للتدخلات الايرانية في الشؤون العربية بحسب مزاعم الجبير، ومن المفارقة أن النظام السعودي يمنع الآخرين من استخدام الدين لاغراض سياسية ويعتبر ذلك إرهاباً وانحرافاً عن الشريعة الاسلامية، ويزج بالسجون العشرات من الدعاة والعلماء والناشطين على هذه الخلفية، فيما يوظف وبشكل فج الدين ومقدساته للتحقيق الاهداف وأغراض ساسية، كما في الحالة التي تحدثنا عنها قبل قليل، أي توظيف مكة المكرمة وقدسيتها في تعبئة الدول العربية والاسلامية وراء الاهداف السعودية المشبوهة في قتل الشعب اليمني وفي التحشيد ضد دول إسلامية وعربية خدمة لأمريكا واسرائيل. وكما اشرنا قبل قليل أن النظام السعودي وعلى الرغم من توظيفه للبعد الديني لمكان إنعقاد القمم الاّ أنه أخفق في تحقيق أهدافه المشار اليها..
واذا اضفنا الى توظيفه الاموال الطائلة والرشوات ، فأن ذلك سوف يجعل بل جعل النظام في مأزق مركب ومعقد وخطير ، فمن ناحية أن الرئيس الامريكي ترامب تراجع عن إحتمالات شنه الحرب على ايران ، ومن ناحية أخرى ان النظام السعودي فشل في قممه الثلاث في تحقيق ما كان يصبو اليه أو على الاقل يعوض له ولو بنسبة معينة عن التراجع الأمريكي..
والسؤال الذي بات يطرح نفسه، هو لماذا وصل النظام السعودي الى هذا المستوى من المآزق؟ ولماذا فقد مركزيته التي كان يتمتع بها فعلى سبيل المثال ما أن طرح الأمريكان والصهاينة وعن طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل عام 2000 / يوم كان ولياً للعهد ، ما سمي بمادرة الملك عبد الله للتسوية مع الكيان الصهيوني تقضي بالتطبيع العربي مع العدو، مقابل ما يسمونه السلام مع الفلسطينيين ، فهذه ( المبادرة ) سرعان ما تحولت الى مبادرة عربية حينما تبنتها قمة بيروت العربية في عام 2000م .. لماذا لم يقف العرب في قمم مكة وراء النظام السعودي مثلما وقفوا وراء مبادرته في قمة بيروت؟ أو على الأقل، وقوف الدول الخليجية وراء أهدافه!؟ حيث رفضت عمان والكويت وقطر التخندق في خندق النظام السعودي المعادي لايران أو اليمن أو العراق؟
بأجماع الخبراء والمحللين العرب وغير العرب من المحايدين والمنصفين، أن النظام السعودي نفسه هو الذي أوصل حاله الى هذا المستوى المزري بسبب سياسات سلمان وابنه ، فبدلاً من أن تكون السعودية المحور الموحد والجامع لدول مجلس التعاون الخليجي، وصاحبة الكلمة المسموعة من هؤلاء الحلفاء ، تسبب هذا النظام في تعميق الانقسامات والاختلافات بين دول هذا المجلس، فالخلاف مع قطر وصل مرحلة الزحف العسكري لاسقاط النظام القطري، كما كشفت الكثير من التقارير التي تسربت من مصادر غربية وأمريكية وحتى خليجية أيضاً، أما الحديث عن التوتر والتصعيد الاعلامي والسياسي مع عمان فقائم على قدم وساق، وخلاف كبير أيضاً مع الكويت، ذلك بسبب أن بن سلمان وحليفه بن زايد يريدان مصادرة راي ومواقف هذه الدول، وتحويلها على دول تابعة لهما على غرار ما حصل في البحرين، والتخلي عن السياسة السابقة القائمة على الحوار والمشورة مع أنظمة الدول المشار اليها.. ومن المفارقة أن يتسبب بن سلمان وأبوه في كل هذه الانقسامات بين دول مجلس التعاون، وفي الوقت نفسه يطلب منهم الوقوف معه في حربه مع اليمن، وفي مواجهة ايران دون التفكير بمصالحهم ، وبالاضرار التي يمكن تحلق بهم وبشعوبهم!
هذا من جهة ومن جهة ثانية، أن النظام السعودي في الوقت الذي سعى فيه الى خندقة الدول العربية في مواجهة ايران، ويحول اهتمامها من الخطر الصهيوني الى ما يسميه الخطر الايراني، وفي الوقت الذي يطبل أعلامه وسياسيوه بالدفاع عن العروبة وعن الدول العربية وحمايتها من التدخلات الايرانية (بحسب مزاعمه, هو الذي يتدخل في شؤون هذه الدول وهو الذي يشكل التهديد الخطير لأمنها القومي، فهو المسؤول عن استمرار الحرب الداخلية بالاشتراك مع الامارات في ليبيا ، وهو الذي يتآمر الآن على الشعبين السوداني والجزائري ويحاول مع النظام الاماراتي سرقة ثوريتهما، وهو الذي يحتل البحرين ويقهر شعبه وهو الذي يحاصر الشعب القطري، وهو الذي يشن الحرب الظالمة على الشعب اليمني المظلوم ويرتكب المجازر تلو المجازر بالاشتراك مع النظام الاماراتي بحق هذا الشعب الذي لم يعتد على السعودية أو على الامارات ولم يهدد أمنهما، سوى أنه أراد أن يحقق الاستقلال ويبني نفسه بعيداً عن التدخلات الخارجي السعودية وغير السعودية في شؤونه الداخلية!! وايضاً يتآمر على سوريا ولبنان والعراق، كل ذلك خدمة للكيان الصهيوني وخدمة الأجندات الأمريكية في المنطقة . فبعد كل هذه التدخلات وهذا التحرك العدواني ضد الدول العربية، فهل تصح دعاوى النظام بالتشدق بالدفاع عن الأمن القومي العربي؟ وبالتالي من الطبيعي أن تسخر الدول العربية وأنظمتها من شعارات النظام السعودي في الدفاع عن الامن القومي العربي، والتصدي لما يسميها النظام التهديدات الأيرانية للعرب! ومن الطبيعي أن تتخلى هذه الأمة عن الانسياق في سياسات هذا النظام الطائشة، بعدما لاحظت وبالتجربة الحيّة ما تسبب لبعض الدول العربية من خراب ودمار وعدم الاستقرار وأستتاب الأمن بسبب سياسات هذا النظام وحماقات بن سلمان!
يضاف الى ذلك ، بل الأخطر، هو أن النظام السعودي بدأ يتحرك علنا للارتماء في احضان العدو الصهيوني، ويدافع عن هذا العدو ويعترف له بالقدس لتكون عاصمة له وباعتراف ترامب، ويتآمر على قضية الشعب الفلسطيني علناً عبر ما يسمونه صفقة القرن التي يريد الأمريكان اطلاق فصولها الاولى في مؤتمر البحرين في نهاية حزيران الجاري بدعم السعودي أيضاً ، كل ذلك وغيره كشف حقيقة هذا النظام في تحالفه ودعمه مع توأمه الصهيوني عدو الامة الاسلامية ومقدساتها فذلك كان له الاثر الفعّال في ابتعاد الدول الاسلامية، ورفضها ليكون مركزا لإدارتها..
ذلك فضلا عن انكشاف العهد السلماني لنظام آل سعود بأنه نظام مستبد وقاتل ولا يعترف لا بحرية الرأي ولا حرية معتقد ولا ديمقراطية، ولعل الاعدامات الأخيرة بحق الناشطين والناشطات، ثم اغتياله للصحافي الذي خدمه أكثر من 40 سنة جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، ثم مجازره بحق الشعب اليمني.. لعل كل ذلك وغيره، ما ساهم مساهمة في رؤية ومواقف الدول العربية والاسلامية الجدية تجاه هذا النظام، والتي اتخذت هذه الدول بموجب تلك الرؤى والمواقف مسافات بعيدة عن النظام وسياساته الطائشة في المنطقة.
ارسال التعليق