محمد بن سلمان يخفق في تنفيذ مشاريعه الوهمية
على طريق الملك عبد العزيز بالرياض ثمّة لافتات بارتفاع 15 قدماً تعلن عن الحدائق والقنوات المستقبلية لمنتزه الملك سلمان، وهي خطّة لتحويل قاعدة جوية في العاصمة الصحراوية في “السعودية” إلى مساحة خضراء عامة أكبر بأربع مرات من سنترال بارك في نيويورك.
بهذه المقدمة تفتتح وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية مقال للكاتبة فيفيان ناريم التي أكدت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعمل على استقطاب الأجانب والمستثمرين في مسعى لتحويل البلاد إلى نموذج آخر من دبي، مع العلم أنه أخفق حتى الآن في تحسين مناخ البلد الحار، وتأمين البيئة اللازمة لتنفيذ المشاريع التي يروّج لها بما في ذلك توفير المياه والمساحات الخضراء الكافية وخفض درجات الحرارة.
ترقّب شعب الجزيرة العربية تغييراً جذرياً خلال السنوات الخمس الماضية منذ وصول محمد بن سلمان إلى الحكم، بما في ذلك تحويل اقتصاد “السعودية” إلى اقتصاد ما بعد النفط، إنجاز مشروع مدينة “نيوم” عالية التقنية، على البحر الأحمر.
لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق حتى الآن باستثناء السماح بالاختلاط بحرية أكبر بين الرجال والنساء، وتشريع الحفلات الغنائية والموسيقية واستقطاب المغنين من مختلف دول العالم.
تقول الكاتبة، إنه من بين أكثر الخطط طموحاً تحويل الرياض إلى واحدة من أكثر مدن العالم مترامية الأطراف، لكنها تفتقد إلى نموذج الاستدامة.
وهذا يعني إنفاق عشرات المليارات من الدولارات من عائدات النفط على إعادة هندسة الحياة لسكان المدينة البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، وإضافة الأرصفة، ووسائل النقل العام، والمركبات الكهربائية وحدائق الأحياء وملايين الأشجار.
الهدف من ذلك كله، هو جعل العاصمة خضراء بما يكفي لخفض درجة الحرارة المحيطة بها بمقدار درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت)، مما يمنح المدينة أمكانات كبيرة لتغيير المناخ في منطقة تتجاوز فيها درجات حرارة الصيف 110 درجة فهرنهايت.
يريد محمد بن سلمان وفق الوكالة مضاعفة عدد سكان الرياض في غضون 10 سنوات، ثم تحويل المدينة التي كانت محافظة نسبياً بالمعايير السعودية إلى مركز أعمال إقليمي يمكنه التنافس مع دبي.
حينها سيكون من الصعب اجتذاب الأجانب المتعلمين تعليماً عالياً الذين يريدون الانتقال إلى الرياض دون جعل المدينة أكثر ملائمة للعيش، وفق الكاتبة. وفي هذا السياق، يوضح فهد الرشيد، رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض، المكلف بتنفيذ الخطة: “الفكرة بسيطة للغاية: تقليل الزحف العشوائي وضمان زيادة الكثافة في المدينة، وتم بناء المدينة بالفعل لهذا النوع من السعة – إنها ضعف حجم سنغافورة”.
المشكّكون كثيرون، بالطبع، في الداخل والخارج، ذلك أن “السعودية” هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم ولديها أعلى نسبة انبعاثات لثاني أكسيد الكربون للفرد بين دول مجموعة العشرين.
فيما تدعو خطة ولي العهد لمستقبل بلاده، المسماة “رؤية 2030” إلى صناعات جديدة من الترفيه إلى الدفاع وإصلاح كامل للاقتصاد. ومع ذلك، لا تزال ثروات البلاد ترتفع وتنخفض مع النفط، كما لا يزال ابن سلمان يحاول إعادة بناء سمعته بين المستثمرين الأجانب بعد أن قتلت قوات الأمن السعودية الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في عام 2018.
هناك أيضاً الجوانب العملية لجعل الرياض المركز العصبي “للسعودية” الجديدة، فقد تضاعف عدد سكان المدينة بالفعل 50 ضعفاً منذ عام 1950 مما أدى إلى إغلاق شوارعها واستنفاد إمدادات المياه المحدودة، وفق ياسر الششتاوي، أستاذ الهندسة المعمارية المساعد في كولومبيا الجامعة التي تركز على المدن العربية.
في الواقع، فشلت المحاولات السابقة لإعادة تشكيل الرياض في تحقيق أهدافها، بما في ذلك استراتيجية تطوير المدينة قبل 20 عامًا والتي دعت إلى العديد من التغييرات نفسها كما هو الحال اليوم.
لكن إذا نجح المسؤولون ولو جزئياً، فستقدم الرياض للعالم دراسة حالة عن كيفية تكيف المناطق الحضرية مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، بحسب الوكالة. بدوره صالح الهذلول، المهندس المعماري والمسؤول السابق في تخطيط المدن، قال: “أشك في وجود بيئة أكثر قسوة مما لدينا هنا. إذا تمكنا من القيام بذلك، فيمكن القيام به في أي مكان”.
وتابعت الوكالة، إن مشاكل الرياض هي جزئياً إرث من نموها السريع، فعندما انتقل الهذلول إلى الرياض في الستينيات، كان لا يزال من الممكن السير من جانب إلى آخر في المدينة.
قبل أن تغير الطفرة النفطية البلاد كان السكان يعيشون عادة في منازل تقليدية من الطين على طول ممرات ضيقة ومظللة.
وعلى مدى العقود القليلة التالية، كانت “السعودية” واحدة من أسرع البلدان تحضرًا في العالم.
تم إحضار مخططين دوليين بما في ذلك المهندس اليوناني “كونستانتينوس دوكسياديس” لتشكيل العاصمة حيث كافح البناة لمواكبة الطلب. أصبحت الرياض مدينة ذات شوارع واسعة تقع تحت أشعة الشمس.
ولا تزال المناظر الطبيعية تختبئ داخل القصور الملكية والمنازل الخاصة. الأرصفة مفككة أو غير موجودة، لا يمكن تصوّر الحياة بدون تكييف، ففي بعض الأحيان تحتاج إلى استدعاء سيارة أجرة فقط لعبور الشارع.
وتورد الوكالة، إن استراتيجية الاستدامة بقيمة 92 مليار دولار تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون في الرياض إلى النصف.
فيما يدعو إلى زراعة 15 مليون شجرة وزيادة استخدام المياه المعالجة للري من 11 بالمئة إلى 100 بالمئة.
يخطط المسؤولون لجعل 30 بالمئة من جميع المركبات في المدينة تعمل بالكهرباء بحلول عام 2030. ويمكن لنظام مترو شبه مكتمل أن يحمل 4 ملايين شخص يومياً.
لكن مراقبون يؤكدون عدم إمكانية تحقيق كل هذه المشاريع ليست لأنها تحتاج ميزانيات هائلة فحسب بل لأن محمد بن سلمان لا يملك حتى الآن استراتيجية واضحة لتحقيق المشاريع التي يروّج لها إنما لا تعدو أكثر من كونها حبر على ورق وتسويق لصورته أمام الغرب.
ارسال التعليق