النظام السعودي ومساعيه في تطبيع العلاقات مع إيران
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكيتواترت في الآونة الأخيرة، الأحاديث عن محاولات نظام ال سعود لخفض التوتر مع إيران، حيث قالت أوساط إعلامية غربية انه يبذل جهوداً سرية لتطبيع العلاقات مع الخصم الإيراني، طبقاً لما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال، حيث نقلت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشرته في الثاني عشر من كانون الأول الجاري، عن مسؤول سعودي قوله إن هجوم 14 أيلول على شركة أرامكو غيّر قواعد اللعبة، فيما أكد مسؤولون سعوديون وأوربيون وأمريكيون أن ممثلين في المملكة وإيران يتبادلون في الأشهر الأخيرة رسائل ويجرون اتصالات عبر وسطاء في سلطنة عمان والكويت وباكستان. وقد جاءت زيارة وزير الدول للشؤون الخارجية العماني بن علوي لإيران، قبل أيام، ثم زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الأخيرة إلى الرياض، والتي قيل إعلاميا إنها جاءت في سياق عزم باكستان على إحياء الوساطة الباكستانية بين إيران والسعودية.. جاءت هذه التحركات لتعزز الأحاديث المشار إليها حول وجود اتصالات ورسائل متبادلة سرية بين الرياض وطهران، غير أن الأخيرة رغم كل هذه الأحاديث المتواترة عن وجود هذه الاتصالات السرية كما يقولون، نفت ذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس الموسوي، حيث أكد انه لم يحصل أي اختراق في الوضع المتوتر بين إيران والسعودية، وأشار إلى أن هناك دولاً تسعى لإطلاق حوار بين طهران والرياض لازال التوتر، معلناً عن ترحيب بلاده بهذه الجهود، ومتهماً السعودية بممارسة سلوك مزدوج، داعياً إياها إلى تغيير هذه السياسة، مشيراً أيضاً إلى أن هذا السلوك والتصريحات السعودية لا تتناسب مع روح التوجه الذي اتخذناه نحن أو اتخذته دول أخرى في المنطقة بحسن نية.
النفي الإيراني بعدم وجود أي اختراق في الوضع المتوتر والراهن بين الرياض وطهران يؤشر إلى جملة أمور، نشير إلى بعض منها بما يلي:-
1ـ إن النظام السعودي، ورغم تأكيد الأوساط الغربية والأمريكية طبقاً لما ذكرته صحيفتا (الواشنطن بوست)، والـ (وول ستريت جورنال) الأمريكتين، هو الذي يسعى ويبذل الجهد للوساطة مع إيران، إلا إنه لا يبدي أي تنازلات للطرف الآخر (الإيراني) للتمهيد لتطوير الحوار بين الطرفين، وصولاً إلى اتفاق مرضي ينهي التوتر، وهذا ما تؤكده تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيراني عباس الموسوي، في تصريحاته التي أشرنا إليها قبل قليل، حيث دعا الرياض إلى البحث عن أمن المنطقة من داخلها، ومصافحة يد الصداقة التي مدتها إيران لها ولدول أخرى الاستتبات الاستقرار"، معتبراً أن "دعوة الأجانب إلى المنطقة، وتكديس الأسلحة الأجنبية، وخصوصاً الأسلحة الغربية فيها، لن يحسن الأوضاع وسيزيدها سوءاً". ما يعني ذلك بوضوح أن السعودية لم تضع الأولوية في محاولاتها لإنهاء التوتر مع إيران، مصلحة البلدين والمنطقة، بل أنها تحاول وضع شروط وإثارة مواضيع لا تصب في مصلحة دول المنطقة وشعوبها، وإنما تصب في مصالح الآخرين الذين يسعون إلى تأجيج التوتر وعدم الاستقرار بين دول المنطقة، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية..
2ـ إتهام الموسوي للرياض بالسلوك المزدوج، أي في الوقت الذي تبذل فيه الجهود للوساطة وتطبيع العلاقات مع إيران، هي تصعد، تجلب المزيد من الأسلحة والقوات الأمريكية إلى الأراضي السعودية وتتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية لكل من العراق ولبنان ولصالح الأجندات الأمريكية والصهيونية.. هذا السلوك المزدوج يؤشر بوضوح، أن التحرك السعودي، على صعيد تحريك الوساطات مع إيران، ما هو إلا مناورة سعودية لهدفين:
الأول هو محاولة انتزاع تنازلات من الجانب الإيراني، وتحقيق مكاسب سياسية عجز عن تحقيقها النظام السعودي ورعاته الأمريكان بأساليب الضغط العسكري وغير العسكري، ذلك على خلفية تصور أمريكي وسعودي خاطئ، أن تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، ثم توجيه الضربات الأخيرة لمحورها في العراق ولبنان سوف يجبرها على المساومة مع الأمريكان وعملائهم في المنطقة، وبالتالي قبول الشروط الأمريكية والسعودية أو ببعضها لإنهاء هذا التوتر في المنطقة، كأن تقبل بصفقة جديدة مع أمريكا في الملف النووي، أو تتخلى عن مشروعها الصاروخي، أو التساهل في قضايا إقليمية ودولية ما زالت تشكل خلافاً بين إيران وتلك الأطراف.
أما الهدف الثاني، فيتمثل في أن الولايات المتحدة تريد جس نبض القيادة الإيرانية فيما إذا اقتنعت هذه القيادة بالتنازل لأمريكا وأصبحت على استعداد لعقد صفقة مع ترامب، تقضي بتحقيق انجاز إعلامي وسياسي لترامب أم لا، أي لا تزال هذه القيادة (الإيرانية) مصرة على ثوابتها ومواقفها من الابتزاز الأمريكي، فلا أستبعد أن يكون الأمريكان هم من أوعز للنظام السعودي بالتحرك في هذا الاتجاه لجس نبض ردود الأفعال الإيرانية وقياس مواقفهم من جهة ومن جهة أخرى محاولة منع الوضع المتوتر في المنطقة من الانزلاق إلى حرب مدمرة لا تستطيع أميركا ولا الكيان الصهيوني ولا عملاؤهم، تحملها والتخلص من آثارها، وذلك عبر هذه المناورات والإيحاء بأن هناك مساعي لنزع فتيل التوتر!
3ـ إن مساعي النظام السعودي لتطبيع علاقاته مع إيران، وفي الوقت نفسه يضع العراقيل أمام هذه المساعي، يؤشر بوضوح إلى أن هذا النظام يناور إعلاميا أمام الرأي العام العربي والإسلامي، وذلك بإعطاء انطباع غير حقيقي حول أن الرياض مع الجهود الرامية لنزع فتيل التوتر في المنطقة وتريد تسوية علاقاتها مع طهران، بل هي المبادرة في هذا الاتجاه! ذلك من أجل تحميل الطرف الآخر مسؤولية استمرار الأوضاع المتوترة، وبالتالي التشكيك في مبادراته لإنهاء التوتر، خصوصاً المبادرة الأخيرة التي اقترح فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني توقيع معاهدة عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج العربية.. فهذه المبادرة أحرجت السعوديين لرفضهم إياها بدون سبب مقنع، في حين رحبت أطراف أخرى مثل قطر وسلطنة عمان وحتى الكويت!
النظام السعودي يعتقد أن هذه المناورة الإعلامية توفر له الظروف المناسبة المواصلة التصعيد ضد إيران ومحورها بحجة "خطورته" على دول الخليج العربية، بينما التصعيد في الواقع هو مطلب أمريكي صهيوني من أجل حفظ المصالح الأمريكية غير المشروعة، ومن أجل توفير الأمن الكيان الصهيوني ليبقى غدة سرطانية تنهش في جسم الأمة الإسلامية.
4ـ والى ذلك، فأن النظام السعودي يحاول من خلال هذه المساعي فتح فجوة في جدار الأزمة، ليتوفر له الوقت الكافي للمناورة، وللقيام بطرح شركة آرامكو للاكتتاب، ذلك أن ضربات جماعة الحوثي الموجعة في بقيق وهجرت خريص، وقبلها في حقل شيبة والدمام، تسببت في تعثر هذا الطرح نظراً لابتعاد المستثمرين بسبب تعرض المنشآت للضرب والتدمير من قبل الحوثيين، ولذلك فأن النظام السعودي بأمس الحاجة إلى توقف هذه الضربات من أجل طمأنة المستثمرين، وحملهم على الاستجابة لطروحات بن سلمان فيما يخص أرامكو.. ما يعني ذلك أن النظام السعودي يحاول من خلال الاتصالات مع الجانبين الإيراني واليمني، إطالة أمد الهدنة بين الطرفين، لطمأنة المستثمرين. على أن هذه السياسة المراوغة وقصيرة النظر، بل والخاطئة في أغلب الأحيان أن لم تكن في كل الأحيان، ليس لم توصله إلى أهدافه، أي النظام السعودي، وحسب، وإنما تعزز وتكرس التحديات والأزمات التي أنتجتها هذه السياسة الى حد الآن، ومنها ما يلي:
أولاً: فشل نظام ال سعود في أن يكون المظلة العربية التي تضم تحت جناحيها الدول العربية وحتى الإسلامية في مواجهة التحديات، لأن هذه السياسة يوماً بعد آخر تزيد من عزلة النظام، ومن ابتعاد حتى حلفائه في مجلس التعاون الخليجي!!
ثانياً: فشل النظام في أن يكون القوة العسكرية وحتى الاقتصادية للدفاع عن مصالح العرب والمسلمين! بعد ما اتضح انه يريد هذه القوة لخدمة أمريكا وشذاذ الصهاينة، الأمر الذي جعل أغلب الدول العربية والإسلامية القريبة منه والحليفة تبتعد عنه، ولأنه ما زال سادراً على هذه السياسة، رأينا انسحاب الأردن والمغرب وماليزيا من تحالفه الوحشي على اليمن، وحتى السودان قررت قيادته الجديدة سحب جنودها والبقاء على خمسة آلاف فقط، بدلاً من العشرين أو الثلاثين ألف الذي أرسلهم المخلوع عمر البشير والذي يقبع الآن خلف القضبان بعد الإطاحة به بثورة شعبية التفت عليها أمريكا وعملاؤها أكثر من ذلك وكذلك دولة الإمارات التي انسحبت من جبهات القتال وانكفأت بقواتها إلى داخل محافظات الجنوب، في الوقت الذي بات اتفاق الرياض مهدداً، نتيجة الصراع بين الانتقالي الموالي للإمارات وبين الشرعية هادي وزمرته المحسوب على السعودية بسبب تضارب الأجندة الإماراتية السعودية هناك الأمر الذي يؤشر إلى تفاقم المأزق السعودي في اليمن بشكل لم يسبق له مثيل على خلفية هذه السياسات قصيرة النظر التي يواصل اتباعها وتنبيها نظام ال سعود استجابة لاملاءات السيدين الأمريكي والصهيوني!
ثالثاً: لعلّ أخطر تحدي للنظام السعودي يعانيه اليوم بسبب سياساته المراهقة، هو فقدانه هيبته واحترامه من قبل الشعوب العربية والإسلامية، إذ فقد احترام الشعوب العربية عند ما اكتشفت حقيقته، بأنه بدلاً من حمايته هذه الشعوب، كما يدعي ويزعم في إعلامه وفي تصريحات مسؤولية، فأنه أول متآمر وقاتل لهذه الشعوب، ولقضاياها المصيرية كقضية فلسطين والقدس، فهرولته نحو الارتماء في أحضان شذاذ الصهاينة ومناصرته لمشروعهم الشيطاني، وتآمره على المقاومة الفلسطينية وصرفه المليارات من الدولارات على مشاريع أمريكا وعلى اقتصادها، ثم جرائمه المتواصلة ومجازره بحق الشعب اليمني المظلوم وحصاره لشعب قطر الشقيق كل ذلك زاد من بصيرة هذه الشعوب، وعرفت انه عدوها، وليس حاميها، أما الشعوب الإسلامية فهي الأخرى، عرفت حقيقة هذا النظام من دوره في ضياع القدس وفي تشويه المقدسات الإسلامية، والقيم الإسلامية وتوظيف ثروات الأمة الطائلة في خدمة مثل هذه المشاريع الأمريكية والصهيونية، التي تستهدف هوية الأمة الإسلامية وحضارتها وحتى تاريخها وجغرافيتها! وفضلاً عن ذلك انه جلب المآسي والويلات التي ما زالت تعاني منها الشعوب العربية والإسلامية، بوقوفه ضد تطلعات هذه الشعوب ومحاولات انعتاقها من نير التبعية والاستعمار.
رابعاً: ليس ببعيد أن تجعل الولايات المتحدة الملف اليمني ورقة مساومة مع الخصم الإيراني، فالولايات المتحدة، بحسب تصور نظام ال سعود تعتبر الملف اليمني متعلقاً بنظام ال سعود دون التدخل خلافاً للمصلحة السعودية، لكن اليوم القلق السعودي يزداد من احتمالات إقدام أميركا على تقديم تنازلات لإيران ولجماعة الحوثي من وراء ظهر نظام ال سعود، ذلك نتيجة لفقدانهم وزنهم واحترامهم حتى من اقرب حلفائهم، وشافط أموالهم، أمريكا فهذه الأخيرة تركتهم وحدهم ولم تدافع عنهم عندما ضرب الحوثيون منشآتهم النفطية في بقيق وخريص، رغم كل المليارات التي شفطها ترامب والتي ما زال يفتخر بأنه شفطها دون غير من الرؤساء الأمريكيين السابقين.
خامساً: فقدت السعودية احترامها الدولي، يوماً بعد آخر تفقد الكثير من هذا الاحترام، أكثر من ذلك أن بعض الأوساط الدولية، لم تنهِ احترامها لها وحسب بل باتت تطالب بمعاقبة نظامها باعتباره نظام مجرم ومسؤول عن رعاية وإنتاج الإرهاب في المنطقة والعالم، والشواهد على ذلك كثيرة حتى داخل الحليف الأمريكي نفسه.
وبخلاصة أن نظام ال سعود، فقد الكثير والكثير من هيبته واحترامه وقوته التي كان يتمتع بها بين الأوساط الشعبية والدولية قبل مجيء سلمان وابنه، وكلما ظل سادراً على هذه السياسة فأنه سيفقد الكثير من هذه الهيبة والاحترام، وسيعاني من التحديات الحالية والمستجدة بدون شك.
ارسال التعليق