ما الذي يقصده بن سلمان بالإسلام المعتدل؟!
دعا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في الآونة الأخيرة إلى تبني ما أسماه "الإسلام المعتدل" في المملكة، وطالب بدعم دولي لتحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع منفتح.
وتعد هذه الدعوة هي الأكثر وضوحاً من بين ما قاله بن سلمان خلال برنامجه ((الإصلاحي ))الذي يتضمن تغييرات ثقافية واقتصادية، في وقت يسعى فيه إلى تعزيز سلطته، وتهميش دور رجال الدين الذين فشلوا في دعمه - بحسب وصفه - في إشارة إلى أنهم رفضوا تقديم الولاء المطلق له.
ومن أبرز الخطوات التي يسعى بن سلمان لتمريرها في هذا المضمار هو فكّ الارتباط بين رجال الدين المحافظين وبين عائلة آل سعود التي تدير شؤون البلاد.
ومن الخطوات الأخرى الدعوة لتخصيص منطقة سياحية واسعة على البحر الأحمر يسمح فيها بالاختلاط بين الذكور والإناث.
كما قصّت السلطات أجنحة الشرطة الدينية المعروفة بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"باعتبارها لم تعد تتماشى مع النظام الجديد في المملكة.
وشهدت السعودية الصيف الماضي توقيف رجال دين، بينهم الشيخان البارزان سلمان العودة وعوض القرني، دون أن توضح أسباب اعتقالهما.
ورأى محللون إن بعض الموقوفين معارضون للسياسة الخارجية التي تتبعها السعودية، خصوصاً في ما يتعلق بالمنطقة، بينما ينظر آخرون بريبة إلى خطوات بن سلمان التي صاحبتها إجراءات سياسية وأمنية عدّة بهدف توسيع نفوذه وتهيئة الأرضية لتولي زمام الأمور بعد وفاة والده "الملك سلمان بن عبد العزيز" الذي يعاني من المرض وكبر السن.
وقررت السعودية أخيراً السماح للمرأة بقيادة السيارة وألمحت إلى إمكانية إعادة فتح دور السينما، والسماح بعودة الحفلات الغنائية إلى دور الموسيقى في "الرياض" وعلى شاشة القناة الرسمية الثقافية.
ويعتقد المراقبون بأن الرهان على الوهابية التي اعتمدتها السعودية منذ مطلع القرن العشرين، والسعي لتصديرها إلى الخارج، لم يعد يعود عليها بمكاسب سياسية، ومن أجل ذلك بدأت السلطات بتنفيذ سياسة القمع التدريجي لرجال الدين "المتشددين"، فيما يرى آخرون بأن "الإصلاحات" التي يعتمدها بن سلمان لها أسباب عديدة، في مقدمتها الخلافات المستمرة بين العائلة الحاكمة مع الجزء المحافظ من رجال الدين، الذي ينتقد تهرب السلطة من مسؤولياتها والنكوص عن التقاليد بحجة الإصلاحات وعصرنة البلاد.
في خضم هذه الإرهاصات دعا الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن السعودي إلى عدم التسرع في الاستنتاجات، إذ إن الصورة السائدة عن المملكة، هي أنها تدعم التطرف في جميع أنحاء العالم، وذلك عبر الطلاب الأجانب، الذين تدرِّسهم في معاهدها، المبنية على منهج الوهابية. وهذه الصورة لا ينبغي الافتراض معها بأن السعودية سوف تتخلى عنها كأيديولوجية، بل إنها ترغب في جعلها مقبولة، عبر صبغها بصبغة "الاعتدال".
ومن غير الواضح تماماً ما الذي يعنيه بن سلمان عندما يتحدث عن "الإسلام الوسطي أو المعتدل"، خصوصاً وإننا نرى ملاحقة من يختلف معه في الرأي حتى وإن كان من المقربين.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد هناك شيء اسمه "إسلام معتدل" أو "إسلام غير معتدل"، فهذه مصطلحات اخترعها الغرب لتشوية صورة الإسلام الناصعة من خلال تصنيف أتباعه وفقاً لهذا التعاريف. فالمشاكل التي تقف عائقاً أمام انخراط المرأة مثلاً في كافة مجالات الحياة، لا تنبع من الإسلام وإنما من العادات المتجذرة لدى البعض،ومن الديكتاتورية التي يتسم بها ال سعود إذ لا توجد قيود في الإسلام تمنع النساء من قيادة السيارة.
وكان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يستعمل أثناء جولاته الانتخابية مصطلح "الإسلام الراديكالي" في حملته الانتخابية، وظل يكرره في مقابلاته التلفزيونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا المصطلح في الحقيقة يراد منه الإساءة للإسلام كدين، وإلّا فإن وصفه بالاعتدال تارة أو التشدد تارة أخرى لا يمكن قبوله على الإطلاق.
ولم يصف الله سبحانه الإسلام بالوسطية، بل وصف بذلك الأمة، فقال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) "البقرة: 143". ويقول المفسرون إن الله تعالى ذكره إنما وصف المسلمين بأنهم وسط؛ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو، ولا هم أهل تقصير.
فالاعتدال والتشدد لصيق بالأفراد، وعندما نشأت الفرق المنحرفة المنتسبة للإسلام لم يكن ظهورها لعيب في الدين، بل لعيب في الأفهام والعقول.
وعند التدقيق في مصطلح "الإسلام المعتدل" لا نكاد نفرق بينه وبين العلمانية؛ فهو إسلام منزوع الفاعلية والحركية، يراد منه أن يكون مجرد طقوس وشعائر لا تأثير لها في حياة الناس. وهذه ليست محاولات إصلاحية بقدر ما هي محاولات لتدجين المجتمع، والإبقاء عليه في دائرة التبعية للآخر، وفرض السيطرة الدائمة عليه.
ختاماً لابدّ من التنويه إلى أن الآلة الإعلامية التي توظفها التوجهات السياسية هي من العوامل المؤثرة في نشر هذه المصطلحات التي ينحتونها لتحقيق مآرب مريبة، ومن الأولى عدم الانسياق وراءها والمبادرة لتوضيح مقاصدها لتلافي ما تنطوي عليه من مخاطر، وهذا لايتنافى طبعاً مع أصل المطالبة بالحريات وفي طليعتها حرية التعبير عن الرأي ونبذ التمييز الطائفي والمناطقي المستفحل في البلاد.
الخلاصة:
يعتقد المراقبون بأن دعوة ولي العهد السعودي لتبني ما أسماه "الإسلام المعتدل" ترمي لتحقيق أهداف سياسة لا علاقة لها بالإصلاحات الاجتماعية بقدر ما هي دعوة للتحلل من المسؤوليات الدينية والثقافية.
ارسال التعليق