أهداف وحقائق تصعيد "بن سلمان" وقطيعته الدبلوماسية مع كندا
[ادارة الموقع]
* حسن العمري
ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها كندا ملف حقوق الانسان في المملكة، حيث لم يتجاوز الضغط الكندي بشأن حقوق الإنسان السعودي وعلى مدى الأعوام الماضية أكثر من الرفض العادي كما هو معهود، لكن الأمر هذه المرة قد تغير بشكل كبير تُرجمت السفارة الكندية في الرياض تغريدة وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند طالبت فيها بإطلاق سراح ناشطتين سعوديتين في مجال حقوق الإنسان، الى العربية وأرسلتها في الخامس من أغسطس/ آب الى نحو 12 ألف لتشعل فتيل النزاع الدبلوماسي الآخذ نحو الإتساع بين البلدين بشكل مستفز تفاعل معه الشارع السعودي ووسائل الاعلام الأمريكية والأوروبية مطالبين الاتحاد الأوروبي دعم الموقف الكندي مقابل إجراءات القمع المتصاعدة من قبل السلطات الحاكمة في الجزيرة .
مراقبون يرون في هذا التصعيد رسالة مزدوجة من قبل محمد بن سلمان لخصومه في داخل الأسرة الحاكمة والشارع السعودي، وأخرى للحليف الاستراتيجي وراعي البقر الكابوي الأمريكي الذي أربكته فعلة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على هامش استقباله له في قمة السبع بكندا، والذي أهداه صورة فندق أمتلكه جد ترامب "اركتيك" في كندا عام 1897حيث كان "بيت دعارة" - بحسب ما نشره موقع (إكزامينر) الإخباري الكندي.
توماس جونو الأستاذ المساعد والخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة أوتاوا الكندية وغيره من المراقبين يرون تصعيد الرياض هذا في جوهره لا يتعلق بكندا فحسب، بل وإنما يتعلق برغبة ولي العهد في إرسال رسالة أوسع نطاقا لخصومه في خارج البلاد وفي الداخل السعودي خاصة للأمراء الرافضين لقيادته، تزامناً مع موجة الاعتقالات الطويلة والعريضة التي شملت العشرات ومن الناشطين والدعاة والمفكرين في المملكة والحديث عن تقديمهم لمحاكمات سرية بتهمة الخيانة مازاد من قلق المجتمع الدولي وفي مقدمته منظمات الدفاع عن حقوق الانسان والأمم المتحدة، لا لشيء سوى لمعارضتهم سياسة وأسلوب الأرعن نجل سلمان في إدارة البلاد .
الرد السعودي الذي نشره حساب إنفوغرافيك السعودية تعليقا على الأزمة بين السعودية وكندا هو الآخر قد أثار جدلا واتهامات للرياض بتهديد كندا بما يشبه هجمات 11 أيلول/سبتمبر ضد برجي التجارة في نيويورك عام 2001. حيث اظهر فيه التصميم صورة لطائرة مدنية كندية تحلق باتجاه برج "سي أن" في تورنتو مع عبارتي "يحشر أنفه فيما لا يعنيه" بالإضافة لـ"المثل العربي يقول من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه"، ما زاد من دعوات النشطاء ووسائل الاعلام الأمريكية والغربية لدول الاتحاد الأوروبي لدعم الموقف الكندي ومحاسبة محمد بن سلمان على قمعه المفرط تجاه النشطاء الحقوقيين في المملكة، حيث بلغ عدد المعتقلين منهم في سجون السعودية أكثر من 30 ألف معتقل جلهم في السنوات الأربعة الأخيرة - وفق منظمة العفو الدولية.
كريس هيز ويعد أكبر مقدمي البرامج السياسية في شبكة "MSNBC" الأمريكية قال خلال برنامجه الأسبوع الماضي "إن محاولة تحسين صورة أبن سلمان في الماضي كانت مقززة والآن هذا هو الإثبات". فيما أكد المحلل السياسي الأمريكي ستيفن. أ. كوك المتخصص بالسياسة العربية وسياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.. "السعوديون يتظاهرون بأنهم إصلاحيون ثم يلقون بالنشطاء في السجون وبعد ذلك يستاؤون عندما يجرؤ الناس على انتقادهم لعدم إصلاحهم فعليا.. أنا أخمن أن طيور الثلج لن تهاجر في الشتاء المقبل الى نيوم".
المحلل السياسي الأميركي جيرالدو ريفيرا في برنامج The Five أفتعل ضجة قبل أيام على قناة "فوكس نيوز" عندما قال: إن الولايات المتحدة اتخذت الحليف الخطأ في الشرق الأوسط، وعلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يهتمّ جدّياً بهذا الأمر.. السعودية مصدر الإزعاج والطرف الشرير في المنطقة، وسياستنا عموماً اتجاه إيران مفلسة.. كما وأننا اخترنا العدو الخطأ في الشرق الأوسط، كل ذلك بسبب طمع ترامب للمال السعودي الذي ينهال بعشوائية كبيرة على الإدارة الأمريكية لشراء الدعم لسياسة محمد بن سلمان الداخلية والاقليمية".
مايا كوسيانيتش، المتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الاوربي فيديريكا موغيريني، أوضحت يوم الثلاثاء الماضي أن الاتحاد الأوروبي يشاطر كندا موقفها في الدفاع عن حقوق الإنسان، كاشفة عن أن الاتحاد أرسل برسالة الى السلطات السعودية مبدياً قلقه الشديد لحقوق الانسان السعودي، مطالباً بتأمين محاكمات وإجراءات عادلة للنشطاء المعتقلين في المملكة. فيما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية إن لندن "مؤيد قوي لحقوق الإنسان، ونبدي قلقنا بشكل منتظم للحكومة السعودية بشأن قضايا حقوق الإنسان بما في ذلك احتجاز مدافعين عن حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة".
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نشرت مقالا للكاتب والمحلل إيشان ثارور، أكد أن "خطوة السعودية تجاه كندا هي تعبير عن أسلوب الأمير المتشدد، فهو وإن قاد سلسلة من الإصلاحات، إلا أنها أرفقت بموجات من القمع واعتقال النشطاء والدعاة المشهورين والمطالبات بحقوق المرأة، في رسالة واضحة مفادها بأن الإصلاح لا يشمل التسامح مع التعبير السياسي". في الوقت ذاته صرح مسؤول في الخارجية الأميركية أن "واشنطن طلبت من الرياض معلوماتٍ بشأنِ احتجازِ نشطاء مدنيين، وحث السلطات السعودية على احترامِ الإجراءاتِ القانونية ونشرِ معلومات حولَها"!- حسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت .
منظمة العفو الدولية وفي أحدث تقرير لها، توقّفت عند تكثيف السلطات السعودية لحملاتها ضد حرية التعبير في الأيام الأخيرة، واحتجازها لعشرات الشخصيات بينهم علماء دين وكتاب وصحفيون ونشطاء، ورأت أن القيادة الجديدة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان تبعث رسالة خطيرة مفادها أنه لن يتم التسامح مع حرية التعبير، مشيرة إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان في البلاد منذ يونيو/حزيران العام الماضي. وقالت "على مرّ السنوات الماضية، لم نشهد أسبوعًا جرى فيه اعتقال هذا العدد الكبير من الشخصيات السعودية المعروفة في وقت قصير". لافتة الى أن هذه الإجراءات تتناسب وانتهاكات حقوق الإنسان حيث المضايقات والترهيب وحملات التشهير وحظر السفر والاحتجاز والملاحقة القضائية.
صحيفة "واشنطن بوست" خلصت الى أن "كلّ الأنظمة الديمقراطية الريادية بدءًا بوزراء خارجية مجموعة الدول السبعة يجب أن يعيدوا تغريد ما كتبته وزيرة خارجية كندا، لأن حقوق الانسان مسألة تخصّ الجميع"، مشددة أنه "لا يمكن للمستبدّين إخفاء عملهم القذر". في وقت قالت هيومن رايتس ووتش إنه "منذ عام 2014 حاكمت السلطات السعودية كل النشطاء والمعارضين في المحكمة الجزائية المتخصصة، محكمة قضايا الإرهاب في السعودية".
يقول مراقبون أن "السلطات الحاكمة في السعودية يتم إفتضاحها يوماً بعد آخر، فلم تعد تنطلي حتى على السذج أضاليل افتتاح دار للسينما مقابل اقتحام البيوت في أنصاف الليالي لاعتقال النساء، أو المرابطة أمام المساجد لتكميم الأفواه، أو إخفاء الإحصائية الرهيبة التي تقول إن أحكام الإعدام تضاعفت خلال سنة واحدة منذ تسمية ولي العهد. فكم من الأصوات سوف تفلح أجهزة المملكة في خنقها؟ وما عدد السفراء الذين سوف تطردهم بسبب تغريدة هنا أو تصريح هناك؟ وبأي غربال سوف يحجب بن سلمان شموس السعودية؟".
ارسال التعليق