مشتركو بي إن سبورتس القطرية بالسعودية ضحايا الأزمة الخليجية
"أحب برشلونة وأريد أن أشاهد مبارياته بسهولة على التليفزيون، كمشجع للكرة وقعت ضحية لأزمة سياسية لا دخل لي بها"، بتلك الكلمات شرح المحامي السعودي "عبدالرحمن" معاناته في سبيل متابعة الرياضة والنادي الذي يعشقه.
"عبدالرحمن"، مشجع نادي برشلونة الإسباني، استطاع تجديد اشتراكه في قنوات "بي إن سبورتس" بصعوبة عبر صديق في الكويت، وهو يعتبر أنه "ضحية" لأزمة الخليج التي كان من نتائجها حظر عمل الشبكة القطرية في المملكة.
يفسر "عبدالرحمن" سبب لجوئه لتلك الطرق الملتوية بقوله: "مشاهدة المباريات عبر الإنترنت غير مريحة لا أضمن أنني اشاهد المباراة كاملة بسبب تذبذب البث التدفقي".
وقال "عبدالرحمن" (25 عاما) إن "بي إن سبورتس تغطي جميع الدوريات والبطولات. هي الكل في الكل في الرياضة".
وتابع الشاب النحيل الذي فضّل ذكر اسمه الأول فقط لحساسية الأمر: "لا أستطيع الاستغناء عن بي إن سبورتس فهي تعمل 24 ساعة تقريبا في المنزل".
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/حزيران 2017 علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وفرضت عليها حصارا اقتصاديا، واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم جماعات إسلامية متطرفة والتقارب مع إيران، وهو ما نفته قطر.
وتحتفظ الشبكة القطرية بالحقوق الحصرية لبث معظم البطولات الرياضية العالمية والقارية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يجعل الاشتراك فيها أمرا إلزاميا للمتابعين الشغوفين بكرة القدم والرياضات العديدة.
ويواجه مشتركو "بي إن سبورتس" بالمملكة صعوبات جمة في تجديد اشتراكاتهم، إذ حظرت الرياض بيع وتوزيع أجهزة الشبكة في السعودية فور اندلاع الأزمة.
وفرضت السعودية التي تمتلك قنوات رياضية لكنها لا تملك الحقوق لبث البطولات الدولية الكبرى، حظرا على المواقع الإلكترونية القطرية كما حظرت التحويلات المالية عبر الإنترنت للمصارف والشركات القطرية.
وقال "عبدالرحمن" طالب الدراسات العليا في القانون: "اضطررت لإرسال حوالة مصرفية لصديقي في الكويت ليجدد بطاقة اشتراكي من هناك"، موضحا أن الأمر كلّفه مبلغا ماليا إضافيا.
وجدّد المهندس المصري "عبدالمنعم" اشتراكه عبر الالتفاف على القيود الالكترونية والمصرفية المفروضة على الشبكة، شأنه شأن مئات السعوديين الآخرين.
وقال "عبدالمنعم" الذي اكتفى بذكر اسمه الأول أيضا، وهو يتابع مباراة لفريقه المفضل الزمالك المصري في بطولة أفريقيا عبر القناة ذات الشعار القرمزي: "تجاوزت الحجب على موقع الشبكة عبر استخدام برنامج في بي إن (شبكة خاصة افتراضية) ثم تجاوزت الحظر على التحويلات المالية عبر الدفع عن طريق خدمات الدفع (باي بال)".
وأكّد سعودي وأردني أنهما قاما بالأمر نفسه رغم "تعقيده".
وأغلق موزعو الشبكة الستة في السعودية منافذهم وبات من المستحيل رؤية شعار الشبكة القطرية في الشوارع أو على واجهات المقاهي والمطاعم.
واضطر موظف سعودي اكتفى بذكر لقبه "أبوإياد" (45 عاما) ومشجع لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي ورياضة الإسكواش لتجديد الاشتراك عبر الموقع الإلكتروني للشبكة في الجزائر، لكن تعذر عليه الوصول إليه من السعودية لاحقا.
وقال الرجل وهو يلتقط أنفاسه إثر مباراة إسكواش في مجمع رياضي فخم في الرياض: “أعشق الكرة الأوروبية والإسكواش وبالتالي لا بديل عن بي إن سبورتس“.
شارع إبليس
أدت الأزمة إلى ظهور سوق سوداء لتجديد اشتراكات الشبكة عبر وكلاء متخصصين لكن بمبالغ أعلى.
وتنتشر محال مستلزمات أطباق الأقمار الصناعية على طول شارع الحمداني في حي السليمانية في الرياض الذي يطلق عليه السعوديون منذ عقود تندرا اسم "شارع إبليس" في إشارة لمساوئ محتوى بعض القنوات الفضائية.
وما إن تتوقف بسيارتك قرب هذه المحال، حتى يأتيك وكلاء وغالبيتهم آسيويون هامسين: "هل تريد تجديد بي إن سبورتس".
وفيما يكلف الاشتراك السنوي الرسمي في الباقة الرياضية الكاملة حوالي 1125 ريالا (نحو 300 دولار)، كان أقل سعر يمكن الحصول عليه من الوكلاء 1400 ريال.
ولا تحمل واجهة أي محل أي إشارة لشعار الشبكة القطرية، كما يتم تداول المسألة بين الرواد بحيطة وحذر واضحين بسبب حظر الشبكة.
وأكّد مدير أحد المحلات وهو عربي اثناء التفاوض على تجديد اشتراك: "غير مسموح لنا التعامل علنا في ما يخص بي إن سبورتس".
وتابع الرجل الخمسيني: "لا يمكن التعامل مباشرة من السعودية مع الشبكة في قطر لذا نقوم بدور الوسيط".
لكنّه أوضح: "يمكننا أن نجدد الاشتراكات الحالية عبر وكلاء في الخارج أو نجلب أجهزة استقبال جديدة" عبر "التهريب"، دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.
ولم ترد السلطات السعودية على أي أسئلة بشأن احتمال رفع هذا الحظر ومدى تأثيره على محبي الرياضة.
ضحية أزمة سياسية
وتتهم قطر السعودية بتنظيم "قرصنة جماعية" لبرامجها عبر مشغل الأقمار الصناعية "عربسات" وقناة تليفزيونية تدعى "بي آوت كيو" انطلقت اثر أزمة الخليج، لكن الرياض وعربسات ينفيان ذلك.
وتوقف البث التليفزيوني لـ"بي آوت كيو" في أغسطس/آب الفائت لكن بثها الإلكتروني لا يزال مستمرا.
وأوضح مدير مقهى في جنوب الرياض يدعى "محمد": "لفترة طويلة كان التعامل مع بي إن سبورتس هنا كالتعامل مع المخدرات"، مشيرا إلى أنّ السلطات صادرت أجهزة استقبال الشبكة القطرية فور بدء الأزمة.
وأوضح "محمد" أنه أجبر على على تشغيل "بي آوت" وهو ما لم يعجب زبائنه الذين يأتي غالبيتهم لمشاهدة الشبكة القطرية التي وصفها بأنها "شريان الحياة" لمقهاه.
وقال متحدث باسم الشبكة إن "السعودية كانت أكبر سوق لنا في الشرق الأوسط وبهامش كبير"، لكنه أحجم عن تقديم أرقام محددة، بحسب "فرانس برس".
وأوضح أن الشبكة تطالب بتعويضات تحكيم دولي من السعودية تصل إلى "مليار دولار لستة أشهر" وهو ما يشمل "خسارة المشتركين والإعلانات والمصاريف القانونية والتكنولوجية الباهظة" التي تكبدتها.
ورفعت الشبكة 4 قضايا تحكيم ضد الرياض منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكن الإجراءات القانونية ستستغرق وقتا طويلا قبل الوصول لقرار.
واضطرت الشركة لتسريح 20% من موظفيها في المنطقة بسبب خسائرها، حسب المصدر نفسه الذي أكّد أن "الضحايا الحقيقيين في كل ذلك هم عشاق الرياضة السعوديون".
ولجأ بعض المتابعين لمشاهدة المباريات إلكترونيا سواء عبر روابط مسروقة أو "بي آوت كيو".
ارسال التعليق