هل وصلت واشنطن إلى قناعة وقف الحرب في اليمن
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 5/9/2019، أنها تخوض محادثات مع جماعة الحوثي حول إيجاد هل للأزمة اليمنية...وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، في تصريح أدلى به خلال زيارته الأخيرة للسعودية: "تركيزنا منصب على إنهاء الحرب في اليمن.. وبدأنا إجراء محادثات بقدر الإمكان مع الحوثيين في محاولة لإيجاد هل تفاوضي مقبول بالنسبة للجميع بشأن النزاع".. وأضاف شينكر قائلاً: "نحن نعمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونقيم اتصالات مع شركائنا السعوديين". وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول في الإدارة الأمريكية عن إجراء اتصالات مع الحوثيين. كما جاء هذا التطور بعد أن ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية يوم 27آب2019 الماضي، أن إدارة ترامب تعمل على مبادرة خاصة بإطلاق مفاوضات سرية مباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي لوقف الحرب في اليمن..
على أن محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، نفى إجراء أي مفاوضات بين صنعاء وواشنطن، معلناً أن صنعاء لن تقبل بأن تلعب أمريكا دور الوسيط .في حين أعلن عضو الوفد الرسمي المفاوض عن صنعاء عبد الملك العجري أن "على فرض حصول أي حوار مع الولايات المتحدة، فسيكون باعتبارها جزء من الحرب وتملك الكثير من مفاتيح إيقافها". وقد فسر المراقبون هذا التصريح من عضو وفد صنعاء الرسمي، على أنه ثمة مرونة يبديها الحوثيين تجاه التفاوض مع أمريكا أو احتمالات ذلك، أي أنه ترك الباب مفتوحاً لهذه الاحتمالات، إذا لمست الجماعة أن هناك جدية لدى الطرف الآخر.
على أن ما أعلنته الخارجية الأمريكية يتناقض تماماً مع تؤكد عليه وزارة الدفاع الأمريكية وحتى إدارة البيت الأبيض نفسها، وهو استمرار الحرب، لأن ذلك يدر عليها أموالاً طائلة من عقود الأسلحة المتواصلة مع السعودية ومع الأمارات، لتغطية احتياجات العدوان من أسلحة وصواريخ وصيانة وحتى دعم لوجستي، وما إلى ذلك، فمثل هذه الصفقات التسليحية حلت الكثير من مشاكل الإدارة الأمريكية الاقتصادية وشغّلت المصانع العسكرية التي كانت معطلة، وأمام هذه المنافع إذن لماذا تفكر الولايات المتحدة بإيقاف الحرب، أي العدوان على اليمن!؟ وهل هذا التفكير مجرد تكتيك ومناورة!؟ أم انه محاولة جادة !؟
جماعة الحوثي، وكما أعلن عضو وفدها الرسمي المفاوض، عبد الملك العجري، إنهم ينظرون إلى الولايات المتحدة بنوع من الريبة، فالعجري قال "نشك في حديثها ودوافعها سواء انتخابية أو للتخلص من ضغوط الرأي العام أو لإبراء الساحة الأمريكية" وقال العجري أيضاً..أن "موقفنا منذ البداية هو أن الولايات المتحدة شريك اساسي في العدوان وتتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عن كل تداعيات العدوان والجرائم التي يرتكبها الطيران (طيران العدوان)".. مشيراً إلى أن واشنطن ترى أن وجود يمن قوي مناهض للهيمنة الامبريالية، سيقف عقبة أمام كل مشاريعها في المنطقة من " أوسلو إلى الشرق الأوسط الكبير والجديد إلى صفقة القرن التي يبشر بها جاريد كوشنر، إضافة إلى ضمان أمن "إسرائيل".
ويشير تصريح عبد الملك العجري إلى أن الحوثيين يتوجسون خيفة من احتمال أن يكون الإعلان الأمريكي محاولة للتهرب من مسؤولية ارتكاب الجرائم والمذابح في اليمن على أيدي التحالف السعودي، سيما وان التقرير الثاني قد صدر من الأمم المتحدة والذي أكد على أن النظامين السعودي والإماراتي ارتكباً فضائع وجرائم ومذابح في اليمن ترتقي إلى جرائم حرب، وبتأييد ودعم أمريكي وبريطاني.. واللافت أن بعض المراقبين في اليمن ذهب إلى هذا التصور، نظراً لتدني الثقة والمصداقية بما يقوله الأمريكان، فهم لا يلتزمون حتى بالاتفاقات التي يوقعون عليها، كما هو حال خروجهم من الاتفاق النووي الإيراني، وخروجهم من معاهدة المناخ، ومن اتفاقات ومعاهدات دولية أخرى..
على انه، ورغم أن احتمالات المناورة والتكتيك والتهرب من مسؤولية ارتكاب الجرائم في اليمن، واردة جداً في الموقف الأمريكي الجديد، إلا إنني أرى أن مثل هذا التفكير أو تلك القناعة تنطوي على نوع من الجدية، لأن ثمة مؤشرات عديدة تجعل المراقب والمحلل السياسي يميل إلى هذا الرأي، نذكر منها ما يلي:-1ـ تؤكد التجربة، أن الولايات المتحدة عندما تجد أن سياستها مسدودة الأفق وتصدم بالحائط تغيّر من هذه السياسة، بل حتى الثوابت السابقة، هذا ما لاحظناه في فيتنام ولبنان وفي الصومال و..وحالياً في أفغانستان، حيث تجلس مع أعدائها وتتفاوض معهم على حفظ الحد الأدنى من مصالحها، ولذلك لا نستبعد أبدأ، أن تكرر هذا الأمر مع الحوثيين، فهم ليسوا استثناء عن للفيتناميين وعن الصوماليين والعراقيين والأفغان الذين لقنوا الاحتلال والعدوان الدروس وكبدوه الخسائر الفادحة.
2ـ صحيح أن مصلحة الولايات المتحدة تقتضي استمرار العدوان للأسباب التي أشرنا إليها قبل قليل، ومنها تشغيل المصانع العسكرية الأمريكية وتصريف الأسلحة الأمريكية القديمة والمنتهية الصلاحية، ولكن العدوان بات يشكل استنزافاً للاميركان، استنزافاً أخلاقيا ونفسياً أيضاً، نظراً للشراكة الأمريكية في هذا العدوان، في ظل ارتكاب النظامين السعودي والإماراتي الفظائع والجرائم بحق الشعب اليمني، حصاراً وقصفاً وتنكيلاً، واضطهاداً في المناطق المحتلة، محافظات الجنوب.. وما إلى ذلك كثير وبشهادات المنظمات الإنسانية، ومنها منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة هيومن ووتش راتيس الأمريكية..ومنظمات أخرى كثيرة..
الأكثر من ذلك، انه في ضوء توثيق جرائم العدوان من قبل المنظمات الدولية، فأن ثمة احتمالات ان تترتب على ذلك تداعيات قانونية قد تجر الولايات إلى المحاكم الدولية، ذلك فضلاً عن تردي سمعة أمريكا في الأوساط الدولية والإقليمية بسبب مشاركتها وتغطيتها على جرائم العدوان. وهو السبب الذي يدفع الكثير من الأوساط والمؤسسات الأمريكية إلى ممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية من أجل الانسحاب من تلك الحرب الظالمة ومن أجل وقف أمداد السعودية والإمارات بالأسلحة والمعدات الحربية، وذلك ما بات يشكل إحراجا متزايداً للإدارة الأمريكية. ففي هذا السياق ذكرت صحيفة الواشنطن بوست أن مجموعة من النواب الجمهوريين والديمقراطيين يعملون على حملة جديدة لإنهاء حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن، وسط انتقادات شديدة للحرب هناك، وفي أعقاب هجوم على سجن يديره الحوثيون في ذمار وقتل فيه أكثر من 120من الأسرى الذين أسروهم من قوات التحالف وجماعة عبدربه منصور هادي.
3ـ تغيّر المشهد الميداني للعدوان، فبدلاً من أن يصبح الميدان بعد أربع سنوات ونصف من الحرب والحصار لصالح قوى تحالف السعودية والإمارات، أو يشهد تراجعاً لقوة جماعة الحوثي بعد هذه السنوات من حرب الاستنزاف بكل أنواع الأسلحة المتطورة، والتي فرضت عليهم.. بدلاً من ذلك، ومن أن يتغيّر المشهد الميداني لصالح العدوان، أو على الأقل، يحافظ أو يبقي على حالة المراوحة، أي استنزاف الطرفين، _التحالف السعودي وجماعة الحوثي_ التي تخدم أمريكا.. بدلاً من ذلك شهد الوضع تغيّراً هائلاً ولكن لصالح الحوثيين، إذ نجحوا في إدخال سلاح الجو المسير، وسلاح الصواريخ البالستية، ما أدى إلى رجحان الكفة العسكرية لصالحهم، وباتا هذين السلاحين ماضيين في توجيه الضربات الساحقة للمعتدين في جبهات القتال وفي العمق السعودي لدرجة أن هذه الضربات شكلت إحراجا للنظام السعودي ولأسلحته الأمريكية المتطورة، التي اشتراها بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة.
وعلى اثر هذه التطورات، لاحظنا في الآونة الأخيرة كثرة التحليلات لمراقبين وخبراء عسكريين أمريكيين وبريطانيين، كلها تتمحور حول فشل تحالف العدوان في تحقيق أهدافه، وحول أن تحالف العدوان بات من المستحيل إلحاق الهزيمة بجماعة الحوثي، فيما بات بعض المحللين يطرحون نظرية احتمالات هزيمة هذا العدوان، فضلاً عن تلميحاتهم- الخبراء- إلى ارتدادات العدوان على السعودية بسبب الانعكاسات التي يمكن أن تتركها هذه الارتدادات على الداخل السعودي نتيجة الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي يمنى بها العدوان، الجيش السعودي خاصة..إذ أن هذه الخسائر أصبحت تترك تبرماً وغضباً لدى أبناء الشعب الجزيري في مملكة آل سعود. فأسبوعياً تعج الصحف الأمريكية والبريطانية بهذه التحليلات حول إخفاق العدوان في هذه الحرب واحتمال تعرض قوي تحالف هذا العدوان إلى الفشل والهزيمة، بل إن بعض الخبراء والعسكريين الغربيين والأمريكيين نصحوا بن سلمان بالخروج من هذه الحرب قبل أن يصبح غرقة في المستنقع اليمني غير قابل للإنقاذ...
4ـ تطور آخر مهم وخطير بالنسبة للولايات المتحدة، شهده ميدان الحرب وهو الخلاف السعودي الإماراتي في الجنوب اليمني، وتفجر الحرب بالوكالة بينهما، أي بين قوات جماعة عبدربه منصور هادي المدعوم من السعودية وقوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وقد بلغت هذه الحرب ذروتها في محافظة شبوة، فيما لازال التوتر بين الطرفين يسود الوضع في عدن وأبين وباقي المحافظات الجنوبية وفي آخر التقارير وليس أخيرها تشير الأوضاع هناك إلى المزيد من التوتر والتصادم العسكري سيما بعد فشل محادثات جدة بين الانتقالي وجماعة عبدربه برعاية سعودية..هذا في الوقت الذي حذر فيه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى من الانتقال الصراع إلى حضرموت ودعا الولايات المتحدة إلى منع عبدربه وقواته من التصعيد هناك، بل أكثر من ذلك دعا الإدارة الأمريكية والسعودية والأمم المتحدة إلى التفكير بمرحلة ما بعد عبدربه، لأن الأخير ليس منتخباً، إنما انتدبته الأمم المتحدة لتنفيذ مرحلة انتقالية، ما يؤشر ذلك إلى ضرورة التخلص من عبدربه لأنه بات يشكل خطراً على السعودية وعلى مصالح الولايات المتحدة، بسبب تمرده على الأوامر السعودية.وتشير التقارير والبيانات الصادرة من السعودية ومرتزقتها ومن الإمارات ومرتزقتها إلى أن الأمور مرجحة إلى التصعيد والى المزيد من المواجهات العسكرية بين الطرفين، الأمر الذي زاد من قلق الولايات المتحدة، ما دفع الأخير ذلك إلى ممارسة المزيد من الضغوط على كل من الرياض وأبو ظبي لحل خلافاتهما حول تطورات الأوضاع في اليمن..
ففي هذا السياق يقول تقرير لموقع البوابة الإخبارية اليمنية في 7ايلول2019 أن الولايات المتحدة لجأت للتلويح بورقة الحماية في محاولة لضبط إيقاع العلاقة المتفجرة بين السعودية والإمارات في اليمن والتي تخشى واشنطن من إفشالها مساعيها في المنطقة. وأشار التقرير الآنف إلى حديث رئيس الأركان الأمريكي جوزيف دانفورد الذي اعترف فيه بعدم قدرة بلاده على حماية حلفاء أمريكا لعدم وجود القوات الكافية، وباشادته بالقوة العسكرية الإيرانية، وتطرق فيه إلى دعوة وزير الدفاع الأمريكي كل من الرياض وأبو ظبي إلى سرعة حل خلافاتهما خوفاً من أن استمرار هذه الخلافات، من شأنه أن يؤدي إلى سقوط المحافظات الجنوبية بأيدي القاعدة والمتطرفين بحسب ما قال وزير الدفاع، كما أشار التقرير إلى انتقادات مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر في حديثه الأخير من السعودية، إلى الإمارات على سياساتها الأخيرة في اليمن التي قال إنها باتت تشكل خطراً على "التحالف" وعلى الولايات المتحدة في اليمن.. وفي هذا السياق يقول تشارلز دون، يفي مقاله للمركز العربي دي سي، " وأدت الفوضى الحالية – في إشارة إلى المواجهات بين الانتقالي وقوات عبدربه – إلى زيادة تشويش استراتيجية واشنطن في الخليج وتعقييد سياساتها تجاه إيران. وبالإضافة إلى فرض تغييرات على نهج إدارة ترامب تجاه اليمن، فقد يؤثر تفكك التحالف السعودي- الإماراتي أيضاً على مكانة كل من السعودية والإمارات في العاصمة الأمريكية ".
وقد تحدث هذا الكاتب في مقاله المطول عن اختلاف الأجندات مركزاً على احتمالات المواجهة العسكرية بينهما في المحافظات اليمنية الجنوبية، مؤكداً أن ذلك أن حصل فسيسبب لاميركا نكسة كبيرة على صعيدين، الأول على صعيد المواجهة مع إيران، لأن مثل هذه الاختلافات إن تفاقمت بين السعودية والأمارات ، أو انتهت إلى المواجهة العسكرية من شأنها أن تضعف الجبهة المعادية لإيران التي يحاول ترامب حشدها ضدها، بل قد يفسح ذلك المجال لنشوب حرب في الخليج لا تكون لصالح أمريكا وحلفائها، وأما الصعيد الثاني، فأن ذلك سيسبب فشلاً لأمريكا على صعيد خططها في الشرق الأوسط كله، سيما على صعيد محاولة تشكيل ناتو عربي-عبري، أو ناتو عربي دولي في الخليج، كل ذلك يقول هذا الكاتب جعل البادرة الأمريكية أو دفعها إلى تعديل سياستها الحالية في اليمن، والى فتحها قناة اتصال مع الحوثيين للتوصل إلى حل وسط يضع حداً لاحتمالات تدهور الأوضاع العسكرية في اليمن وفي المنطقة ولغير صالح الولايات المتحدة وحلفائها ومشاريعها في هذه المنطقة.
ارسال التعليق