احتدام الصراع داخل الأسرة السعودية الحاكمة..
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي في ظل التطورات العسكرية والأمنية التي شهدتها مملكة آل سعود في الآونة الأخيرة، أطلت علينا وكالة أبناء رويترز يوم 2/10 الجاري، بخبر احتدام الصراع داخل أورقة العائلة السعودية، وان هناك تحرك من الأمراء البارزين لإبدال بن سلمان ولي العهد، بعمه الأمير أحمد بن عبد العزيز التي قالت الوكالة، انه الأبرز لتولي هذه المسؤولية، ونقلت رويترز عن دبلوماسي أجنبي كبير وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، طالبوا جميعاً بعدم نشر أسمائهم، نقلت عنهم قولهم، أن ضربات ارامكو ثم اندحار السعودية عسكرياً في نجران، أمام جماعة الحوثي بسقوط ثلاثة ألوية مدرعة بكامل عدتها وعديدها في قبضة اليمنيين، حيث قتل وجرح قرابة الألف، فيما أسر أكثر من ألفين مع غنيمة أكثر من 350 إلية عسكرية بين مدرعة و دبابة وحاملة جنود، واحتلال أكثر من 500 كم في عمق السعودي..كل ذلك تقول الوكالة أثار الأشياء والغضب في وسط العائلة الحاكمة، وأثار قلقاً سيما وسط الفروع البارزة لعائلة آل سعود، ذات النفوذ القوي، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.. وتقول الوكالة أن أحد مصادرها، وهو احد أفراد النخبة السعودية الذي تربطهُ صلات بالعائلة السعودية المالكة، أن ثمة حالة استياء شديدة من قيادة ولي العهد، بعد هذه الهزيمة العسكرية القاسية أمام الحوثيين في نجران.. وأضاف هذا الشخص، أن بعض الأشخاص في أوساط النخبة يقولون إنهم لا يثقون في ولي العهد، الأمر الذي تقول رويترز أن مصادرها الأربعة المشار إليها، والدبلوماسي الكبير، أكدوا هذا الأمر..
من جهته قال الباحث لجى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن، نيل كويليام.. " لا يغيب عن السكان ( سكان المملكة) حجم هذه الهجمات ( عملية نصر من الله الحوثية) ولا حقيقة أن ولي العهد هو وزير الدفاع وشقيقه هو نائب وزير الدفاع، و مع ذلك يمكن القول إن البلاد تعرضت لأكبر هجوم على الإطلاق. وأضاف كويليام قائلاً، وهو خبير في شؤون البلاد – بن سلمان- وهذه نتيجة لسياساته، مشيراً أي ويليام، إلى أن بن سلمان يشرف على السياسات الخارجية و الأمنية والدفاعية..
و في الحقيقة أن الصراع داخل أسرة آل سعود كان محتدماً وبدأ يتكشف للعلن من لحظة دفن الملك السابق الملك عبد الله، وازداد هذا الصراع بعد مجئ الملك سلمان وابنه ولي العهد الحالي، تجسد هذا الصراع، أو تجلى بمظاهر عديدة، منها إزاحة أولياء عهد ليحل محلهم بالنهاية بن سلمان، مثل الامير مقرن والامير محمد بن نايف، والامير متعب بن عبدالله الذي كان مرشحا لولاية العهد، وتجلى أيضاً في إقدام بن سلمان على الزج بالعشرات من الأمراء و رجال الأعمال والوزراء السابقين في سجن الكاريلتون، الفندق الذي اشتهر، بأن بن سلمان اتخذه سجناً و مقراً لتعذيب هؤلاء الامراء و رجال الأعمال.. و لكل المعارضين و الاثرياء، حيث كسر بن سلمان شوكتهم وكمم أفواههم و استولى على ثرواتهم أو قسماً منها، تلك التي نهبوها و راكموها في البنوك السعودية والأجنبية، بل اكثر من ذلك، ان هذه الصراعات انعكست بشكل مواجهات دموية في القصور الملكية أو في بعضها في الرياض وفي جدة، حيث نقلت مواقع التواصل الاجتماعي حينها مشاهد دوي إطلاق النار والنيران، حيث اضطر النظام السعودي حينها الادعاء بأن طائرات مسيرة مشبوهة حومت حول القصر الذي كان فيه الملك سلمان، فقصدت لها المضادات الجوية ! في حين أكدت التقارير الواردة من الرياض، أن إطلاق نار كثيف حصل في القصر الملكي، وأعلنت تلك التقارير قتل أربعة أمراء وحراسهم عارضوا بن سلمان.. ولذلك فأن إثارة وكالة رويترز لوجود هذا الصراع واحتدامه، بعد عمليات الحوثيين في نجران، وقبل ذلك ضرب منشآت ارامكو في بقيق وهجرة خريص، لم تأت بشيء جديد، فالاستياء والغضب والتبرم من سياسات بن سلمان يتفاقم داخل الأسرة الحاكمة.. وتتحدث الأوساط الإعلامية الغربية بين الحين والآخر عنه، أما الحديث عنه في هذا الوقت بالذات من جانب وكالة رويترز، فأنا أتصور أن له دوافع تتجاوز التغطية الإعلامية، لان النظام السعودي يمر بوقت حساس جداً، نظراً لتعرضه لأكثر من زلزال هزّ أركانه وقوائمه بشكل جدي، ومنها كما أشرنا، زلزال أرامكو، وزلزال نجران، وتخلي الإدارة الأمريكية عن حمايتها للنظام السعودي و ما الى ذلك.. وبالتالي فأن هذه الإثارة لها أهداف محدودة، يمكن أن نؤشر إليها في سياق الاحتمالات التالية :
1ـ يمكن أن تكون الإثارة رسالة تحذير لبن سلمان، بأن البديل جاهز أن هو تنكب أو مجرد التفكير بالتنكب عن الطريق الذي رسمه له الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية، ذلك أن الدوائر الصهيونية والأمريكية بدأت تتحدث علناً عن أن بن سلمان بدأ يفكر بمراجعة سياساته الخاطئة وبدأ يحاول إعادة النظر بها، بل أكثر من ذلك بدأت تلك الأوساط بمناقشة تصريحاته التي أشار فيها إلى نظرته الايجابية لمبادرة رئيس المجلس السياسي لجماعة الحوثي مهدي المشاط، ولتفضيله الحل السياسي مع إيران وتتخليه عن لغة الحرب ونقل المعركة إلى داخل الإيراني كما يردد سابقاً، وتعتبر هذه الأوساط الصهيونية والأمريكية- أن بن سلمان أيقن انه وصل إلى طريق مسدود في سياساته، وبالتالي هو يحاول الخروج من هذا المأزق.. وهذا ما يصطدم بالإرادات والمشاريع الأمريكية والصهيونية، فالصهاينة يريدون من سلمان كما هو واضح وجلي أن يقود الجمع المتقدم، نيابة عن الصهاينة وأمريكا، لمواجهة إيران ومحورها.. وأمريكا لا تريد وقف الحرب على اليمن، لأن الحرب تشغل مصانع الأسلحة، وتستنزف الأموال السعودية لصالح أمريكا فضلاً عن أنها تستنزف طاقات الأمة، والكيان الصهيوني يريد تعميق حالة العداء بين العرب والإيرانيين لتوظيف امكانات العرب في مواجهة إيران !! لأنه يدرك انه غير قادر على تلك المواجهة بدون الدعم العربي، لتبقى إيران فزاعته وفزاعة أمريكا لتخويف أنظمة الخليج وتسويق مشاريعهما في المنطقة، ولذلك فإن تراجع بن سلمان عن تلك السياسات سيسبب خسارة وهزيمة لأميركا وللكيان الصهيوني..
ما قد يعزز من هذا الاحتمال، هو تعبيرات القلق التي كشفتها او أبدتها بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية والصهيونية من توجهات بن سلمان الجديدة، ففي هذا السياق قال الدبلوماسي الأمريكي الصهيوني الشهير، والسفير الأمريكي السابق في تل أبيب مارتن انديك.. قال في تغريدة له في 3/10 الجاري، " أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، سيلحق بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في مصالحة إيران ".. وأضاف انديك.. " إن الحلف المضاد لإيران والذي تقوده واشنطن، بدأ بالانهيار وليس التعثر فحسب". وقال انديك أيضاً معبراً عن تبرمه وإحباطه وقلقه أيضاً من تلك التطورات: " أن رحيل مستشار الأمن القومي جون بولتون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والصفقة التي أبرمها محمد بن زايد مع إيران، ستدفع بن سلمان للحاق تجاه إيران".
وكتب انديك تغريدته تعليقاً على تقرير لصحيفة هاآرتيز الصهيونية تقول فيه " انه بعد عام ونصف من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، فأن الرئيس الأمريكي يغازل روحاني، فيما يتورط نتنياهو في مشاكله القانونية، وتتسم سياسة محمد بن سلمان بالضعف". وهذا التقرير أيضاً يعكس حالة الإحباط والقلق عند الأوساط الصهيونية مما يجري في السعودية، فتلك الصحيفة فصّلت في هذا التقرير الذي نشرته في 2/10 الجاري، الحديث عن المأزق الصهيوني، وعن التهديدات الجدية للكيان الغاصب، بعد رفض ترامب محاربة إيران ولهاثه نحو الصلح معها، وبعد إخفاقات السعودية ومراجعات بن سلمان لسياساته، مشيرة إلى حديثه الأخير مع قناة السي بي أس الأمريكية والتي أيد فيها لقاءاً يجمع ترامب مع روحاني.. وقالت الصحيفة في تقريرها الذي كتبه الخبير الصهيوني عاموس هرئيل.." انه مع وجود تشوش أمريكي، هناك ضعف أوربي وسعودي" ونوهت الصحيفة إلى أن بن سلمان حاول في مقابلته مع السي بي اس، أن يبرر عجز الرياض في الدفاع عن نفسها ضد هجمات، كما أعرب عن دعمه للقاء يجمع ترامب و روحاني". وأشارت الصحيفة، إلى المقابلة المطولة التي أجراها رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية ( أمان) التي يرأسها الجنرال درور شالوم مع صحيفة ( إسرائيل اليوم) والتي ظهر فيها بشكل متشائم جداً، وأكد أن الصورة حزينة جداً، مضيفاً: " نحن نوجد أمام إيران في جولة خطيرة ويجب الإمساك جيداً بالدفة ". وكل ذلك يؤشر إلى أن خيارات بن سلمان المستجدة في التعاطي مع التحديات التي تواجهها المملكة السعودية، هي خيارات مقلقة للصهاينة بشكل خاص ولبعض الأوساط الأمريكية بشكل عام.
قد تكون إثارة وكالة رويترز، تعبيراً عن القلق الغربي المتزايد على مصير بقاء النظام السعودي وعلى استمرار تماسكه بعد الضربات القاسية التي تلقاها على أيدي حفاة اليمن الحوثيين، وبعد الإخفاقات المتلاحقة لسياسات ومشاريع بن سلمان، وبالتالي فأن تلك الإثارة تشكل جرس إنذار في الدوائر الغربية والأمريكية من أجل التحرك، لترتيب البيت السعودي، بيت العائلة السعودية الحاكمة، لتفادي الأسوأ، سيما وان هناك أوساط سياسية أمريكية وبريطانية وحتى غربية غير راضية أساساً بصعود بن سلمان إلى ولاية العهد وسيطرته على مفاصل السلطة، وأيضاً هناك مؤشرات كثيرة ترجح مثل هذا الاحتمال، ففي هذا السياق نشرت صحيفة الناشيونال انترست الأمريكية مقالاً مطولاً للكاتب ما يثر بيتي، في3/10 الجاري، جاء في مطلع هذا المقال" هناك العديد من الأمور التي تتغير نحو الأسوأ في المملكة السعودية، فقد كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ذات يوم الوجه الشبابي الواعد للملكية العربية، لكنه الآن منهزم في السياسة الخارجية ويواجه مشاعر مزعجة في الداخل ". وأشار كاتب المقال إلى آراء عدد من الخبراء حول سياسات بن سلمان، حيث أجمعوا على فشل هذه السياسات وعلى أنها تقود المملكة نحو الانهيار..
واللافت أن هذه الإشارات لا تقتصر على الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية والأمريكية وحسب، وإنها حتى بعض المواقع الإعلامية العربية تنبت ما ذكرته وكالة رويترز، فعلى سبيل المثال اعتبر موقع نون بوست في مقال له مطول أعده فريق التحرير في الموقع ونشر في 3/10 الجاري، ما نشرته الوكالة حول الصراع داخل الأسرة السعودية كان صحيحاً وذكر الموقع معطيات جديدة حول هذا الصراع، ومنها قوله: " أن الحديث عن البديل المحتمل لم يفارق طاولات اجتماع الأسرة الحاكمة ولا الشارع السعودي، إذ ينظر بعض الأمراء إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، كالاسم المقترح لأن يكون بديلاً يحظى بدعم أفراد الأسرة والجهاز الأمني وبعض القوى الغربية، على حد قول اثنين من المصادر الخمس التي تربطها علاقات بالنخبة السعودية، وفق ما ذكرت الوكالة الانجليزية "، في إشارة إلى وكالة رويترز..
وأيضاً قد يكون الأمر، هو محاولة لألفات الأوساط الانجليزية والأمريكية المعنية أساساً بوجود واستقرار وسلوكيات الأنظمة العربية الخليجية، إلى ما تشهده أورقة وصالات قصور الأمراء السعوديين، فلأن الأوساط البريطانية الإعلامية والمخابراتية أكثر إطلاعاً ونفوذاً بين أوساط العائلات الحاكمة في دولا لخليج العربية، بحكم أن بريطانيا هي الرؤوم لهذه العائلات، إذ رعتها من بداية نشوء هذه المماليك وحتى اللحظة.. نقول لان المخابرات البريطانية أكثر اطلاع على ما يدور داخل أوساط العائلة السعودية الحاكمة من صراع، فلعلها إرادات توجيه رسالة تحذير إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية من تداعيات هذا الصراع بسبب احتدامه وتفجره على نطاق واسع ليشمل الساحة السعودية برمتها، أي ينتقل إلى العشائر المنقسمة نتيجة تعدد واختلاف ولاءاتها لفروع الأسرة الحاكمة، فالبعض منها يدعم أبناء الأم السديرية، والبعض الآخر يدعم أولاد الشمرية، زوجات عبدالعزيز المؤسس، وهكذا. ما يدعم ويعزز هذا الرأي هو تواتر الروايات بالإضافة إلى رواية وكالة رويتر حول تصاعد هذا الصراع في الآونة الأخيرة، بسبب هزائم السعودية العسكرية والأمنية والإعلامية التي تسببت كما قلنا في زلزلة السعودية كدولة وكنظام إلى حد كبير.. ولذلك أعتبر الكثير من المحللين الغربيين والعرب أن مقتل الحارس الشخصي للملك سلمان عبدالعزيز الفغم، الغامض وغير المتوقع، مؤشراً على تفاقم الصراع داخل الأسرة، وذهب البعض إلى أن بن سلمان هو الذي قام بتصفية بشكل وبآخر، نظراً لخوفه منه بسبب علاقاته الواسعة والقديمة مع أركان الأسرة الحاكمة، بنظري أن ثمة احتمال يطرح نفسه بقوة و هو، لأن الصراع بدأ يحتدم، وبدأ التحرك داخل الأسرة ينشط بعد الهزائم المتلاحقة للسعودية، وجد بن سلمان في وجود الفغم خطراً عليه، إذ احتمل أن يقوم بتسميم الملك بدعم من فروع أخرى من العائلة وإذا مات الملك سلمان فجأة فسوف تضيع فرصة صعود بن سلمان للعرش، لأنه في تلك اللحظة لا يمكنه أن ينجح في تولي العرش، فبن سلمان يسعى الآن يعتلي عرش المملكة بوجود والده..ولذلك سعى بنظري لأن يتولى حماية من يثق به هو.. وفي هذا السياق كشف المعارض السعودي الأمير خالد بن فرحان آل سعود في 1/30 أيلول الماضي، أن تعيين بن سلمان ملكاً على السعودية سيكون قريباً جداً، بالتنسيق والتعاون مع CIA ( جهاز الاستخباراتي الأمريكية). وقال خالد آل سعود في تغريدة له على حسابه بموقع تويتر في ذلك التاريخ: " إن الخطة التي ستنفذ تتضمن تغيير حرس الملك الشخصي وإحلالهم بالمرتزقة من بلاك ووتر، وذلك تمهيداً لإعلان الخائن العميل ملكاً على بلاد الحرمين الشريفين" بحسب قوله.
وبغض النظر عن أي من هذه الاحتمالات، سيكون الدافع وراء هذا الحديث والجدل الإعلامي والسياسي الغربي حول احتدام الصراع داخل العائلة السعودية، فأن تواتر هذا الجدل يؤكد بما لا يقبل لاشك، أن العائلة السعودية تشهد زلزالاً يؤشر بوضوح إلى تآكل النظام السعودي من الداخل، والى أن أخفاقات بن سلمان المتعددة وزجه المملكة في متاهات خارجة عن قدرتها وتحملها، بدأت تأكل من رصيد ليس بن سلمان وحده ومستقبله فحسب، بل من رصيد كل النظام السعودي، وهو ما يؤشر إلى حالة القلق المتزايدة في الداخل السعودي وفي الخارج خصوصاً في الدوائر الصهيونية والبريطانية والأمريكية على مصير هذا النظام الذي يعتبر محوراً أساسياً في مشاريع هذه الدوائر الاستعمارية الخاصة بالمنطقة !
ارسال التعليق