عقبات أمام نجاح خطة ابن سلمان الاقتصادية
خصصت مجلة “فورين أفيرز”، مساحة واسعة من محتواها للحديث عن العقبات التي تواجه خطة محمد بن سلمان الاقتصادية المزعومة، والمعنونة بـ”رؤية 2030”.
ذكّرت مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كارين يونغ، في مقالها أن الرؤية التي أطلقها ابن سلمان في أبريل/ نيسان 2016، وجادل حينها بأنها تأتي للتكيف مع تحديات القرن الحادي والعشرين، التي ستلزم السعودية بالتخلي عن وضعها كدولة ريعية تعتمد على عائدات تصدير النفط، مقابل قيام “المملكة” بدمج اقتصادها في الأسواق المالية العالمية كوجهة ومصدر للاستثمار.
أوضحت الكاتبة أن التحدي الأبرز هو أن الاستثمار الأجنبي المباشر الموعود لم يصل بعد، وأجندة النمو في “المملكة” استنزفت احتياطياتها الأجنبية.
حيث لا تزال معظم وعود محمد بن سلمان اللافتة للنظر، بما في ذلك المشاريع الحضرية العملاقة المستقبلية، غير مكتملة. وأضافت “لقد أدركت قيادة الدولة أن النموذج القديم للمملكة، الذي يعتمد بشكل أساسي على دولة الرفاهية الممولة بالنفط والفصل الصارم بين الجنسين، لم يعد مستداما”.
وتابعت: “النتيجة الملموسة لهذا الإدراك -على الرغم من دور محمد بن سلمان الدراماتيكي في كثير من الأحيان في صنع السياسة السعودية- هو نهج اقتصادي لا يعتمد على المستقبل الجذاب، ولكن على مجموعة من السياسات الأكثر تقليدية وتكنوقراطية”. كما اعتبرت الكاتبة بأنه من الصعب أحيانا تحديد ملامح سياسات الرياض الاقتصادية الجديدة.
حيث لا تزال “السعودية”، على سبيل المثال، تعتمد بشكل كبير على النفط. لافتة إلى ما شكلته نسبة صادرات النفط والغاز الصافية 70 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد في عام 2020.
وفي الوقت نفسه، شكلت الصادرات الإجمالية 26 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. كما تقلصت عائدات النفط والغاز كنسبة مئوية من الميزانية الإجمالية للحكومة، حيث انخفضت من 64 بالمئة في عام 2016 إلى 53 بالمئة فقط في عام 2020.
ولفتت الكاتبة في مقالها، على أن الرياض رفعت ضريبة القيمة المضافة الجديدة من 5 بالمئة إلى 15 بالمئة في صيف 2020، مما زاد الإيرادات غير النفطية بأكثر من 30 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، وما تبع ذلك من إفقار لفئة وازنة من الشعب. بالإضافة إلى تبني “ولي العهد” سياسة رفع الضرائب على السلع والخدمات نحو 70 مليار ريال سعودي، أي حوالي نصف المبلغ المتولد من الدخل النفطي.
اعتمد النظام السعودي تقليص الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية الكبرى بشكل كبير. وتلفت الكاتبة إلى سعي الحكومة وقرارها لتحويل الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم إلى القطاع الخاص جزءا من هذا التوسع.
حيث يدفع “السعوديون” الآن من أموالهم الخاصة للرعاية الصحية أكثر مما يدفعه أقرانهم في دول “الخليج”؛ وفقا لبيانات البنك الدولي لعام 2018، فتغطي الحكومة السعودية حوالي 60% من نفقات الرعاية الصحية، وتُعد نسبة منخفضة نسبيا وفقا للمعايير الخليجية.
وبحسب كارين يونغ، امتد تقليص النفقات في “السعودية” ليشمل نفقات القطاع العام، وعلى الرغم من تفشي وباء كورونا، تراجع الإنفاق على الرواتب من مستوى يقارب 510 مليارات ريال بنهاية 2019 إلى نحو 490 مليار بنهاية 2021.
وأشارت الكاتبة في مقالها إلى ارتفاع مستوى البطالة بين الباحثين عن العمل عما كانت عليه الحال عام 2018، قبل الإعلان عن رؤية 2030 .
وأضافت بأن “السعوديون” يقترضون الأموال لتلبية رغبات نمط حياتهم بدلاً من الاعتماد على الدولة في الدفع.
في عام 2016، على سبيل المثال، جادلت الكاتبة بأن هناك تحديين رئيسيين قد يعرقلان رؤية 2030.
أولا، يمكن أن يوقف تعنت البيروقراطية السعودية والمصالح الخاصة للعائلة الحاكمة والنخب المرتبطة بها هذه “الإصلاحات”.
ثانيا، لن يعمل نموذج التطوير العقاري الخليجي الذي يركز على الإسكان والسياحة بشكل جيد في” السعودية”، باعتبار أن دبي والرياض مختلفين جدا.
وتبيّن الكاتبة في مقالها بوجود مجموعة مختلفة من التحديات، إذ أن كثير من السكان في “السعودية” هم من فئة الشباب، بعد عشر سنوات من الآن، ستبدأ تلك المجموعة في حساب الأعباء الاقتصادية لمنتصف العمر، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، والنفقات التعليمية للأطفال، والرهون العقارية، والديون.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يخرج السكان المسنون إلى الشوارع، فمن غير المرجح أن يبتكروا ويتحملوا المخاطر في الأعمال التجارية الخاصة الجديدة.
لا توجد سوى نافذة ضيقة من الفرص للسعودية لتحويل اقتصادها بنجاح. الاستثمار الأجنبي في “السعودية” ينخفض إلى الأرض إلى ذلك، كانت مجلة “فوربس” قد ذكرت في تقرير لها أن “الاستثمارات الداخلية في السعودية تراجعت بشكل قياسي بعد أن وصلت إلى مستوى مرتفع جديد في وقت سابق من العام”.
وأشارت المجلّة إلى أنّ “أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي السعودي (سما)، والتي صدرت هذا الأسبوع، أظهرت أن الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى البلاد بلغ 1.75 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2021”.
وأضافت أنّ ذلك كان “انخفاضاً حاداً عن الرقم القياسي البالغ 13.8 مليار دولار في الربع من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو، والذي تم تعزيزه من خلال صفقة لشبكة خطوط الأنابيب لشركة الطاقة السعودية أرامكو”.
ولفتت في التقرير إلى أنّ الأرقام المذكورة تعبر عن أداء البلاد في الجزء الأخير من عام 2020 وأوائل عام 2021، وتؤكد “الصعوبة المستمرة التي تواجهها الحكومة في جذب مستويات كبيرة من الاستثمار الداخلي”.
وبحسب المجلة، فإنّ “مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد إلى السعودية انهارت في عام 2017، وبينما تم تعويض بعض الخسائر منذ ذلك الحين، فإنها ليست قريبة من المستوى المطلوب لإنجاح المشاريع الكبرى مثل مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار”.
وأوضحت أيضاً أنّه “عندما أطلق ولي العهد محمد بن سلمان استراتيجيته الاقتصادية لرؤية 2030 في عام 2016، كان الهدف هو أن يصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى حوالى 19 مليار دولار بحلول عام 2020، لكنه في الواقع كان 5.4 مليار دولار فقط في ذلك العام”.
أمّا بشأن الأمور التي أعاقت جذب الاستثمار الداخلي، فكشفت المجلة أنّ إحدى العوائق كانت “التضييق على كبار رجال الأعمال التنفيذيين وغيرهم من الشخصيات في عام 2017 والذي وصفته السلطات بأنه حملة لمكافحة الفساد”.
وكذلك “أدى القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في العام التالي إلى جعل الشركات الدولية أكثر حذراً من أن يُنظر إليها على أنها تدعم نظام الرياض، وأيضاً ظهور جائحة كورونا زادت من المشكلات خلال العامين الماضيين”، وفق المجلة.
واعتبرت المجلة أنّه “على الرغم من كل هذا، يبدو أن الحكومة لم ترتدع، إذ أنّه في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حددت هدفاً جديداً بقيمة 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنوياً بحلول عام 2030، “غير أنّ هناك الكثير من الشكوك حول مدى واقعية هذا الهدف”.
ارسال التعليق