انتكاسة الثورات المضادة بقيادة السعودية
يقود النظام الإماراتي وحلفاؤه في السعودية وبشراكة كاملة مع إسرائيل حلف الثورة المضادة لإفشال موجات الربيع العربي المطالبة بالحرية والتغيير وإنهاء حكم العسكر السلطوي. وقد حقق حلف الثورة المضادّة العربية عام 2013 نجاحات كبيرة، في مقدمتها الإطاحة بالثورة المصرية وتجربة الحكم الديمقراطي في مصر ودعم انقلاب عسكري ضدهما. يضاف إلى ذلك دعم صعود ميليشيات خليفة حفتر في ليبيا، وإعادة تأهيل الراحل علي عبدالله صالح في اليمن، وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين عبر العالم العربي، ووصمها بالإرهاب، وحظرها في بعض الدول. ويرى مراقبون أن تحالف الثورة المضادة يمر حالياً بمأزقٍ حقيقيٍّ، ليس فقط بسبب تجدّد الحراك الشعبي في السودان والجزائر، والصعوبات السياسية والميدانية التي تواجهه في اليمن وليبيا، بل أيضاً، لأن هناك تصدعاً داخل هذا التحالف، يهدّد بانفراط عقده في أي لحظة.
وقال المراقبون إن الدور الإماراتي السعودي كان خفياً في قيادة حلف الثورة المضادة بسبب عوامل كثيرة، أولها غموض هذه الثورة وانقسام الشعوب وأنصار التغيير تجاهها بحيث كان من الصعب إقناع المواطن في مصر وسوريا واليمن ودول أخرى، بحقيقة الدور الذي يقوم به النظامان في أبوظبي والرياض عبر الإقليم، وحقيقة نظم الثورة المضادة الجديدة كنظام عبدالفتاح السيسي في مصر.
وأضاف المراقبون إن هذا الدور في حلف الثورة المضادة أصبح حالياً مكشوفاً ومفضوحاً بعد أن تكرس دوره التخريبي بحيث باتت لا تخلو مظاهرة ضمن موجات الربيع العربي المتجددة خصوصاً في السودان والجزائر إلا وتطالب بوقف أي تدخل تخريبي للإمارات والسعودية. ونقل موقع الإمارات ليكس عن أحد المراقبين قوله إن النظام السعودي يطمع في زعامة النظام العربي، مستفيداً من ثروته الضخمة وأيديولوجيتيه الدينية، والصورة التي رسمها لنفسه عقوداً أنه مدافع عن الإسلام والشعوب العربية. بل مدافعاً عن التغيير والثورات نفسها في سوريا واليمن.
من جهته لعب النظام الإماراتي على أوتار التحديث، وصورة دبي وصورة إمارات الشيخ زايد في وجدان عربٍ كثيرين. ولذلك كله، دعم عربٌ كثيرون، بما في ذلك أنصار الثورة والتغيير، التدخل السعودي الإماراتي في اليمن عام 2015، ضد انقلاب الحوثيين وشريكهم علي عبد الله صالح، الذين أدى السعوديون والإماراتيون أنفسهم دوراً كبيراً في إعادة تأهيله.
ومع مرور الزمن تعاونت نظم الثورة المضادّة بشكل علني غير مسبوق مع إسرائيل، حيث تم استقبال مسؤولين إسرائيليين بشكل متكرر في الإمارات. وسمح نظام السيسي للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف في سيناء.
وتقاربت السعودية بشكل غير مسبوق مع إسرائيل التي باتت تدافع بقوة عن سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأخطائه، وهو الذي صعد سياسياً بدعم أمريكي.
الحماية التي وفرتها واشنطن لنظم الثورة العربية المضادة دفعتها إلى التوحش داخلياً وإقليمياً، فاغتال مسؤولون سعوديون كبار (يشك أن ولي العهد السعودي من بينهم) الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وقام الرئيس المصري وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بتعديل الدستور بما يسمح ببقائه في السلطة أكثر من مدتين، وترك الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي يموت في محبسه من دون أن يوفر له الرعاية الصحية الضرورية.
وفي ليبيا دعمت الثورة المضادّة قوات خليفة حفتر للتوسع في شرق ليبيا وجنوبها، حتى انتهى به الحال بالهجوم العسكري على العاصمة طرابلس، مقر الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، ومحاولة السيطرة عليها بالقوة.
واستمرت الحرب في اليمن بلا نهاية في الأفق، وبغض النظر عن تكاليفها الاقتصادية والإنسانية المدمرة لليمن، الذي يواجه أكبر مأساة إنسانية حالية، من حيث انتشار الفقر والمجاعة.
واقع التراجع
لكن الصعود السابق لحلف الثورة المضادة لم يكن بلا حدود أو موجات ارتدادية قوية، ففي ليبيا، توقفت قوات حفتر جنوب طرابلس، وباتت عرضة لخسائر متتالية. وفي اليمن، بات ينظر إلى قوات التحالف باعتبارها قوات احتلال من بعض أبناء المناطق المحرّرة، كما عجز التحالف عن تحقيق نصر سريع أو جادّ. وأصبحت المملكة السعودية نفسها عرضةً لهجمات متتالية من طائرات سلاح الجو المسير التابع للحوثيين، في معادلة ردع جزئي جديدة، فيما قررت الإمارات انسحاب أو إعادة انتشار قواتها المشاركة في الحرب.
وأهم من كل ما سبق، انفجار الربيع العربي في بلدين جديدين وكبيرين؛ الجزائر والسودان، وإطاحته برأسي النظام في البلدين. وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها دعاة التغيير فيهما، ومحاولة الثورات المضادّة الالتفاف على الثورتين، من خلال دعم قيادات استبدادية بديلة.
وبالنسبة للسعودية والإمارات، فحتى وإن تقاطعتا مع مصر في الاستراتيجية القاضية بإقصاء الإسلاميين، واجتثاثهم من المشهد السياسي، إلا أن الحسابات المصرية لا تدخل ضمن منظورهما للوضع في السودان، فهما معنيتان، أكثر، بإجهاض أي تحول ديمقراطي فيه، مهما كانت التكاليف، لأن نجاح هذا التحول سيعطي زخماً آخر للربيع العربي، بعد تجدّد الاحتجاجات في الجزائر، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس.
ارسال التعليق