صفعة التحالف السعودي في الجوف وأبعادها الإستراتيجية
[عبد العزيز المكي]
لقد جرت العادة، في كل انتصار يحققه الحوثيين وحلفائهم من الجيش اليمني في هذه الحرب التي فرضها نظام ال سعود على الشعب اليمني، إقدام هذا النظام ووسائل اعلامه ومحلليه على الفضائيات السعودية وغير السعودية.. على التقليل من شأن هذا الانتصار الى أقصى حد ممكن، حيث ينزل النظام السعودي بكل ثقله المالي والاعلامي والسياسي من أجل تحقيق هذا الهدف، وهذا ما لاحظناه وتابعناه في التعاطي مع ضربات الحوثيين لمنشآت أرامكو في حقل الشيبة وفي بقيق وهجرة خريص، وأخيراً وليس آخراً في ينبع، وفي التعاطي مع عمليات الحوثيين الأخيرة "نصر من الله " في نجران، و" البنيان المرصوص " في نهم!!
وبنفس هذا الجهد والنهج أو اكثر، تعاطى النظام السعودي مع عمليات تحرير محافظة الجوف، الأخيرة، واذا أردنا أن نستعرض تفصيلات التعامل السعودي مع هذا الانتصار الجديد والكبير الذي حققه الحوثيين، نجد ان السعوديين استخدموا الأساليب التالية من أجل محاولات سلب الحوثيين هذا الانجاز الكبير الذي سيكون له أثار كبيرة في مجريات الحرب الدائرة، كما سيأتي:
1ـ محاولة الإيحاء بأن هذا الانتصار تحقق بفعل الخيانات التي حصلت في جبهة الخصم، التي تقودها جماعة هادي وشلته، تحت حماية ورعاية ودعم السعودية والأمارات!! والملاحظ ان النظامين السعودي والاماراتي حشد كل ما يمكن حشده من أدلة ومن توظيف للمرتزقة في سبيل تمرير فكرة الخيانة وتقاعس البعض من الضباط في معسكر هادي الموالين للتحالف، الأمر الذي مكن الحوثيين من التقدم والسيطرة على المحافظة!! بحسب زعمهم.. وذهب المحللون شرقاً وغرباً في تفسير الهزيمة بهذه الخيانة وبسبب تقاعس ما يسمى بالشرعية وبفسادها وما الى ذلك من قبل عن الاختلافات الداخلية التي تعصف بها، وعن انشغالها بالمناصب والسفرات الخارجية الى آخر الاتهامات.. وهنا نشير الى بعض نماذج هذه الحملة في هذا السياق، فقد وجه الصحفي الجنوبي فتحي بن لرزق في تغريدة له في1/3/2020 رسالة الى قيادات " الشرعية" قال لهم فيها " إما ات تعودوا الى داخل اليمن وتقودوا معركتكم ضد الحوثي واما أن تتنحوا، واعلنوا انكم لا تمثلونا ولا نمثلكم، فمن العار ان يكتب التأريخ ان جماعة الحوثي هزمت اليمنيين ولديهم قيادة اولها في فنادق الرياض وآخرها في فنادق اسطنبول والقاهرة" على حد قوله. أما المحلل السعودي خالد الزعتر، فقد طالب باعادة هيكلة "الشرعية" ومحييد دور الاخوان فيها، وكتب هذا الكاتب تغريدة في 2/3/2020 قال فيها " الخطوة الاولى باتجاه تثبيت شرعية الدولة اليمنيية والحفاظ على الأنجازات والمكتسبات التي تحققت في سبيل دحر "الارهاب" الحوثي يبدأ باعادة هيكلة الحكومة اليمنية.." على حد قوله. هذا ونقل موقع " اليمني اليوم في 2/3/2020 عن مصادر عسكرية زعم انها مطلعة في محافظة الجوف، قولها "ان القيادات العسكرية في المحافظة تعرضت للخذلان عن مهمة اسناد الجيش في معاركه الاخيرة مع الحوثيين" وكشفت المصادر لموقع "مأرب برس" جانباً مما حدث في الجوف وانسحاب القوات الحكومية من مناطق وجبهات استراتيجية أهمها الحزم والغيل والعقبة.. وزعمت ان لواءين قدما من الحدود اليمنية مع السعودية، انسحبا من مواقع مهمة بالجوف، كانت قد صدرت توجيهات سابقة بتكليفهم بالدفاع عنها.
2ـ محاولة تحميل حزب الإصلاح (الاخوان المسلمين) مسؤولية سقوط الجوف بايدي الحوثيين واتهموهم بالخيانة، وهو اتهام غير منطقي لان الجوف ومأرب تعتبران المحافظتين اللتين يتمركز فيهما حزب الإصلاح، فكيف يعقل تسليمهما للحوثيين؟ هذا من جانب ومن جانب آخر، اذ كان الأمر استلام وتسليم لماذا لم يبق الاخوان اي الاصلاحيين في اماكنهم في الجوف، بل ذكرت الاخبار المؤكدة انهم فروا باموالهم وعوائلهم واسلحتهم حتى من مأرب التي لم يصلها الحوثيون بعد. على أي حال، يقول الأكاديمي والناشط السياسي علي الفضلي زاعماً: انه "حتى الآن لا يملك أحداً أن يقدم ما يؤكد ان الانتصارات المتكررة التي تسجلها صنعاء مؤخراً، لم تكن سوى عمليات استلام وتسليم ليس الّا، ولكن في إطار المناكفات بين الأطراف والقوى، هناك من يذكر ذلك انه لم يكن سوى استلام وتسليم بين الحوثية والشرعية"! على حد قوله وزعمه، لان الشرعية بحسب ادعائهم يسيطر عليها الاخوان المسلمين أي حزب الإصلاح.. وذهب الناشط سياف الغرباني الى هذا الرأي في حديثه عن سقوط الجوف بادعائه " ان الحوثي لم يسقط الجوف وان ما اسقطها بحسب رأيه هو صراع علي محسن الأحمر والإصلاح مع العكيمي ومنطقته العسكرية السادسة" والعكيمي هو اللواء أمين العكيمي محافظ محافظة الجوف المعين من قبل عبدزربه منصور هادي.
3ـ حاول نظام ال سعود ومرتزقته تفسير هذا الانكسار في الجوف الذي مني به تحالفه البربري وعملائه على ايدي الحوثيين، بالدور المزعوم الذي لعبه صغير بن عزيز رئيس الاركان الذي عينه قبل ستة أشهر هادي لرئاسة اركان ما يسمى بالجيش الوطني الذي يقوده هادي، وذلك بحسب تفسيراتهم ومزاعمهم ان بن عزيز موالٍ للامارات واراد أن ينتقم من " الشرعية " التي يسيطر عليها الاصلاحيون! وهذا ما ذهب اليه نشطاء الاصلاحيين، اي حزب الاصلاح، فالناشط صادق أحمد قال متهكماً " إن الجوف كانت ولخمس سنوات بيد الاصلاحيين غير المرحب بهم أمثال طاهر العقيلي وأمين الوائلي وهاشم الاحمر وغيرهم فاستبدلوهم بالرجال المخلصين أمثال صغير بن عزيز ورداد الهاشمي والحجوري، فكانت النتيجة ما نشاهده ونسمعه اليوم..؟ ". وذهب هؤلاء الناشطون الاصلاحيون الى أبعد من ذلك، بأنهم توقعوا بأن يسلم بن عزيز مأرب للحوثيين في مخطط للقضاء على حزب الأصلاح، على حد زعمهم.
ولتكريس هذا الانطباع في أذهان الرأي العام، أي تقاعس رئيس الاركان بن عزيز، نشروا وثيقة قيل ان قائد محور الجوف اللواء أمين العكيمي بعث بها الى بن عزيز، رفض الاخير التجاوب مع نداءات المحور بأن الوضع خطير في محافظة الجوف، كما تؤكد عدم تنفيذ كتائب العمليات المشتركة التي تنضوي تحت القيادة المركزية لصغير بن عزيز للمهام الموكلة اليها من قيادة المحور، بحسب ما جاء في الوثيقة..
وعلى النقيض من هذه الاتهامات، ذهب البعض الى ان هناك من يريد إفشال مهمة صغير بن عزيز، فمثلاً، ان الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن ياسر العواضي علق على تطورات الجوف، وقال قبل يوم من سقوط الجوف.. "لن يتركوا قرار تعيين صغير يمر مرور الكرام، لابد أن يأدبوا فيه، يعتقدوا انهم من حلفائهم وراء القرار الذي يبدو أنهم يستشاروا فيه". وأضاف أنه "بالتالي فالانسحاب من بعض الجبهات وتسليمه إضافة إلى إغتيالات لحلفائهم ستكون واردة من قبلهم". وقال "ما زالوا جماعة حقد لم يثبتوا أنهم أفضل من أي جماعة أخرى على الأطلاق.."
والى ذلك ذهب البعض الى اتهام السعودية بالتواطئ مع الحوثيين للقضاء على ما يسمونه الشرعية!! بعدم تقديم الأسلحة وزج الجيش السعودي في هذه المعركة، وهذا ما ينافي الحقيقة، حيث زج نظام ال سعود بكل اسلحته لكنه لم يستخدم الطيران الهيلكوبتر المقاتل. ما يرجح ذلك تصريح العقيد في اللواء 100 مشاة ربيع القرشي طبقاً لما نقلت عنه وسائل الاعلام، اذ قال ان قوات التحالف سحبت معداتها ومدافعها من مدينة الحزم قبل سيطرة الحوثيين عليها بيومين.. ويبدو أنها ايقنت بسقوطها ولذلك سحبت اسلحتها حتى لا تقع غنائم بايدي جماعة الحوثي كما حصل في معركة البنيان المرصوص وعمليات نصر من الله في نجران، وليس لان (التحالف) متواطئ مع الحوثيين كما يزعم هؤلاء.
4ـ يضاف الى ذلك، ان الاعلام السعودي إتهم علي محسن الأحمر بالمسؤولية عن هذه الهزائم، فهذا الاعلامي المقرب من نظام ال سعود سامي العثمان نائب الرئيس اليمني على محسن الاحمر باختراق الشرعية لصالح قطر وتركيا، وقال في تغريدة له 2/3/2020: "ألا يعلم العجوز المغيب منصور هادي بان الشرعية مخترقة من رأس الأفعى محسن الأحمر والخونة اتباعه الذين باعوا الأرض والعرض لقطر وتركيا وايران وعمان، فضلاً عن كونهم وراء الحوثي وتقدمه في محافظة الجوف! والله والزمن والتاريخ لن يرحمك، إترك الشرعية بعد ان تركتك!" على حد قوله وزعمه..
و كل ذلك يؤشر الى جملة أمور في غاية الخطورة نشير الى بعض منها فيما يلي:-
أولاً- ان كل فريق من فرق التحالف، بتوجيهه التهمة الى الفريق الآخر وتحميله المسؤولية عن سقوط محافظة الجوف بالتواطئ مع الحوثيين، أو مع هذه الجهة وتلك، يكشف مدى الإرباك الذي يعاني منه ما يسمى بالتحالف وقوى المرتزقة التابعة له، وكذلك الفوضى العارمة التي تعاني منها هذه القوى بسبب ضربات الحوثيين المتلاحقة، والموجعة. فهذا الارباك وتلك الفوضى يعتبران اعترافاً غير مباشر بعمق وايلام هذه الضربة التي تعرض لها فريق ما يسمى بالشرعية على أيدي الحوثيين، واعترافاً بتصاعد قوة الحوثيين العسكرية وتفوقها في ميادين القتال رغم التسليح الهائل والمتطور لقوى "التحالف" السعودي والاستعدادات العسكرية التي أعدتها هذه القوى لمواجهة هجوم الحوثيين.. بل اكثر من ذلك ان هذه القوى أعدت العدة عسكرياً وبشرياً ليس لمواجهة الحوثيين وكسر هجوماتهم، بل والحاق الهزائم بهم واختراق جبهاتهم وتحقيق التقدم والزحف نحو مواقعهم، وصولاً الى العاصمة صنعاء، مثلما ظل يطبل اعلام مرتزقة السعودية، واعلام الأخيرة، كالعربية والحدث وغيرهما طيلة العشرة الأيام الماضية التي شهدت معارك ضارية بين الحوثيين ومرتزقة التحالف السعودي، وبدعم من طيران هذا التحالف في هذه المحاور من القتال.
ثانياً: ان تلاحق الانتصارات التي يحققها الحوثيين وحلفائهم من الجيش اليمني في جبهات القتال، مقابل تتالي انكسارات وهزائم الفريق الآخر، مؤشر قوي جداً وباجماع الخبراء الأمنيين والعسكريين، على تصاعد قوة الحوثيين العسكرية وقدرتهم على نقل المعركة من الدفاع الى الهجوم، من جانب ومن جانب آخر ان هذه التطورات أكدت وتؤكد بما لا يقبل الشك ان رهان "التحالف" السعودي على حسم الحرب عسكرياً لصالحه، بات من شبه المستحيلات بل على العكس تماماً، كل هذه الهزائم العسكرية المتلاحقة التي مُني بها التحالف وحلفاؤه المرتزقة تؤكد إمكانية الحوثيين في حسم المعركة لصالحهم في ظل هذا التفوق وهذا التطور في الأداء العسكري وفي صناعة الأسلحة المتطورة التي كسرت التوازن والتفوق للطرف الآخر، ورجحت الكفة العسكرية لصالح الحوثيين.
ثالثاً- تفوق عمليات تحرير محافظة الجوف من ناحية الآثار المعنوية والنفسية على المرتزقة وأسيادهم السعوديين والاماراتيين والصهاينة وحتى الامريكان، فهذا الانجاز لم يكن هزيمة عسكرية ساحقة للعدوان ومرتزقته ولكل القوى التي تقف مساندة لهم وحسب تضاف للهزائم التي سبقتها، بل هي هزيمة نفسية ومعنوية ساحقة لانها جاءت لتكريس وتعمق الهزائم النفسية التي الحقتها العمليات السابقة- نصر من الله، والبنيان المرصوص، وعمليات ينبع وغيرها- وتضاعف من فتح جروح وأخاديد الانكسار النفسي في نفوس هؤلاء العملاء المرتزقة والمخدوعين من اليمنيين، ولعل التحاق الكثير من القبائل اليمنية في الجوف وفي مناطق اخرى بالحوثيين وتخليها عن المعسكر المعادي لهم خير دليل على صدمة الانكسار النفسي، التي أحدثت موجة وعي عند هؤلاء المخدوعين، الذين عادوا وآبوا الى رشدهم فاختاروا الطريق الصحيح بترك خندق العدوان والعدوانيين.
ورابعاً: مثلما كانت لعمليات "نصر من الله" في نجران، ولعمليات "البنيان المرصوص" في نهم أبعاد إستراتيجية فأن لهذه العمليات، "تحرير محافظة الجوف" أبعاداً إستراتيجية كبيرة وقد تفوق ما للعمليات السابقة، على أهميتها وخطورتها على نظام ال سعود، ونشير هنا الى بعضها بما يلي:-
أـ ان محافظة الجوف هي المحافظة اليمنية الثالثة التي لها حدود مع المملكة السعودية بعد صعدة وحجة، وبالتالي فأن ذلك سوف يمنح جماعة الحوثي المزيد من المرونة والمناورة الجغرافية والاستراتيجية التي تمكنهم من فتح جبهات جديدة ضد نظام ال سعود والزحف نحو عمقه الجغرافي، ما يعني ذلك ان تحرير محافظة الجوف ضاعف الخطر على نظام ال سعود عشرات المرات، وهذا ما حذر منه الخبير العسكري لجيش هادي بعد سيطرة الحوثيين على الجوف، حيث اعتبر العميد سعيد عبد الكريم الجماعي في تصريحات لموقع "اليمني اليوم" في 4/3/2020 " ان سيطرة الحوثيين على الجوف سيمنح " المليشيا " مساحة شاسعة متاخمة للحدود مع السعودية، وهو ما سيضاعف من مخاطر استهداف المملكة ليس فقط بهجمات جوية ولكن بعمليات برية واسعة لاجتياح مناطق حدودية سعودية"ب ـ ان تحرير الجوف وجه ضربة كبيرة لحزب الاصلاح الذي يشكل مكوناً أساسياً لما يسمى بالجيش الوطني بقيادة للرئيس هادي عبدزربه منصور، ولان الكثير من الاوساط الاماراتية وحتى السعودية تنظر الى حزب الاصلاح، على انه الذراع الثالثة للسعودية في اليمن، فأن هذه الضربة تشكل صفعة لنظام ال سعود نفسه ولخططه القائمة على دعم هذا الجيش المسمى بالوطني وعلى قياداته الاصلاحية.
ج ـ تعد محافظة الجوف اكبر المحافظات الشمالية مساحة اذ تصل مساحتها الى 400/39 كيلومتر مربع، وتعد بالنسبة للحوثيين ذات أهمية خاصة فهي بوابة محافظة صعدة الشرقية، كما انها تشكل منفذاً الى محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن احدى اكبر المحافظات ذات الموارد النفطية، كما انها تحد محافظة مأرب من الجنوب، وبما ان مأرب تشكل البوابة الاستراتيجية للوصول الى صنعاء، فذلك يعني ان تحرير محافظة الجوف سوف يساهم في زيادة تحصين العاصمة في حال سيطر الحوثيين على محافظة مأرب.. هذا من جانب ومن جانب آخر، تعتبر محافظة الجوف خزاناً ضخماً للنفظ في اليمن، كما ان سيطرة الحوثيين عليها تدفع نحو تلاشي آمال جماعة هادي في استعادة صعدة وعمران إضافة الى العاصمة صنعاء، كما تشكل خطراً على محافظة مأرب المتاخمة للجوف من جهة الجنوب، والتي تنطلق منها عمليات قوات هادي ضد الحوثيين. اكثر من ذلك اعتبر السياسي اليمني الجنوبي أحمد الصالح في تغريدة له، انه بعد سقوط الجوف يبد جماعة الحوثي أصحبت حضرموت وشبوة في خطر حقيقي اكثر من أي وقت مضى.
د ـ بدون شك ان هذا الانتصار سيرفع رصيد الحوثيين وحلفائهم، ذلك الذي كان قد تعزز وارتفع أيضاً بعد العمليات السابقة والناجحة، كعمليات لبنيان المرصوص وقبلها عمليات نصر من الله.. نقول ان هذا الانتصار سيرفع رصيد الحوثيين في أية مفاوضات أو حلول سياسية مع الجانب الآخر، اذا جنحت السعودية الى حل الأزمة اليمنية بالمفاوضات والاعتراف بالطرف الآخر كواقع ميداني بات مفروضاً عليها بحكم تاريخه وجذوره اليمنية العريقة وبحكم قوته التي باتت عصية على محاولات الاقصاء والألغاء السعودية والامريكية من المعادلة اليمنية.
هـ ـ تحرير الجوف رسخ القناعة عند الكثير من الخبراء العسكريين، والقائلة ان تتالي هذه الانتصارات التي يحققها الحوثيين ينذر بسقوط المزيد من المحافظات اليمنية تحت سيطرتهم، وستحدث إنهيارات ضخمة في جبهة خصومهم، وصولاً إلى إنهيارات في الجبهات السعودية، وبالتالي سقوط محافظات سعودية باكملها، ما يعني ذلك تداعيات خطيرة على جغرافية مملكة آل سعود وعلى بقاء نظامهم متماسكاً، اذ يمكن أن تؤدي هذه التداعيات الى تفكك الاسرة السعودية الحاكمة، وتفكك نظام الاسرة الحاكم وتلاشيه، كما يقول بعض الخبراء الغربيين والأمريكيين، وما يرجح هذه الرؤية وتلك القناعة الضعف العسكري الذي يعاني منه نظام ال سعود، فضلاً عن تفاقم الخلافات والانقسامات الداخلية بين صفوفه، وزيادة أو تفاقم احتقانات الشارع الجماهيري في البلاد بسبب سياسات بن سلمان الطائشة، وتبنيه للقمع الدموي للشعب في بلاد الحرمين، وهذا ما يؤكده الامريكان أنفسهم حماة النظام ورعاته.. فالرئيس الامريكي دونالد ترامب كرر خلال الثلاث سنوات الماضية جملته المأثورة " قلت لهم- أي لآل سعود-، أنتم دولة غنية جداً، تريدون المزيد من القوات؟ سأرسلها لكم، ولكن عليكم أن تدفعوا لنا". فهذه الجملة تعكس أدراك واشنطن لمدى الضعف العسكري للمملكة رغم أنها تستورد الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة وبمستوى يفوق حتى المانيا وفرنسا، فوفق موقع "جلوبال فايرباور" الأمريكي المتخصص في رصد قوة الجيوش حول العالم، يحتل الجيش السعودي المرتبة الثانية عربياً، والـ 17 عالمياً، ويعد رابع أضخم قوة مدرعات في العالم، بحسب تصنيف الموقع الامريكي المشار اليه. بل حتى السعوديين أنفسهم إعترفوا بذلك في حزيران 2019 الماضي، عندما أخبر مسؤول سعودي صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية بعيد ضرب الحوثيين للمنشآت النفطية السعودية في بقيق وهجرت خريص، حيث قال: إن "الأحداث الأخيرة أظهرت ان البلاد مكشوفة من حيث نظام الدفاع الصاروخي". ولأن مجريات الحرب الميدانية، كما أكدت المعطيات مارة الذكر، باتت ليست في صالح السعودية، بل باتت تشكل تهديداً لنظام ال سعود وعرشه، حيث ان ضعفها العسكري يضاعف من هذه التهديدات، لأن الأمور كذلك يرى اكثر الخبراء ان على نظام ال سعود تدارك الأمور والخروج من المستنقع اليمني قبل حصول الانهيارات الكارثية، ويعتقد هؤلاء الخبراء، ان ثمة فرصة في تحرك وزير الخارجية البريطاني حالياً، والذي أعقب التطورات العسكرية في محافظة الجوف، يمكن لآل سعود اغتنامها في اتجاه التخلص من هذه الورطة.. أما اذا فوت آل سعود هذه الفرصة، واقتصر دفعهم للوزير البريطاني لامتصاص انتصارات الحوثيين، وتوفير الوقت للاعداد العسكري لهجوم قادم، كما يحصل في كل مرة، يحقق فيها الحوثيين انتصاراً عسكرياً كاسحاً، فذلك يعني ان نظام ال سعود يسير نحو حتفه لا محالة.
ارسال التعليق