عند اول ازمة في الشركات يفصل الموظف السعودي ويبقى الاجنبي مع ان عدد المواطنين اقل من 17%من عدد العاملين
ذكرت في مقالات سابقة أن وزارة العمل لعبت باستراتيجية «رابح- رابح Win-win game» من خلال برنامج نطاقات خلال السنوات الخمس الماضية، إذ اقتصر دور الوزارة على تدوير الأموال!
فالكفيل والتاجر يدفع لاستقدام العامل الأجنبي، فتأخذها الوزارة وتعيدها له على شكل إعانة بدفع نصف راتب العامل السعودي. ولذا فإن ما يقال عن ارتفاع أرقام توظيف السعوديين لا يمكن أخذه رقماً موثوقاً، فلا يمكن عزل التوظيف الحقيقي عن التوظيف الوهمي، الذي ساد خلال فترة الطفرة بالتزامن مع برنامج «نطاقات».
وقلت أيضاً إن استراتيجية «يربح-يربح» من الممكن أن تتحول إلى «خاسر- خاسر» إن جاز التعبير، فالسعودي الذي تم توظيفه باعتباره رقماً فقط للحصول على مزيد من تأشيرات استقدام الأجانب خلال وقت الطفرة سيفصل أيضاً، وينخفض باعتباره رقماً كلما تم تسريح وتقليص عدد الأجانب خلال وقت الشح والركود.
للأسف أن هذا السيناريو بدأ يحدث بالفعل مع تباطؤ الاقتصاد وانخفاض أرباح الشركات والمؤسسات فيه، فخلال الأيام الماضية قرأنا على مواقع التواصل الاجتماعي عن تسريح وفصل عدد من الموظفين السعوديين في شركتي «بن لادن» و«سعودي أوجيه» للمقاولات وغيرهما، ولهذا على وزارة العمل أن تعلق العمل بالمادة 77 من نظام العمل والعمال الذي يجيز للشركة أن تفصل الموظف السعودي في مقابل راتب 15 يوماً عن كل عام أمضاه في الشركة، في حال كون العقد غير محدد المدة، أو ببقية رواتب المدة المتبقية إذا كان العقد محدد المدة بحيث لا يقل التعويض في هذه المادة عن أجر العامل مدة شهرين.
وقد يقول قائل إن الفصل والتسريح أمر طبيعي ويحدث في كل العالم، وهو قول صحيح ولا غبار عليه، فالمعتاد أن الشركات دائمة ما تقلل تكاليفها المتغيرة، وأولها عدد العمالة في حال تعرضها لأية هزة مالية تقلل أرباحها، ولكن هذا وضع طبيعي لو كانت سوق العمل طبيعية، وسوقنا ليست كذلك، فهي سوق مشوهة حقيقة لا مجازاً.
فعند النظر إلى اقتصاد المملكة وتوزيع العمالة فيه نجد أن قوة العمل السعودية لا تزيد على 1.8 مليون عامل من إجمالي قدره 10.7 مليون عامل في القطاع الخاص بالمملكة، ما يعني أن نسبة العمالة السعودية تشكّل أقل من 17 في المئة من العدد الإجمالي للعاملين في مقابل ما يزيد على 83 في المئة من الوافدين - بحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة العمل.
وهنا المنطق يقول إنه يجب أن يكون الاستغناء والفصل والتسريح للأجانب الذين يشكلون ما يزيد على أربعة أضعاف السعوديين، ولا يجب أن يطال الفصل والتسريح المواطنين بأية حال من الأحوال، فهم أقلية في سوق العمل، كما أن متوسط رواتبهم ضعيف جداً، ومدعوم بالنصف مدة عامين من طريق صندوق الموارد البشرية، (بحسب تقرير للتأمينات الاجتماعية نشر هذا الأسبوع، 34 ألف موظف سعودي أجورهم الشهرية أقل من 2000 ريال، وأكثر من 111 ألفاً أجورهم أقل من 2500 ريال).
وبالتأكيد لا أحد يطالب بعدم فصل غير الراغب في العمل أو غير المنتج، سعودياً كان أم أجنبياً، ولكن أن يظل الاعتماد على الأجنبي وإبقاؤه وتسريح السعودي فهذا ما لا يصح ولا يقبل، فالوظيفة حق للمواطن. ومع ضآلة عدد السعوديين في القطاع الخاص فلا يجوز أن تعطى الشركات الحق في تسريحهم وفصلهم، فقط لأن أرباحها انخفضت، فالتسريح يجب أن يكون لغيرهم ممن يشكل قوة العمل الأكبر في السوق.
لذا، فإن أولى خطوات إصلاح سوق العمل تبدأ بتعليق العمل بالمادة 77، ولو لعام أو عامين على الأقل، حتى تتضح الصورة ويستقر وضع سوق العمل، ومبادرات وزارة العمل وتعهدها بزيادة توظيف السعوديين في رؤية السعودية وبرنامج التحول الوطني يجب ألا تبدأ بتسريح السعوديين ورفع معدل البطالة، فهذا يناقض الرؤية ويناقض تعهد الوزارة بزيادة توظيف المواطنين، لا زيادة معدل بطالتهم!
* د. عبد الله بن ربيعان أكاديمي متخصص في الاقتصاد والمالية.
ارسال التعليق