أل غراش يكتب :تداعيات اعتقال الناشطات في السعودية
[ادارة الموقع]
علي آل غراش
عندما كانت وسائل الإعلام العالمية مهتمة برصد أصداء قرار سلطات الرياض برفع حظر منع المرأة بممارسة حقها الطبيعي بقيادة السيارة – لتسجل اسمها كآخر دولة في العالم تعترف بحق المرأة في القيادة، – قامت الرياض باستغلال الحدث – التاريخي كما يصفه الإعلام المحلي – بممارسة أبشع الأساليب الوحشية لترهيب المجتمع عبر استهداف النشطاء والحقوقيين، عبر حملات اعتقالات تعسفية واسعة، والتي شهدت تصاعدا منذ اعتلاء محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، وتأسيسه جهاز أمن الدولة الذي يخضع إليه مباشرة، ولكن الأكثر إثارة هو استهداف النساء – بالاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب الوحشي والاخفاء القسري- الذي كان يعتبر خطا أحمر سابقا ينبغي عدم الاقتراب منه لأنه إنتهاك للعادات وتقاليد المجتمع المحافظ جدا.
ما الهدف من استهداف المرأة، وهل العهد السعودي الجديد باشراف محمد بن سلمان يتجاوز عادات وتقاليد مجتمع المملكة المحافظ، عبر إعتقال النشطاء والناشطات السلميين وانتهاك أعراض النساء؟.
معاقبة الناشطات
المثير في سياسة الرياض أنه في فترة التغطية الإعلامية العالمية ومع اقتراب موعد سريان رفع حظر منع النساء من قيادة السيارة، إنطلقت حملة إعتقال شرسة باستهداف النساء اللاتي لهن دور ونشاط حقوقي والمطالبة بالسماح للمرأة بالقيادة، وكأنه عقاب من السلطة لكل ناشطة وناشط أو حقوقية وحقوقي وبالخصوص في مجال قيادة السيارة، وحرصها على تغييب تلك الشخصيات عن وسائل الإعلام التي تغطي الحدث، لتبقى فقط صورة الحاكم بأن له الفضل بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ويبقى صوت السلطة وإعلامها الذي يطبل ويمجد السلطة على القرار، في ظل تغييب الشخصيات التي قدمت التضحيات الكبيرة وتحملت تشويه السمعة والسجن وغيرها من نشطاء وناشطات في هذا المجال قيادة المرأة للسيارة. فقد أقدمت الأجهزة الأمنية في الرياض باعتقال شخصيات نشيطة مثل: هتون الفاسي وعزيزة اليوسف ولجين الهذلول وإيمان النفجان ونوف عبدالعزيز وعائشة المانع التي تم إطلاق سراحها مؤخرا، وقبل ذلك تم اعتقال نساء منهن: إسراء الغمغام ونعيمة المطرود وغيرهن، ومؤخرا تم اعتقال المزيد من النساء على خلفية نشاطهن الحقوقي السلمي.
قبل أيام شهدت السعودية تصعيدا باعتقال عدد من الناشطات والحقوقيات كالناشطة والمدربة الحقوقية نسيمة السادة، وأمل الحربي زوجة الناشط المعتقل فوزان الحربي، واعتقال الناشطة مياء الزهراني التي كتبت مقالا للدفاع عن المعتقلة الناشطة نوف عبدالعزيز، وكذلك الناشطة سمر بدوي زوجة المعتقل الحقوقي المحامي وليد أبو الخير وشقيقة المعتقل الناشط رائف بدوي. سمر البدوي تم استدعاؤها وتهديدها من قبل الأجهزة الأمنية، وقد تم منعها من الكتابة والنشر، فهي كانت مهتمة بابنتها "جود" التي ولدت ووالدها أبو الخير في سجن معتقلات السلطة. «من للطفلة جود» بعد اعتقال الأب والأم؟.
استهداف المرأة وقتل المجتمع
إن سلطات الرياض عبر اعتقالها لناشطات يؤمن بالوطن وسيادة القانون وضد العنف والفساد والإستبداد عبر فرق أمنية مدججة بالسلاح وبطريقة مروعة في منتصف الليل توجه رسالة تهديد وترهيب لجميع فئات المجتمع، أنها مستعدة للقيام بأي عمل تعسفي لإخضاع الجميع لما تريده هي فقط فهي تريد عبيدا، ولا صوت يرتفع لأي جهة مهما كانت. ولتحقق السلطة هدفها بإخضاع المجتمع كعبيد بلا حقوق ولا عزة ولا كرامة، عملت على استهداف المرأة وتحجيمها وجعلها مجرد دمية تطبل وترقص على أنغام السلطة وتمجيد الحاكم ولإنجاب المزيد من العبيد. فالحكومة تشعر بالخطر من المرأة الواعية ذات النشاط الوطني والحقوقي والإنساني والدفاع عن المظلومين، لأن المرأة الحرة الواعية قادرة على تنشئة مجتمع واع يتحلى بالصبر والصمود، فهي أم المجتمع والمدرسة التي تخرج الأحرار الذين يرفضون الظلم والإستبداد والفساد. ولكن الحقيقة أن الحكومة ومن خلال هذه الانتهاكات واستهداف المرأة بالاعتقال ستساهم في صناعة جيل كبير من النشطاء الأحرار الذين تغذوا على روح التحدي والمواجهة من معاناة أمهاتهن المعتقلات.
إعتقال الناشطات والحقوقيات بالطريقة التي تمت – الإختطاف والاخفاء القسري لغاية اليوم- تزيد من قلق أهالي المعتقلات وكذلك المجتمع والجمعيات الحقوقية الدولية، لعدم معرفة مكان احتجازهن، فقد تم اختطافهن من منازلهن وبطريقة وحشية ومرعبة، كالإرهابيين والمجرمين، رغم أنهن ضد العنف والإعتداء.
زيادة الاعتقال التعسفي للنساء الحقوقيات المسالمات فضيحة للنظام الوحشي الذي أحرج كل من يدافع عنه وقد أخذت بعض الدول مواقف تستنكر حملات الاعتقال للنساء مما أدى إلى غضب السلطات السعودية على بعض الجمعيات الحقوقية الدولية وعلى بعض الدول كما حدث مع كندا والتسبب في أزمة سياسية.
الاعتقالات التعسفية والرؤية المستقبلية
إن هذه الاعتقالات والإنتهاكات التعسفية للنساء الناشطات المسالمات الحريصات على العدالة والحرية وسيادة القانون دليل يؤكد على أن السلطة لا تحترم المجتمع وعاداته وتقاليده، وإنما تبحث عن مصالحها واستمرار حكمها بأي طريقة ولو بانتهاك الأعراض ومخالفة الشرع والعادات والتقاليد.
إن السلطات التي لا تعترف بالمشاركة الشعبية والديمقراطية والمحاسبة لأفراد العائلة الحاكمة والمسؤولين تحاول أن تستغل كل الإمكانات الوطنية ومنها الثروة لصالحها وتقوية مكانتها لاستعباد العباد، وكذلك استغلال المشاريع الوطنية التي كان ينبغي أن تعود بالنفع على المواطن، وللأسف لقد أصبحت حملات الاعتقالات التعسفية للرجال وبالخصوص للنساء هدفا مهما ضمن أهداف رؤية 2030 المستقبلية للسلطة باسم الوطن!.
وحتما لو وجدت الجهات الرسمية المستبدة المفسدة رفضا اجتماعيا للاعتقالات التعسفية السابقة للنساء لم تتجرأ السلطة بمواصلة ممارستها إلى اليوم، فالعتب يقع على كل من يسكت على ذلك وبالخصوص الوجهاء؛ فسكوتهم جعل السلطة ترتكب المزيد من الإنتهاكات للأعراض باعتقال النساء، ولا أحد يعلم أين تتجه الأمور ومتى تتوقف أجهزة محمد بن سلمان عن الاعتقالات التعسفية وبالخصوص للنساء.
من المؤسف جدا موقف الأكثرية وبالذات الأقرباء والقريبين من المعتقلات بعدم تحمل المسؤولية بقول كلمة حق والدفاع عنهن لأنهن ضحايا أبرياء. والأكثر ألما قيام البعض بتسريب تحذيرات لكل من يدافع عنهن بحجج ومبررات تخدم السلطات المستبدة المعتدية.
لماذا كل الخذلان والتهرب من الدفاع عن النساء، هل هذه من صفات المجتمع الواعي والمحافظ؟ متى سيتحرك المجتمع للمطالبة بإيقاف تلك التجاوزات، هل ينتظر حتى تعتقل السلطة امرأة من كل بيت ليتحرك؟.
إن الاعتقالات الواسعة لمن يدافع عن النشطاء والناشطات في معتقلات السلطة ولو بكلمة، يأتي ضمن مسلسل الترهيب والتخويف والاعتقال التعسفي لمنع أفراد المجتمع من التضامن مع المعتقلين والمعتقلات.
من المهم جدا في ظل تصاعد حملات الاعتقال وبالخصوص للنساء بسبب التعبير عن الرأي .. وجود لجنة أهلية للدفاع والعناية والاهتمام بمعتقلي الرأي وعوائلهم من باب إجتماعي ووطني وإنساني وديني. وهذا دليل على روح التكافل الإجتماعي، وشكرا لكل من قال كلمة حق وتضامن مع مظلوم لم يعتد على أحد.
إن سكوت المجتمع الدولي حول اعتقال وتعذيب النساء هو أعظم عار. تحية لكل الافراد والجمعيات والدول التي تتضامن مع المعتقلات والمعتقلين، والحرية لمعتقلي الرأي في المملكة وكل مكان.
علي آل غراش
ارسال التعليق