نشاط مثير لصندوق ابن سلمان السيادي.. من يحرك الصفقات؟
التغيير
شهدت الأشهر الستة الماضية "فورة شراء" للصندوق السيادي السعودي الذي يرأسه محمد بن سلمان، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة.
ورصدت "التغيير" نشاطا خارجيا متزايدا لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن طريق الاستحواذ على حصص في شركات أوروبية وأمريكية بمختلف المجالات، لكن المثير للريبة أن "فورة الشراء" تتزامن مع انكماش اقتصادي حاد يتعرض له الاقتصاد السعودي نتيجة للصدمة المزدوجة لتداعيات تفشي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط.
وتوقع استطلاع رأي لـ"رويترز"، الثلاثاء، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 5.2 بالمئة في 2020. كما توقعت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية، الاثنين، أن ترتفع ديون مملكة آل سعود إلى مستوى قياسي مع دول خليجية أخرى.
وكشف وزير المالية والاقتصاد السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في لقاء تليفزيوني في مارس/ آذار الماضي، عن اتجاه حكومة المملكة لزيادة معدل الاقتراض هذا العام بسبب الأزمة المالية الناجمة عن "كورونا والنفط"، متوقعا أن يصل معدل الاقتراض الإضافي هذا العام إلى 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) فقط.
وشهدت معدلات الدين السعودي الخارجي قفزات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وارتفعت إلى نحو ٣٧٥ بالمئة بنهاية العام ٢٠١٩، مع توقعات بارتفاعها إلى أكثر من ٥٤ بالمئة بنهاية ٢٠٢٠، وفقا لمسح أجراه "التغيير" الشهر الماضي حول مديونية مملكة آل سعود منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد.
وفي ٢١ حزيران/يونيو ٢٠١٧، عين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، نجله الأمير محمد وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، إلى جانب الاحتفاظ بمنصبه السابق وزيرا للدفاع، بعد الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من سدة الحكم، واعتقاله في وقت لاحق.
وقالت الباحثة بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن، كارين يونغ، في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن استمرار المستوى الحالي من أسعار النفط والمستويات الحالية من الإنفاق الحكومي، سوف يجعل جيوب المملكة خاوية من المال خلال ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، ما سيضطرها إلى تحمل مزيد من الدين.
"تناقض"
وتبرر سلطات آل سعود الصفقات المثيرة بالخارج للصندوق السيادي الذي يترأسه ابن سلمان في ظل تفاقم معدلات مديونية مملكة آل سعود وخطط التقشف وزيادة الضرائب لثلاثة أضعاف قيمتها، بأنه اغتنام للفرص، لكن اقتصاديين يرون ذلك مغامرة محفوفة بالفشل، وتحركها أهداف سياسية أكثر منها اقتصادية، ومنهم الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موغلنيسكي، في مقال نشره على موقع المعهد تحت عنوان "صندوق الاستثمارات العامة السعودي يواصل الإسراف في الإنفاق".
وفي 5 شباط/فبراير 2020، نشرت صحيفة "هاندسبلات" مقالا للكاتب الاقتصادي ألكسندر ديمينغ، قال فيه إن الصندوق السيادي السعودي يستثمر مليارات الدولارات في شركات ذات توجه مستقبلي، غير أنه يرتكب في ذلك كل الأخطاء التي يمكن ارتكابها، مؤكدا أن السياسة هي ما تحرك مسار الصندوق السيادي للمملكة خارجيا.
ويرى آخرون أن هذه الاستثمارات تستهدف تلميع صورة ابن سلمان في الغرب وتبييض "سجله الأسود" في قضايا حقوق الإنسان.
ووفقا لأحدث إحصاءات معهد صناديق الثروة السيادية في العالم، فقد بلغ إجمالي قيمة الأصول التي يديرها الصندوق السيادي السعودي نحو 360 مليار دولار، ليصبح تاسع أكبر صندوق سيادي في العالم، والثالث عربيا. ويستهدف ابن سلمان رفع أصول الصندوق السيادي إلى 400 مليار دولار بنهاية العام 2020، وإلى تريليوني دولار في 2030، بحسب "رؤية المملكة 2030".
"فرصة ضائعة"
وحولت المملكة ما يقرب من 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية بمملكة آل سعود لتمويل استثمارات الصندوق في آذار/مارس ونيسان/إبريل الماضيين، ورفع قيمة الأصول التي يديرها الصندوق لتحقيق مستهدف ابن سلمان، وهو ما تسبب في هبوط الاحتياطيات الأجنبية بالبنك المركزي السعودي.
جاء ذلك بعدما فقد الصندوق السعودي فرصة الحصول على 100 مليار دولار من بيع 5 بالمئة من أسهم شركة النفط "أرامكو" العام الماضي بالأسواق العالمية، والاقتصار فقط على بيع 1.5 بالمئة بالسوق المحلي بما قيمته 25 مليار دولار، نظرا لتعثر البيع بالأسواق العالمية، وهو ما دفع الصندوق إلى الاقتراض من الخارج وبيع حصته في شركة عمد إلى سد جزء من الفجوة عن طريق أدوات الدين وبيع حصته بالكامل في شركة "سابك" للبتروكيمياويات والتي كانت تقدربـ 70 بالمئة من أسهم الشركة، بقيمة 69.1 مليار دولار.
وفي آيار/مايو الماضي، ذكرت 3 مصادر مطلعة لـ"رويترز" أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، يدرس طرحا عاما أوليا لشركة "علم" لأمن المعلومات، المملوكة من قبل الصندوق بالكامل.
وقال اثنان من المصادر رفضا ذكر اسميهما إن الصندوق، أرسل للبنوك طلبا للتوصل إلى مقترحات بشأن كيفية المضي قدما في بيع أسهم الشركة للجمهور، دون توضيح حجم هذه الصفقة.
وبين أحد المصادر إن صندوق الاستثمارات العامة يعتزم بيع ما يصل إلى 30 بالمئة من الشركة في طرح عام أولي "متوسط الحجم".
ووفي المقابل، توصلت "التغيير" إلى بيانات تكشف تضاعف قيمة الأسهم التي يملكها الصندوق السعودي في أسهم الشركات المدرجة بالبورصة الأمريكية نحو 4 مرات خلال الأشهر الستة الماضية، وهو ما يتطابق مع ما بيانات نشرتها لجنة الأوراق المالية الأمريكية، إن قيمة الأسهم التي يملكها الصندوق زادت 8 مليارات دولار بعد تفشي وباء كورونا، لتصل إلى 10 مليارات دولار.
وردا على التساؤلات المثارة حول "فورة الشراء" الخارجية للصندوق بالتزامن مع إجراءات تقشف داخلية حادة، اعتبر مدير الصندوق ياسر الرميان، أن ذلك يمثل اقتناصا لفرص استثمارية بسبب الركود الناجم عن أزمة كورونا. لكن البعض يرى أن هذه الصفقات وخاصة في مجال النفط تتناقض مع خطط تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، كما يراها آخرون "تبديدا للأموال في استثمارات خاسرة".
"علاقات غامضة"
لكن ثمة تساؤلات أخرى تثار حول علاقات غامضة بين مسؤولين سعوديين بارزين وسيدتان تلعبان دورا محوريا في صفقات الصندوق السعودي الخارجية، الأولى تدعى كارلا ديبيلو، وهي منتجة برامج تليفزيونية وصديقة الممثلة وعارضة الأزياء الأمريكية "كيم كارديشيان"، والثانية هي سيدة الأعمال البريطانية أماندا ستيفلي.
ومع تنامي نفوذ السيدة الأولى في المشهد الاستثماري السعودي، حظيت باهتمام إعلامي حول طبيعة الدور الذي تلعبه كارلا من خلال علاقاتها النافذة مع مسؤولين سعوديين بارزين وعلى رأسهم مدير الصندوق السيادي ياسر الرميان.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مصادر مطلعة، لم تسمها، وجود علاقة وثيقة بين الرميان (49 عاما) وكارلا (35 عاما) أثارت مخاوف بعد مسؤولي الصندوق السيادي الذي يديره الرميان على التوجهات الاستثمارية للمملكة بالخارج.
وكشفت الصحيفة الأمريكية، إن كارلا تلعب دور الوسيط بين الشركات الأجنبية التي ترغب في مشاركة الصندوق السعودي نظير مقابل مادي، عبر شركتها الاستشارية "CDB" ومقرها مدينة ساراسوتا الأمريكية بولاية فلوريدا. وتقوم كارلا في هذا الصدد بعقد اجتماعات عمل في أماكن رسمية وأحيانا غير رسمية.
ويتجاوز نفوذ كارلا بالمسؤولين السعوديين علاقتها بمدير الصندوق السيادي إلى ابن سلمان، حيث نقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين سابقين وحاليين في الصندوق، قولهم إن ابن سلمان والرميان يفضلان رأي كارلا على مشورة اللجان الفنية للصندوق في القرارات الاستثمارية الرئيسية وخاصة الصفقات الخارجية.
وأكد مقربون قوة العلاقة بين الرميان وكارلا، قائلين للصحيفة الأمريكية إنهم شاهدوهما يتناولان الغداء سويا، ويقضيان وقتا بمفردهما معا على متن قارب في فعالية لليخوت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. كما استضاف الرميان وكارلا سيدة الأعمال البريطانية "أماندا ستافيلي"، لعشاء خاص على أحد اليخوت، المملوكة لابن سلمان.
"استحواذات مثيرة"
وتسرد "التغيير" في السطور التالية أبرز أنشطة "صندوق ابن سلمان" الخارجية، والحصص التي استحوذ عليها في عدد من الشركات الأوروبية والأمريكية، إلى جانب بعض الصفقات المعلقة:
قام الصندوق السعودي، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020، بالاستحواذ على حصص في نحو ٢٤ شركة أمريكية بقيمة ٨ مليارات دولار من بينها شركة بوينغ لصناعة الطائرات، ومجموعة الترفيه "والت ديزني"، وشركة الترفيه "لايف نيشن"، وشركة المقاهي "ستاربكس"، وشركة الضيافة "ماريوت" وشركة الخدمات المالية "سيتي غروب"، وشركة "فيسبوك"، وبنك أوف أمريكا، وشركة خط الرحلات البحرية "كرنفال" (وهي شركة أمريكية-بريطانية)، وشركة "سيسكو" المتخصصة في مجال الاتصالات والمعدات الشبكية، وشركة "برودكوم" المتخصصة في أشباه الموصلات والاتصالات اللاسلكية.
وتبلغ قيمة حصص الصندوق في أسهم الشركات الأمريكية التي استحوذ عليها مؤخرا، ما قيمته 713.7 مليون دولار في "بوينغ"، و522 مليون دولار في "سيتي غروب"، و522 مليون دولار في "فيسبوك"، و495.8 في "ديزني"، و416.1 مليون دولار في "لايف نيشن"، و487.6 دولار في "بنك أوف أمريكا"، و513.9 مليون دولار في "ماريوت"، و456.9 مليون دولار في "كرنفال"، و77.6 مليون دولار في "ستاربكس"، و490.9 مليون دولار في "سيسكو"، و76.6 مليون دولار في "برودكوم".
"صفقة معلقة"
ومن أشهر الاستحواذات "المعلقة" التي يسعى الصندوق السعودي لإتمامها، (بدعم من مجموعة تقودها سيدة الأعمال البريطانية أماندا ستيفلي)، هي صفقة الاستحواذ على 80 بالمئة من أسهم نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليون جنيه استرليني (372 مليون دولار).
ووفقا لوسائل إعلام بريطانية، فإن الصفقة تواجه معارضة قوية من منظمات حقوقية دولية وأحزاب بريطانية بسبب سجل مملكة آل سعود في مجال حقوق الإنسان، ودورها في دعم شبكة القرصنة "بي آوت كيو" التي نقلت بطولات رياضية كبرى بشكل غير قانوني.
وحذر 8 نواب من أحزاب بريطانية مختلفة في رسالة عاجلة إلى ريتشارد ماسترز الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز "Premier League" من تحرك لتسهيل صفقة بيع نادي نيوكاسل لصالح الصندوق السعودي، معتبرين أن هذه الصفقة ستساهم في تبييض السجل القمعي للسعودية، ومحمد بن سلمان، وفقا لصحيفة "تليغراف" البريطانية.
وأضاف النواب في الرسالة: "ما لم تقم مملكة آل سعود بإصلاح نظام العدالة الجنائية وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، لا يمكن للدوري الممتاز أن يوقع على بيع نادي نيوكاسل يونايتد إلى صندوق الاستثمار السعودي".
والشهر الماضي، قام الصندوق السعودي بشراء حصة تقدر بنحو 5 بالمئة من أسهم في شركة بريتش تليكوم للاتصالات "بي تي"، وهي شركة بريطانية قابضة متعددة الجنسيات، وفقا لصحيفة "تليغراف".
وتبقى استثمارات الصندوق السيادي السعودي الخارجية، وخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة محل شكل ومثار تساؤلات من قبل العديد من المحللين وخبراء الاقتصاد حول العالم، خاصة في ظل المخاطر الاقتصادية التي تحيط بتلك الاستثمارات بعد أزمة كورونا والخسائر الكبيرة التي تكبدتها تلك الشركات، في حين تروج سلطات آل سعود إلى أن هذه الاستثمارات بمثابة صيد ثمين واقتناص للفرص.
ارسال التعليق