الإفراج عن بعض المعتقلين خطوة مرحب بها لكنها غير كافية
تشيد منظمة “معاً من أجل العدالة” بقرارات الإفراج الأخيرة عن عدد من معتقلي الرأي في السجون السعودية، من بينهم الشيخ محمد عبد العزيز الخضيري، الشيخ محمد الهبدان، والدكتور مالك الأحمد، الذين قضوا سنوات طويلة في الاحتجاز التعسفي بسبب اتهامات لا أساس لها من الصحة. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها تظل قاصرة أمام حجم المعاناة والانتهاكات المستمرة التي يعاني منها عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً في المملكة.
إن هذه الإفراجات، التي جاءت بعد تسارع عمل اللجنة المكلفة بإعادة النظر في المحكوميات، والتي شُكّلت قبل أقل من عامين، ورغم بطء قراراتها وتأخرها، لا يمكن اعتبارها سوى محاولة لامتصاص الضغوط المحلية والدولية التي تطالب بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. وبينما نثمن كل جهد يؤدي إلى إطلاق سراح المعتقلين، فإننا نؤكد أن هذه الإفراجات ليست كافية ولا تمثل نهاية المعركة الحقوقية.
لا يزال مئات المعتقلين يقبعون خلف القضبان بسبب آرائهم السلمية أو ممارستهم لحقوقهم الأساسية، مثل الدكتور سلمان العودة وسعود الهاشم. كما أن هناك حالات مأساوية مثل الدكتور محمد القحطاني، الذي يعاني من الاختفاء القسري، وعائلات مثل عائلة الشيخ سلمان الدويش وعائلة الشيخ سفر الحوالي، والنساء الشجاعات مثل سلمى الشهاب ونورا القحطاني، اللواتي صدرت بحقهن أحكام قاسية بسبب ممارستهن لحرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هؤلاء المعتقلون لا يزالون يواجهون انتهاكات جسيمة، بدءاً من المحاكمات غير العادلة التي تفتقر إلى أبسط معايير النزاهة، مروراً باستخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة ضدهم، وانتهاءً بإصدار أحكام مسيسة لا تعكس العدالة، بل تعكس إرادة السلطة الحاكمة في إسكات أي صوت معارض.
إن الإفراج عن هؤلاء المعتقلين خطوة إيجابية، ولكنها لا يجب أن تكون بمثابة مسكنات أو محاولات لتهدئة الرأي العام المحلي والدولي. يجب أن يكون الهدف الأكبر هو إغلاق ملف الاعتقال السياسي تماماً، والإفراج عن جميع المعتقلين بلا استثناء، وضمان عدم تعرض أي شخص في المستقبل للاعتقال بسبب التعبير عن آرائه أو نشاطه السلمي.
كما تؤكد منظمة “معاً من أجل العدالة” على حق المعتقلين الذين أُفرج عنهم في الحصول على تعويض عادل عن سنوات الاعتقال التعسفي والمعاناة التي تعرضوا لها، بما في ذلك الأضرار النفسية والجسدية والاجتماعية التي لحقت بهم وبعائلاتهم. إن هؤلاء الأفراد تعرضوا لأحكام جائرة ومحاكمات صورية، وكان احتجازهم باطلاً من الأساس. وبالتالي، فإن من واجب الدولة ليس فقط الإفراج عنهم، بل تقديم الاعتذار العلني لهم وتعويضهم بشكل عادل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المعتقلين المفرج عنهم يواجهون قيوداً تعسفية بعد الإفراج عنهم، مثل المنع من السفر أو المراقبة الأمنية المستمرة، مما يحوّل حياتهم إلى سجن آخر خارج القضبان. إن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وتتناقض مع أي حديث عن إصلاحات حقيقية.
لا تقتصر الانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية على حدود السجون أو الداخل السعودي، بل تمتد لتطال المعارضين والمعتقلين السابقين الذين اضطروا للجوء إلى الخارج بحثاً عن الأمان. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في حملات التهديد والملاحقة التي تنفذها شبكات تابعة للنظام، تُعرف بـ”الجيوش الإلكترونية” أو العملاء المأجورين، بهدف تشويه سمعة هؤلاء المعارضين، وترهيبهم، وإسكات أصواتهم. وتشمل هذه التهديدات أشكالاً متعددة، من المراقبة الرقمية والقرصنة الإلكترونية، إلى التهديدات المباشرة بالاعتداء أو التصفية الجسدية كما حدث مع الراحل جمال خاشقجي، إضافة إلى الضغط على عائلاتهم داخل المملكة بهدف ابتزازهم وإجبارهم على التزام الصمت.
إن هذه الممارسات لا تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان فحسب، بل تكشف عن نهج شمولي يسعى إلى إخضاع كل صوت معارض، حتى خارج حدود الدولة. ومن الضروري أن تتكاتف الجهود الدولية لوضع حد لهذه السياسات القمعية العابرة للحدود، وضمان حماية المعارضين في الخارج من أي تهديد أو انتقام.
تدعو منظمة “معاً من أجل العدالة” السلطات السعودية إلى اتخاذ خطوات جادة وحقيقية نحو العدالة والحرية الشاملة، بدءاً من الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف ممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وضمان محاكمات عادلة، وإلغاء كافة الأحكام المسيسة. إن تحقيق هذه المطالب يمثل خطوة أساسية نحو بناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان، ويضمن الكرامة والحرية لجميع أفراده.
ارسال التعليق