محددات النقمة “السعودية” على باكستان
لم يتمكن عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق، بعد قراره القاضي بحل البرلمان من تجنب مصير تنحيته، حيث اجتمع البرلمان الباكستاني مجددا عملا بقرار المحكمة العليا اللاغي لإجراءات خان باعتبارها غير دستوربة، وأسقط الثقة عن حكومته.
أخرجت عملية التصويت على سحب الثقة من الحكومة الباكستانية عمران خان من السلطة، وإذا صحّت اتهامات “بطل الكراكيت” لواشنطن، تكون هذه الأخيرة قد “فازت” بجولة سياسية جديدة في البلاد.
يشير تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن خطاب خان أصبح مناهضا للولايات المتحدة منذ وصوله إلى السلطة في عام 2018، كما أعرب عن رغبته في التقارب مع الصين، ثم عقد مؤخرا محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 فبراير/شباط الماضي عشية بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفيما يبدو أنه إشارة لاستياء الولايات المتحدة من بعض مواقف خان وتصريحاته، يلفت التقرير الذي نشرته الصحيفة إلى أنه بالرغم من أن الجيش الباكستاني القوي يحكم قبضته على السياسة الخارجية وعلى الدفاع، فإن خطاب خان العام الذي يتسم أحيانا بالحدة أثر سلبا على بعض العلاقات الرئيسية لباكستان.
وفي غمرة إنشغال الغرب بالحرب الدائرة مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، تبرز “السعودية” كطرف مستفيد من وصول شهباز شريف باعتباره مقربا من الرياض. ومعروف أنه بعد الانقلاب العسكري الذي قاده برويز مشرف، وأطاح بحكومة نواز شريف عام 1999، ذهب شهباز مع أسرته إلى منفى اختياري في “السعودية”.
حيث أمضى شهباز عدة سنوات قبل عودته إلى باكستان عام 2007. وكان شريف قد أكد مؤخرا على أهمية علاقة باكستان مع “السعودية”، والتي وصفها “بالصديق الصادق الوفي”.
خلفيات النقمة “السعودية” على عمران خان:
من المتعارف عليه أن تسبق فترة كل تفكك في العلاقات بين البلدان جملة من تراكم الاستياء تكون محفزًا على صراع قادم محتمل.
في العام 2015، رفضت باكستان إرسال قواتها للمشاركة في العدوان على اليمن بعد أن أصدر البرلمان الباكستاني بالإجماع قرارا يدعو إلى حياد حكومته في حرب اليمن، وقد كانت النتيجة أن شنَّ “السعوديون” والإماراتيون حملات انتقامية قاسية ضد باكستان.
غير أنه، ومع العام التالي، تم تعيين، رحيل شريف، قائدًا عامًّا للتحالف العسكري الإسلامي، وهي الخطوة التي تسببت في الكثير من الجدال، وفُسرت على أنها اتُّخذت من أجل استرضاء “دول الخليج”.
ثم في أعقاب الأزمة القطرية-الخليجية في يونيو/حزيران 2017، وعلى الرغم من الضغوط الممارسة عليها، لم تُساوم باكستان في علاقتها مع قطر. ففي سبتمبر/أيلول من عام 2017، أطلقت مجموعة بحرية، مقرها قطر، خدمة تسيير سفن/حاويات سريعة بين ميناء قاسم (في باكستان) وميناء حمد (في قطر).
أما الشوكة الأخرى التي زادت من توتير العلاقات بين الرياض وإسلام وأباد فتمثلت في حالة التعاون المتزايدة بين باكستان وتركيا؛ حيث شهد التعاون البحري بين البلدين زخمًا متزايدًا، وأبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حرصه على مشاركة بلاده في مشاريع إقامة الممر الاقتصادي الصيني. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدانت تركيا، الأعمال العسكرية الهندية في كشمير؛ الأمر الذي أدى إلى ازدياد مشاعر الرضا العارمة تجاه تركيا من قبل الباكستانيين.
بالنسبة لباكستان، كان تزايد التوافق “السعودي”-الهندي يشكِّل مصدر قلق كبير لها؛ ففي فبراير/شباط من العام 2019، وقَّع محمد بن سلمان، مباشرة بعد زيارته إلى باكستان، مذكرات تفاهم في الهند بقيمة بلغت 100 مليار دولار من الاستثمارات المتنوعة، مما دلَّ على حجم العلاقات التي تربط الرياض بنيودلهي.
وفي شهر مارس/آذار من العام نفسه، دُعيت وزيرة الشؤون الخارجية الهندية في ذلك الوقت، سوشما سواراج، لحضور اجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بالرغم من معارضة إسلام أباد لتلك الدعوة. يُضاف إلى كل ذلك، تلك العلاقة القوية التي تربط بين الهند و”إسرائيل” والقائمة على تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمن السيبراني، ومؤخرًا بناء علاقات تجارية بين البلدين.
ونظرًا للتطبيع “الخليجي” الرسمي مع الكيان الصهيوني، وما أعقبه من تزايد تأثير التدخل الأميركي/”الإسرائيلي” في شؤون “الخليج”، ما حذا بالنظام السعودي لاتخاذ موقفا رافضا لعقد اجتماع وزاري لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة قضية كشمير، على خلفية قرار الهند بإلغاء الوضع الخاص بمنطقة جامو وكشمير. يذكر أنه في أوائل عام 2019، عبَّر محمد بن سلمان عن علاقة “السعودية” ودولة باكستان بالقول: “اعتبروني سفير باكستان لدى السعودية”، وذلك أثناء زيارته الرسمية لها.
ومع ذلك، فإن هذا التصريح، لـ”ولي العهد السعودي”، انقلب، بتاريخ 5 أغسطس/آب 2020، إلى ضغط مُمارس عليه. فقد استنكر وزير خارجية باكستان، شاه محمود قرشي، في حوار تلفزيوني أُجري معه في هذا التاريخ، ما اعتبره ردًّا باهتًا وضعيفًا من منظمة التعاون الإسلامي على الانتهاكات التي ارتكبتها الهند في الجزء من كشمير الخاضع لسيطرتها، حيث كانت جمهورية الهند قد ألغت، قبل عام واحد من تاريخ إجراء المقابلة المُشار إليها أعلاه مع قرشي، المادتين 370 و35 (أ) من دستورها، مُلغيةً، بالتالي، الاستقلال الذاتي لإقليم كشمير (الخاضع للسيطرة الهندية).
وخلال ذات المقابلة، أضاف قريشي أنه في حال فشلت منظمة المؤتمر الإسلامي في “عقد اجتماع لمجلس وزراء الخارجية” في وقت قريب، فإن باكستان ستكون مستعدة للتوجه نحو البلدان التي ترغب في الوقوف معها، دون تردد، لوقف معاناة الشعب الكشميري.
تجدر الإشارة هنا إلى قمة كوالالمبور المصغرة، المنعقدة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي شاركت فيها كل من ماليزيا وتركيا وإيران، وكانت بهدف إيجاد حلول ناجعة للواقع المُربك الذي يواجهه المسلمون اليوم، غير أن القمة اعتبرتها “السعودية” إهانة وتحديًا مباشرًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ثم كان أن اضطُرَّت باكستان، تحت وطأة الضغوط “السعودية”، إلى إلغاء تمثيلها في الاجتماع في آخر لحظة.
ورغم أنّ الهدف من تصريحات قرشي، كان دقّ جرس إنذار تحذيري، لكنّها ارتدّت على باكستان بشكل قاسٍ، وترتّب عنها تداعيات غير مرغوب فيها بالنسبة لإسلام آباد.
كان من التداعيات الفورية مطالبة النظام السعودي باستعادة مليار دولار، من قروض بلغت قيمتها الإجمالية 3 مليارات دولار، كانت قدمتها إلى باكستان عام 2018.
ثم تلا ذلك امتناع الرياض، منذ شهر مايو/أيار 2020، عن تجديد تسهيلات ائتمان نفطي بلغت قيمتها 3.2 مليار دولار (وهي بدورها جزء من الصفقة المبرمة بين البلدين عام 2018).
لم تقف التداعيات عند القضايا الاقتصادية والمالية فحسب، بل لقد بلغ تدهور الوضع حدًّا شهد انتشار شائعات تروج إلى قُرب تعيين رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق، رحيل شريف، في منصب رئيس الوزراء بدلًا عن عمران خان، وذلك جرَّاء ممارسة “دول الخليج” ضغوطًا قوية على إسلام أباد.
ومع ذلك، فإن امتناع وزارة الخارجية الباكستانية عن إصدار أي بيان تنقض فيه تصريحات وزير الخارجية قُرئ على أنه دليل على الدعم الكامل الذي حظيت به ملاحظات قرشي من حكومة إسلام أباد.
أهمية باكستان كأداة “سعودية” بوجه إيران:
تعتبر دولة باكستان أساسية بالنسبة “للسعودية”، وذلك بسبب وجود عدد من قواتها ومستشاريها الأمنيين داخل أراضيها بموجب اتفاقية الدفاع المبرمة بين البلدين عام 1982.
إلا أن أحد الأسباب التي تجعل من الرياض تجزع من فكرة خسارة إسلام أباد تتمثل بالجارة الإيرانية، وكل ما يجمع العاصمة الباكستانية من حدود جغرافية ومصالح اقتصادية مع طهران.
ففي وقت مبكر، جاءت الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان، ليؤذنا بتنامي النفوذ “السعودي” في الأوساط الدينية الباكستانية.
وفي إطار سعي “المملكة” إلى مواجهة النفوذ الإيراني، فقد استثمر النظام السعودي في باكستان على مختلف المستويات السياسية والمالية والعقدية، فموَّلت المدارس الدينية المناهضة للشيعة في باكستان -والتي تم إلقاء الأضواء على طبيعتها الواسعة في البرقيات المسربة على موقع ويكيليكس. كما أن في المسيرات الجماهيرية المناهضة للشيعة، التي خرجت في مدينة كراتشي في سبتمبر/أيلول 2020، دليلًا يؤكد على عمق النفوذ “السعودي” داخل البلاد.
هناك أيضا ما يتعلق بوضع “السعوديين” إثر انسحاب أميركا وقوات الناتو من أفغانستان، فالرياض وإن بدت حتى الآن غير مَعنية بتطورات الأمور في كابل بعد سيطرة حركة “طالبان” الأفغانية على الحكم، فإنها تتطلع إلى ممارسة دور أكبر في المستقبل، أسوة بالوضع خلال عقدَيْ الثمانينيات والتسعينيات، وهو ما يعني الحاجة إلى التعاون مع باكستان.
ارسال التعليق