الحج ممنوع على المعارضين والمدينة لم تعد للمسلمين فقط
بقلم: حسين آل غنام...
يرى الإسرائيليون الذين زاروا “السعودية” أخيراً، وجالوا في شوارعها ودخلوا مدنها المقدّسة ومساجدها، أنها بلد “لطيف جداً يبث أجواء مريحة”.
وفي مقابل هذه الأيام التاريخية بين المملكة والكيان الصهويني، بفضل حجم “التغيير والانفتاح” في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، يُمنع المعارضون في الجزيرة العربية وغيرهم من المسلمين المحسوبين على دول أو كيانات لا يحبها الأمير الشاب، من دخول البلاد لأداء فريضة الحج.
أما إنْ حصل ودخل أحدهم، فمصيره الاعتقال والتعذيب. لم يعد تطبيع النظام السعودي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مخفياً، بل صار التواصل بين المسؤولين السعوديين ونظرائهم الصهاينة مُعلناً. إلا أن الأخطر من ذلك كله، هو مساعي النظام السعودي لتمرير التطبيع من أسفل إلى أعلى، أى من القاعدة الشعبية وصولاً إلى رأس الهرم.
هذا ما يحدث بالفعل حالياً في “السعودية”، بانتظار “لحظة التتويج” حين يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن، الملك السعودي وولي عهده، قادماً من الكيان الإسرائيلي المحتل.
وبالتوازي عن التطور المتسارع للعلاقات بين النظام السعودي وكيان الاحتلال، زار وفد من 50 رجل أعمال يهودي مرتبط بكيان العدو، المسجد النبوي في المدينة المنوّرة بعد أن أزيلت لافتات كانت منتشرة فيها كُتب عليها “للمسلمين فقط”.
وقال الكاتب الإسرائيلي Avi Jorisch: “ذهبت للمدينة المنورة الشهر الماضي وجلست على مرأى من القبة الخضراء للمسجد، فقد أزال المسؤولون السعوديون اللافتات المكتوب عليها للمسلمين فقط”.
واحتفت وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي العبرية، بخبر عن جولة قام بها مراسلون عسكريون في قنوات إسرائيلية، في مدن “سعودية” بثّوا تقارير لقنواتهم منها، وسط حالة من “الترحيب الشعبي بهم بعد حرمان دام عقود”، على حدّ قول هذه القنوات.
وأعدّ يوآف ليمور، الصحافي في صحيفة “يسرائيل هيوم”، تقريراً من داخل “السعودية”، وقد بدا أنّه تجوّل في مناطق مختلفة منها، حيث حرص على التقاط عدة صور له من داخل الرياض وهو يقف إلى جانب العلم السعودي وصور عبد العزيز آل سعود وسلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان.
وأكّد ليمور أنّه “حظي بترحيب كبير من السعوديين على الرغم من أنّه أظهر لهم أنّه إسرائيلي”، وتحدّث عن تغيير في النظرة الشعبية تجاه كيان العدو،بحسب زعمه.
وكشف أن “عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة من “الموساد”، زاروا السعودية سرّاً في السنوات الأخيرة”، لافتاً إلى أنه “في السابق لم يكن يُسمح للإسرائيليين بدخول السعودية، لكنه أصبح ممكناً الآن لمن يحمل جواز سفر أجنبي”.
ويقول ليمور المقرّب بطبيعة عمله من الأوساط الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال، عن زيارة بايدن التي سيبدأها بالكيان في 13 من الشهر الجاري، إن الأخير “سيحاول الدفع قدماً بخطوات تطبيع بين السعودية وإسرائيل، ومن ضمن ذلك سيحاول أن يصطحب عند مغادرته إسرائيل إلى السعودية، شخصية إسرائيلية”. ويرى الصحافي الإسرائيلي أن “السعودية لطيفة جداً، وتبث أجواء مريحة (..) ما يحدث في هذه الأيام بين المملكة وبين إسرائيل هو حدث تاريخي من الصعب ألا تتأثر به”.
هذا التقارب المتسارع ليس تهماً توجهها المعارضة للنظام السعودي، بل اعترافات وتصريحات لمسؤولين وإعلاميين سعوديين، حتى أن صحيفة “The Wall Street Journal” الأميركية، قد قالت في حزيران 2022 إن “السعودية انخرطت في محادثات جادة مع إسرائيل لبناء علاقات تجارية وتأسيس ترتيبات أمنية؛ نظراً إلى أن المملكة تستشعر تحولاً بين شعبها تجاه تأسيس علاقات رسمية مع الدولة ذات الأغلبية اليهودية”.
ونقلت عن مسؤولين سعوديين وإسرائيليين إن “التساؤل المطروح الآن لم يعد يتعلق بما إذا كانت السعودية سوف تقبل بالاعتراف بإسرائيل جارة لها، بل متى سوف تتخذ هذه الخطوة”. يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال المطروح ستعرف خلال زيارة بايدن المرتقبة إلى “السعودية”.
في المقابل يستخدم النظام السعودي وصايته على الحرمين الشريفين كأداة للابتزاز السياسي والتصيّد لمن يعارض سياساته أو سياسات حلفائه في الدول المستبدة، ما يعكس الواقع الحقوقي المتدهور في الداخل السعودي، يزيد من تدهوره تسييس الحج واستغلاله من قبل النظام السعودي الذي يقوم باعتقال الحجّاج بنيّة تسليمهم إلى دولهم كأداة للتقرّب من تلك الدول.
وتَعرّض للاعتقال، خلال سنوات ابن سلمان في ولاية العهد، حجّاج ليبيون سُلّموا إلى قوات خليفة حفتر، وآخرون أردنيون وفلسطينيون ومصريون وعراقيون وحتى خليجيون. وفيما يجول الصهاينة في المدينة المنوّرة، لا يستطيع المعارضون دخول البلاد أصلاً، والدعاة الذين يعتبرهم النظام خطراً عليه، جلّهم في السجون. وعشية موسم الحج، تعالت الدعوات لإعادة النظر في موضوع وصاية النظام السعودي على الأراضي المقدّسة.
فوصاية أي طرف على المقدّسات يجب أن تترافق مع حُسن إدارة الحرمين والإلتزام بالشرع الإسلامي في تأمين حجاج بيت الله في البلد الحرام، والإلتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تضمن أمن وسلامة الزوّار وعدم تعرّضهم للاعتقال أو المنع، أو تسليمهم إلى جهات قد يتعرّضون فيها للاحتجاز أو التعذيب.
الدعوات لتكون الأراضي المقدّسة بمعزل عن الصراعات السياسية تصدر عن أكثر من جهة في الجزيرة العربية وخارجها، وتطالب بأن يكون هناك تمييز وتفريق في الأنظمة القانونية بين دخول الأراضي “السعودية” ودخول الأماكن المقدّسة، وأن لا يتم تطبيق السياسات النظام السعودي ومنع المعارضين أو تصيّدهم في هذه الأماكن المقدّسة. لذا، فإن الدعوات لإنهاء استخدام الحرمين كأدوات سياسية أو اقتصادية، والكفّ عن استغلالها تحت اسم الدين، تتزايد في وجه النظام السعودي العازم على رهن البلاد في إطار مشروع التطبيع مع الصهاينة.
ارسال التعليق