كيف أسهمت جماعات الضغط في عودة نفوذ السعودية بامريكا
لم يكن مفاجئا فشل الرئيس الأمريكي جو بايدن، في جهوده لعزل السعودية أو تحويلها إلى بلد منبوذ، كما وعد في حملته الانتخابية، إذ عادت المملكة للتأثير من هوليوود إلى المجال الأكاديمي بل والرياضي أيضا”.
هكذا تحدث تقرير أعده الكاتب “بن فريمان”، ونشره موقع “ذي إنترسيبت” الأمريكي، والذي سلط الضوء على تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية من قبل جماعات الضغط ومراكز البحث والكليات ونجوم الرياضة والفن والموسيقى، الذين حظوا بالدعم المادي من الرياض، وساهموا في تحسين صورتها والتغطية على أخطائها.
وبدأ الكاتب بآخر فصل من جهود التأثير السعودي وهو بطولة “ليف غولف” المنافسة لدروي “بي جي إي”، التي أنفقت فيها السعودية أموالا باهظة جعلت من “فيل ميكلسون” وجه المباراة، حيث لعب في كل مباراة من مباريات “ليف” هذا الصيف.
وعانى “ميكلسون” من التعليقات الساخرة، حين عبر عن تعاطفه مع عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول 2001، الذين كتبوا رسالة له وللاعبي الغولف المشاركين، قالوا فيها: “عندما تشتركون مع السعوديين تصبحون متواطئين بعملية تبييضهم وتساعدونهم للحصول على غطاء سمعة يريدونه وبيأس وهم مستعدون لدفع مبالغ من أجل تصنيعها”.
وعبر الغولف، أسهم السعوديون بجعل “ميكلسون” أعلى رياضي أجرا في العالم، وبعائد يقدر بحوالي 138 مليون دولار في الـ12 شهرا الماضية، وفي تلك الفترة لم يفز ولا بمباراة غولف واحدة.
وبعمله مع السعودية، لم يكن “ميلكسون” وحيدا في موقفه، فـ “بايدن”، الذي وصف السعودية بالمنبوذة في حملته الانتخابية عام 2019، شارك هذا الصيف قبضته للسلام مع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، ووافق على بيع المملكة أسلحة بمليارات الدولارات.
ويرى الكاتب أنه مرت لحظة عندما بدا فيها الموقف السعودي في الولايات المتحدة والذي دعمته جماعات لوبي ممولة بشكل جيد، يواجه مأزقا.
وقد أدى مقتل الصحفي السعودي والكاتب في “واشنطن بوست” الأمريكية “جمال خاشقجي”، إلى تداعي التأثير السعودي في الولايات المتحدة، إذ علقت بعض الدول صفقات الأسلحة للسعودية وأصدر بعضها حظرا على سفر المشتبه بتورطهم بالجريمة.
وتعهدت مراكز بحثية بعدم قبول المال السعودي.
وبدأت الجامعات الأمريكية التي تلقت ملايين الدولارات من العائلة السعودية الحاكمة بمراجعة علاقاتها، بل وتحدث عالم الترفيه والرياضة ضد السعودية.
وفي عالم الاحتراف الرياضي والسياسي، هدأ الشجب خلال 4 سنوات من مقتل “خاشقجي”، وأصلحت العلاقات.
ومثل “بايدن” و”ميكلسون”، باتت المنظمات التي نبذت السعوديين ترحب بهم وبأيد مفتوحة.
وعندما علقت جماعات اللوبي وشركات العلاقات العامة علاقاتها مع السعودية في أعقاب مقتل “خاشقجي”، زادت السعودية من تعاملها مع الشركات التي بقيت تتلقى منها المال.
وتلقت شركة العلاقات العامة “كيواروفيس كومنيكيشن”، أطول شركات العلاقات العامة خدمة للمملكة، وفي الأسابيع الستة التي أعقبت قتل “خاشقجي” نحو 18 مليون دولار، وذلك حسب البيانات المقدمة بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب (فارا).
وكانت “كوأورفيس” هي نفس الشركة التي ساعدت السعودية على إحياء سمعتها، بعدما كشف عن مشاركة 15 سعوديا ضمن 19 مهاجما في عمليات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتلقت “كيوأورفيس” نحو 14 مليون دولار من أجل توفير خدمات تواصل لزيادة الوعي بـ”التزام المملكة بالحرب على الإرهاب والسلام في الشرق الأوسط”، حسب ملفات الشركة بموجب قانون (فارا).
ومنذ ذلك الوقت، وجد معهد “كوينسي”، الذي يحلل شؤون الحكم المسؤول، أن “كيوأورفيس” تلقت أكثر من 100 مليون دولار، وبنفقات كبيرة في أثناء أو بعد هذه اللحظات الخطيرة في العلاقات الأمريكية- السعودية.
وشملت دفعة كبيرة تلقتها “كيوأورفيس” عام 2003 بقيمة 11 مليون دولار، وفي الوقت الذي شنت فيه أمريكا غزوا للعراق.
وفي 2015، وهو العام الذي بدأت فيه السعودية حربها في اليمن، حصلت “كيوأورفيس” على 10 ملايين دولار من السفارة السعودية في واشنطن.
وبعد مقتل “خاشقجي”، عملت “كيوأورفيس” وغيرها من شركات العلاقات العامة، التي بقيت تتلقى أموالا من السعودية لقاء خدمات، على تقديم خدمات مهمة للمملكة، وساعدت تحديدا ولي العهد بتجنب كل العقوبات المتعلقة بجريمة قتل الصحفي السعودي.
ومرر الكونجرس قرارات كانت ستنهي الدعم الأمريكي للحرب الكارثية في اليمن، إضافة لعدة قرارات كانت كفيلة بوقف صفقات الأسلحة للسعودية.
لكن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، الذي غازله السعوديون، صوت ضد كل قرار كان سيحمل السعودية مسؤولية قتل “خاشقجي”.
وتأكدت جماعات اللوبي في الكونجرس من عدم إلغاء أي فيتو من الرئيس.
وأخذ اللوبي السعودي المعركة للتأثير في داخل أمريكا بعيدا عن “بيلت وي” (منطقة الحكومة وجماعات اللوبي والإعلام) إلى حملة دعائية زائفة وصلت في النهاية إلى نصف الولايات الأمريكية.
وقادت الحملة شركة علاقات عامة مركزها بـ “ديس موينز”، في أيوا، اسمها “لارسون شانهان سليفكا غروب”، والتي اتصلت بآلاف المؤسسات الإعلامية الصغيرة، وجماعات النشر المحلي والجماعات غير الربحية والشركات والمنطمات الدينية وحتى طلاب المدارس الثانوية، كل ذلك نيابة عن السفارة السعودية.
وعملت الحملة على مساعدة السفيرة السعودية لنشر رسالة مفادها أن السعودية لها علاقات عميقة مع التجارة الأمريكية وأنها تعمل على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وبدأت الشركات التي تخلت عن المملكة بعد مقتل “خاشقجي” بأخذ أموالها مرة أخرى، والمساعدة على إحياء التأثير السعودي في الولايات المتحدة.
وأوقف “ريتشارد هولت”، المعين من “ترامب” واللوبي، عقده مع الحكومة السعودية بعد شهر من مقتل “خاشقحي”، إذ أخبر مركز النزاهة العامة: “أقوم الآن بعملية إعادة تقييم لتمثيلي ومساهمتي والتقاعد”.
وبعد ستة أشهر، كشف “هولت”، في ملفات مقدمة بموجب (فارا)، أنه عاد للعمل نيابة عن الحكومة السعودية.
وبحسب ملفات أخيرة قدمت في يونيو/حزيران، لا يزال “هولت” يقدم النصح للسفارة السعودية في واشنطن، وتلقى في الستة أشهر التي تغطيها الملفات 498 ألف دولار لقاء عمله.
ومثل “هولت”، فقد أوقفت “بي جي أر غروب” عقودها لتمثيل السفارة السعودية والمركز للدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي، والتي كان يترأسها “سعود القحطاني”، الذي سمته المخابرات الأمريكية كواحد من قتلة “خاشقجي”، بعد الجريمة بفترة قصيرة.
لكن في يونيو/حزيران، بدأت المجموعة بتمثيل مؤسسة تمولها الحكومة السعودية، وهي رابطة العالم الإسلامي.
وفي الوقت الذي تمثل فيه جماعات اللوبي وشركات العلاقات العامة عصب التأثير السعودي في أمريكا، إلا أنها تلقى المساعدة من مراكز القوة الفكرية والتي تعمل عادة في واشنطن العاصمة، من مراكز الأبحاث والكليات الجامعية المتميزة في أنحاء البلاد.
وقررت هذه الكيانات النظر في علاقاتها مع السعودية بعد اغتيال “خاشقجي”، حيث أخير أخبر معهد الشرق الأوسط موقع “بازفيد”، أن مجلس إدارة المعهد قرر عدم قبول التمويل من الحكومة السعودية ووضع التمويل تحت رقابة شديدة، بانتظار نتائج التحقيق في جريمة مقتل “خاشقجي”.
وحسب الملفات التي قدمها المعهد، فقد تلقى منذ مقتل “خاشجقي” أكثر من 600 ألف دولار من “أرامكو سيرفيسز”، التي تدير الشركة الأم شركة النفط.
أما مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، فقد أرجع منحة من السعودية في أعقاب مقتل “خاشقجي”.
وفي يونيو/حزيران هذا الصيف، أوضح برنامج دراسات الشرق الأوسط أنه كان واثقا من أن إعادة المنحة السعودية بعد مقتل “خاشقجي” كان القرار الصحيح، لكنه “ليس متأكدا من أن الاستمرار في فك العلاقة هو القرار الصحيح للمضي قدما”، وأثنى على قرار “بايدن” زيارة السعودية.
ومثل معهد الشرق الأوسط، تظهر ملفات مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية المقدمة بناء على قانون (فارا)، أن شركة “أرامكو” السعودية، قدمت مئات الآلاف من الدولارات للمنظمة منذ مقتل “خاشقجي”.
وتلقت المؤسسات الأكاديمية أكثر من 2.6 مليار دولار، حسب سجلات وزارة التعليم، والتي اهتزت نتيجة الشجب العام لمقتل “خاشقجي”.
وفي الوقت الذي أعلنت معظم المؤسسات التعليمية أنها ستراجع علاقاتها مع المملكة في أعقاب الجريمة، إلا أن أيا منها لم يقطع علاقاته معها.
وهذا يضم معهد “ماساشوستس للتكنولوجيا” (أم أي تي) والذي استقبل ولي العهد السعودي في مارس/آذار 2018، قبل 6 أشهر من اغتيال “خاشقجي”.
وبعد مراجعة التمويل السعودي، قرر المعهد الحفاظ على الترتيبات.
وقبلت الجامعة منذ ذلك الوقت حوالي 17 مليون دولار من السعودية، وذلك حسب تحليل لسجلات وزارة التعليم.
و”أم أي تي” ليس وحيدا في موقفه، فقد تلقت المؤسسات الأكاديمية الأمريكية 440 مليون دولار منذ مقتل “خاشقجي”.
وفي الوقت الذي أعادت فيه المؤسسات الأكاديمية والسياسة النظر في علاقتها مع السعودية، قام فرع آخر من النخبة الأمريكية بإعادة تقييم العلاقة من جديد.
ففي مقال نشر في “هوليوود ريبورتر”، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعنوان “هوليوود تتقرب مرة أخرى من المال السعودي”، تمت الإشارة إلى الجهود التي قامت بها شركات الترفيه الأمريكية بتجاهل السعودية بعد مقتل “خاشقحي” حتى نهاية عام 2021، حيث نظمت السعودية مهرجان البحر الأحمر الدولي للفيلم.
وجمعت المناسبة شخصيات مهمة في عالم الفيلم والغناء مثل “جاستين بيبر” و”جيسون ديرولو”.
وكما ذكرت “هيلي فاتشس”، من مجلة “بوليتكو” الشهر الماضي، فقد عرضت شركات العلاقات العامة التي تعمل نيابة عن السعودية أفكارا لتنظيم مناسبات تشبه جوائز “جلوب” في السعودية، وعرض أسبوعي لبرنامج “ليت شو”، الذي يقدمه “تريفر نوح”، أو حتى إنشاء شراكة لمهرجانات موسيقية مثل “بونارو وكوتشيلا”.
وأخبر “بريان لانزا”، الشريك في مجموعة العلاقات العامة “ميركوري بابليك أفيرز”، التي ضغطت للإفراج عن الأمراء المنافسين الذين سجنهم “بن سلمان”، مجلة “بوليتكو”، أن هذه الشراكات بين الحكومات الأجنبية والنجوم باتت شائعة.
وقال: “يصنع النجوم أموالا وهم يروجون للحكومات الأجنبية أكثر من المال الذي يحصلون عليه من صناعة أفلام”.
وفي الوقت الذي عبر فيه عدد من النجوم عن رغبة بأخذ المال السعودي، عبر نجوم الرياضة مثل “وورلد ريسلينع انترتيتمنت إنك”، التي وقعت عقدا لمدة 10 أعوام تصل قيمته إلى نصف مليار دولار تقريبا، عن رغبة لاستضافة مناسبات المصارعة في السعودية.
وفي عام 2020، وقعت “فورميولا وان” عقدا لمدة 15 عاما، وافقت فيه المملكة على دفع 65 مليون دولار لكل سباق “غراند بري” تستضيفه.
ولعل المبلغ الذي أنفقته السعودية لتحسين صورتها 1.5 مليار دولار، يبرز في سلسلة “ليف غولف”.
وفي الوقت الذي يعبر فيه أصحاب شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط عن استعداد لتجاهل حقوق الإنسان في السعودية، فإن نقاد النظام يواجهون معركة مستمرة للحفاظ على حياتهم.
وفي الوقت الذي تقدم فيه السعودية سفيرتها “ريما بنت بندر”، كمثال على حماية والدفاع عن حقوق المرأة، فإن النساء الناشطات يواجهن القمع والملاحقة، وآخرهن طالبة جامعة ليدز “سلمى الشهاب”، التي صدر حقها أطول محكومية بالسجن ضد ناشط في المملكة، بنحو 34 عاما.
ولم يقدم “بايدن” هدية لولي العهد عندما زار السعودية، لأن الزيارة لم تكن ممكنة بدون عمل شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط ومراكز البحث والكليات ونجوم الرياضة والفن والموسيقى، الذين أخذوا مال السعودية وساهموا في تحسين صورتها والتغطية على أخطائها.
علما بان السلطات السعودية من بعد اقترافها الجرائم العديدة بحق أبناء شعبها وكذلك حرب الظالمة التي شنتها على شعب اليمن الفقير، ناهيك عن جريمتها بحق الصحفي المخضرم جمال خاشقجي التي هزت العالم بأسره، قامت بدفع المليارات تلو المليارات من الرشاوى والهدايا الى الكثير من مسؤولي الدول الغربية وحتى ممثلات “البورنو” حازن على نصيب الأسد من هذه الرشاوى، لكي تلمع صورتها التي تلطخت بدماء الأبرياء، الذين قتلتهم لا لذنب بل بسبب مطالبتهم ببعض حقوقهم المسلوبة التي سلبتها هي منهم.
ارسال التعليق