هل ترفع زيارة بن سلمان قلق العائلة من الزوال
زيارة بن سلمان لأميركا...والقلق السعودي على مستقبل النظام
کعادته، سوق الإعلام السعودي ونظيره العربي والغربي الدائر في فلكه، لزيارة محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع للولايات المتحدة كثيراً، وذهب محللو السعودية يميناً وشمالاً في انجازات هذه الزيارة ومآثرها،وقدرة بن سلمان على ما اسماه هذه الإعلام تصويب العلاقات الأمريكية السعودية التي يشوبها التوتر خلال الفترة الأخيرة...
وبعيداً عن انفعالات الإعلام السعودي وتطبيلة لزيارة بن سلمان،فأن هذه الزيارة جاءت في ظروف حساسة جداً ومقلقة بنفس الوقت بالنسبة للنظام السعودي، ويمكن تلخيص هذه الظروف، في ثلاثة أمور هي :
1- تراجع أهمية النظام السعودي في الاستراتيجية الأمريكية، فكل المعطيات والملفات...تؤشر بوضوح أن النظام السعودي بات لا يشكل الأولوية في اهتمامات الإدارة الأمريكية، لا يعني ذلك أن الإدارة الأمريكية بدأت تتخلى عن النظام السعودي، إذ مادام هذا الأخير يقدم الخدمات للسيد الأمريكي فسيتواصل الالتزام الأمريكي بحمايته،لكن من الواضح أن الحماس الأمريكي السابق في عسكرة الجيوش ودق طبول الحرب من أجل رغبات النظام السعودي تراجعت إلى حد كبير، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبصراحة في مقابلته مع مجلة أتلنتيك الأمريكية قبل أكثر من شهر ونصف، حيث قال يريدوننا أن نخوض نيابة عنهم حرباً طائفية في المنطقة ضد إيران وذكر السعودية ودول الخليج العربية الأخرى. في إشارة إلى طلب السعودية من أمريكا التورط في الحرب السورية ضد الرئيس الأسد، وكذلك إسقاط الحكومة العراقية وإقامة نظام موال للسعودية...وقبل إشارة اوباما الآنفة، كان نائب الرئيس جوزيف بايدن قد أتهم السعودية وقطر والإمارات صراحة بأنها وراء عدم الاستقرار الأمني في العراق، وأنها المسؤولة عن التفجيرات التي تستهدف المدنيين بالمفخخات والمتفجرات وتحصد مئات الأرواح البريئة من أبناء الشعب العراقي،ما يعني ذلك، أن أولويات واشنطن في المنطقة هي غير أولويات نظام آل سعود، فهذا الأخير يتعامل مع أوضاع المنطقة بهاجس الخوف والهلع على مستقبل النظام السعودي، بينما الاميركان يرتبون أولوياتهم على أساس مصالحهم الأستراتيجية بدون النظر إلى مستقبل هذا النظام الحليف أو ذاك. ويجمع أكثر المحللين على أن تراجع السعودية في الاهتمام الأمريكي مرده في جزء كبير منه إلى اكتشاف النفط الصخري في أمريكا،حيث يقولون، أن بإمكان الأخيرة الاستغناء عن النفط السعودي. وإذا كان اكتشاف النفط الصخري في هذا التراجع أو لسبب آخر،فأن آل سعود توجسوا خفية من هذا الوضع المستجد، سيما وهم لاحظوا بأم أعينهم أن الأمريكي تخلى عن الحليف حسنى مبارك حاكم مصر، وتخلى عن زين العابدين بن علي والقذافي، لذلك هالهم هذا الوضع سيما في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات ومن موجة حراك شعبي أطاحت بأكثر من نظام في المنطقة.
2- تصاعد كراهية الأوساط الأمريكية للنظام السعودي، فمنذ أحداث الحادي عشر من ستمبر2001 ولحد الآن، ينظر الأمريكان إلى النظام السعودي على انه هو المسؤول عن انتشار الإرهاب التكفيري سيما بعد ما خرج هذا الإرهاب من دائرة السيطرة والتوظيف والتوجيه الأمريكية، إذ أن هذا الإرهاب هو نتاج جهد مشترك سعودي أمريكي صهيوني، لكن الولايات المتحدة بعد أن وظفت هذا الإرهاب الذي تمثله قطعان الوهابية، أرادت ومازالت التخلص من مسؤولية ما يرتكبه هذا الإرهاب بحق الشعوب والأمم، بما فيها الأمم الاوروبية والأمريكية نفسها. فمنذ فترة أثيرت قضية تورط النظام السعودي في أحداث 11ستمبر وقيل إن هناك 28صفحة ترتبط بدور السعودية أخفيت من التقرير الضخم الذي أعدته المخابرات الأمريكية حول الأحداث المشار إليها، ثم صوت الكونغرس الأمريكي على قانون يجيز لذوي ضحايا تفجيرات 11سبتمبر مقاضاة السعودية والمطالبة بالتعويضات اللازمة، كما أن أكثر من مسؤول أمريكي قال صراحة أن النظامين السعودي والقطري هما وراء انتشار الفكر الوهابي التكفيري من خلال دعم الإرهابيين في سوريا والعراق وليبيا، ومن خلال انتشار المدارس الوهابية في العالم والممولة من النظام السعودي.حتى مرشحي الرئاسة الأمريكية اتهموا النظام السعودي برعاية التطرف والإرهاب، فبعد مذبحة اورلاندو بولاية فلوريدا، على يد شاب أمريكي من أصل أفغاني قالت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية، على السعودية ودول عربية وخليجية أخرى وقف دعم ما سمته المساجد الداعمة للتطرف في العالم...أما المرشح الجمهوري دونالد ترامب فقال أتقدم بالشكر لكل المهنئين لي، لأنني كنت على حق بالتحذير من ما اسماه التطرف الإسلامي وكان ترامب قد توعد بمنع المسلمين من الدخول إلى أمريكا من دول راعية للإرهاب في إشارة إلى المملكة السعودية. والى ذلك فأن الصحافة الأمريكية فضلاً عن نظيرتها الغربية تتناول دور النظام السعودي في رعاية الإرهاب بشكل يكاد يكون يومي، وكل ذلك خلق أجواءاً عدائية للنظام السعودي في الولايات المتحدة نفسها وفي الدول الغربية أيضاً. وللإشارة فقد كشفت وكالة سبوتنيك، وهي اكبر المؤسسات الإعلامية الروسية أن استطلاعاً للرأي قام به المعهد البريطاني populus في الولايات المتحدة قبل حصول مجزرة اورلاندو، ويؤكد ان68%من الأمريكيين ضد أي دعم أمريكي للعربية السعودية.
3- التبرم الأمريكي من فشل السياسات السعودية....فمما هو معروف، أن النظام السعودي وعد الأميركان باحتلال اليمن وإسقاط نظام أنصار الله وحلفائهم خلال سبعة أيام أو عشرة على أكثر تقدير،كما قال رئيس أركان الجيوش الأمريكية السابق كولن باول متهكماً ومنتقداً بن سلمان الذي قال انه لا يفهم في الحرب...واليوم مرت على هذا العدوان أكثر من سنة بينما مازالت الحرب مستعرة والنظام السعودي وحلفاؤه يتكبدون الخسائر الفادحة تلو الخسائر، بل توغل أنصار الله والجيش اليمني في عمق جيزان وعسير ونجران التي هي مناطق يمنية سيطر عليها النظام السعودي بالقوة وبموجب اتفاقيات جائرة في بداية القرن الماضي. ووعد بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية السابق وسفير السعودية السابق في واشنطن بأنه سيقلب الطاولة على إيران وعلى حليفها الأسد وسينهي الحرب بسرعة ورغم أن بن سلطان جلب الآلاف من القطعان لسوريا وللعراق، الّا أن بندر فشل في تحقيق الوعود التي قطعها للاميركان...ليس هذا وحسب، وانما ارتكب النظام السعودي جملة أخطاء في سياساته كبدت الولايات المتحدة أثمان هي في غنى عنها وعرضتها للإحراج أمام الرأي العام الأمريكي والغربي.
على خلفية هذه الأجواء،يمكن القول إن الإدارة الأمريكية هي التي أوعزت إلى الأمين العام الأمم المتحدة بان كي مون لوضع السعودية في قائمة العار، للأطراف التي ترتكب جرائم بحق الأطفال في الحروب، وما يعزز هذا الرأي هو تأكيد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بتعرض بان كي مون لضغوط سعودية وتهديدا سعودي بقطع الأموال عن المنظمة الدولية أن هو لم يسحب السعودية من قائمة العار المشار إليها. ما يؤشر ذلك إلى التبرم الأمريكي وعدم الرضا من النظام السعودي ومن سياساته المتهورة.
بن سلمان ومهمة حماية النظام السعودي من الانهيار
في ضوء الأجواء الأمريكية المشار إليها، أدرك آل سعود، أنهم باتوا في خطر فهم متورطون بالحرب عبر قطعانهم الإرهابية في سوريا، وفي العراق، والأخطر من ذلك تورطهم في حرب اليمن التي باتت تستنزفهم عسكرياً واخلاقياً واقتصاديا إلى حد بدأ هذا الاستنزاف يترك تداعيات وانعكاسات داخلية وخارجية في غاية الخطورة، لعل منها تظافر الأصوات الغربية الداعية إلى ردع هذا النظام وقطع الأسلحة عنه حتى لا يرتكب جرائم بحق الإنسانية عبر احتضانه الإرهابيين وعبر شنه الحرب على الشعب اليمني الفقير والمظلوم، لذلك جاءت زيارة بن سلمان لتلمس الوسائل لتحصين النظام من السقوط والانهيار، لكن بن سلمان يدرك أيضاً أن إعادة النظام السعودي إلى موقعه السابق عند الاسياد الأمريكان، بأنه النظام المدلل أمريكياً، أمراً صعباً، لهذا مهد لهذه الزيارة بالتسليح بأمرين من اجل كسب رد الأمريكان وحملهم على الدفاع من النظام السعودي وتوفير الحماية له، هما:
1- التحالف مع الكيان الصهيوني،والتنسيق معه بشأن التعاطي مع ملفات المنطقة، والاستعانة في حماية النظام نفسه،حيث تشير التقارير الواردة من السعودية أن ابن سلمان لديه ثلاثة مستشارين يهود صهاينة من ذوي الخبرة، هم الذين يوجهون بن سلمان ويرسمون له مسارات السياسة السعودية، بالشكل الذي يتواءم مع المصالح الصهيونية..أما قصة التقارب والتطبيع والتنسيق مع العدو الصهيوني فقد باتت معروفة للقاضي والداني، في ظل اللقاءات والمناظرات بين المسؤولين السعوديين والمسؤولين الصهاينة، والمتكررة في أمريكا وفي بعض الدول الغربية وحتى في الأردن، وبات المسؤولون السعوديون لا يخجلون ولا يشعرون بالحرج من علنية هذه اللقاءات والمناظرات، وبرز فيها من الجانب السعودي المقرب من البلاط السعودي ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الجنرال السعودي، أنور عشقى، وكذلك الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وسفير النظام السعودي الأسبق في واشنطن ولندن، ومن الجانب الإسرائيلي برز المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الصهيونية والمقرب جداً من نتنياهو دوري غولد، ووزير الدفاع قبل استقالته موشه يعلون ومسؤولون صهاينة آخرين بينهم رئيس الموساد السابق بن غانتس الذي قال بانه زار السعودية مرات عديدة، وبعد هذه اللقاءات التي تحدث فيها المسؤولون السعوديون صراحة عن رغبة السعودية في التطبيع مع الكيان الصهيوني والتنسيق معه بصدد مواجهة عدو مشترك هو إيران وحزب الله اللبناني والحكومة السورية، إذ وافق نتنياهو على ما يسمونها المبادرة العربية، وللإشارة أن المسؤولين الصهاينة تحدثوا كثيرا عن التنسيق والتطبيع مع الحكومة السعودية وعن إنشاء " تحالف سني إسرائيلي"ضد إيران وحلفائها، بما فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال إن السعودية بات اهتمامها منصب على كيفية مواجهة إيران،أما القضية الفلسطينية فأصبحت في ذيل قائمة الاهتمامات السعودية. هذا وأشارت مصادر أردنية وعربية إلى أن بن سلمان كان قد التقى نتنياهو حينما انتقل من القاهرة إلى عمان في الزيارة الأخيرة للملك سلمان مع ابنه لمصر والتي حصل فيها على جزيرتي تيران وصنافير. السعوديون بات همهم الحفاظ على نظامهم المهزوز والغارق في الأزمات من خلال التحالف مع العدو الصهيوني،ضاربين بعرض الحائط ما يلحق بسمعتهم من إساءات ومن سقوط لشعاراتهم الإسلامية ومن انكشاف لزيف ادعاءاتهم الإسلامية، حيث يعتقد هؤلاء أن النظام الصهيوني يمكن أن يقدم لهم الحماية، كما يشكل البوابة لكسب ود الإدارة الأمريكية من خلال اللوبي الصهيوني في أميركا والذي ينفذ طلبات ورغبات إسرائيل في الولايات المتحدة.
2-أما السلاح الثاني الذي تسلح به بن سلمان في زيارته الحالية لكسب ود الاميركان فهو الاقتصاد بفتح الساحة السعودية أمام الشركات الأمريكية للعمل والاستثمار في السعودية ضمن ما يسمونه رؤية2030، التي طرحها بن سلمان للانتقال بالسعودية من الاعتماد على النفط الى الاعتماد على مصادر اقتصادية غير النفط كالتصنيع والزراعة والتجارة وما إلى ذلك...وفي هذا السياق يقول رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية المعروفة اختصاراً ب (( سابران)) سلمان الأنصاري " زيارة ولي العهد لأميركا ستكون لها مفاجئات اقتصادية كبيرة تفيد الطرفين " رئيس مركز سابران،أكد ان هناك رغبة حقيقية من الجانبيين السعودي والأمريكي لتفعيل ما تم الاتفاق عليه في سبتمبر الماضي خلال زيارة " خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأميركا، وفتحه الأبواب الاقتصادية أمام المستثمر الأمريكي ".ويضيف الأنصاري قائلاً " كانت قد وضعت السعودية خلال الأسابيع الماضية أولى خطوات شراكاتها الاستراتيجية بعيدة المدى مع اثنتين من كبرى الشركات الأمريكية، وهي شركة جنرال الكتريك والتي تبلغ قيمة الصفقة معها نحو 11مليار ريال للإسهام في تنفيذ الرؤية السعودية 2030 وشركة أوبر التي دخل صندوق الاستثمارات السعودي فيها كأكبر الاستثمار دولي بقيمة 5/3مليارات دولار ". الأنصاري لم يتمكن من التنبوء بحجم أو ماهية الشركات التي سيتم الدخول معها بشراكات اقتصادية استراتيجية، ولكنه أوضح أن ما سيجري سيكون مفاجأة، لافتاً إلى أن البترول لم يعد العملة النادرة، مشدداً على أهمية مثل هذا النوع من الشركات لإطالة أمد ومدى العلاقات السعودية الأمريكية. (موقع شؤون خليجية 2016-6-14).
وفي هذا الصدد أيضاً يقول الكاتب العراقي طاهر علوان في مقالته حول الزيارة التي نشرها موقع العرب اون لاين يوم 15-6-2016... " محللون ذهبوا إلى أن الأمير السعودي يتجه نحو شراكات استراتيجية ستشكل وجه الحياة الاقتصادية للملكة خلال العقود المقبلة، وانه يراد أن تكون الولايات المتحدة طرفاً مساهماً فعالاً في صوغ صورة الغد الذي تريده المملكة ".
والى ذلك،فأن صحيفة الحياة السعودية، نقلت في عددها يوم 10-6-2016 عن الخبير السياسي في مركز التقدم الأمريكي بريان كاتوليس قوله لها " أن زيارة الأمير محمد بن سلمان تختلف عن الصورة التقليدية للزيارات السابقة،كونها تخرج عن السياق السياسي وستشمل محادثات اقتصادية وتكنلوجية في نيويورك و كاليفورنيا".
المحللون يقولون أيضاً أن بن سلمان سوف يوظف فتح أبواب البلاد أمام الاستثمارات الأمريكية من جانب الشركات الأمريكية العملاقة وصاحبة الصوت المسموع والمؤثر في القرار الأمريكي، في تسويق نفسه على انه الشخص المناسب لتولي عرش المملكة بعد أبيه، ولهذا جاءت زيارته لأميركا منفردة دون اصطحاب محمد بن نايف أو حتى أبيه، كما حصل في الزيارتين السابقتين...لكن السؤال هل يستطيع بن سلمان تغيير أجواء العداء الأمريكية لآل سعود، وهل سيعيد مكانة العائلة السعودية في الاهتمام الأمريكي؟ بعض المحللين يقول انه بات من الصعوبة بمكان تحقيق هذا الأمر لأن النظام السعودي بات يشكل عبئاً على الولايات المتحدة بسياساته الحمقاء وبرعاية للإرهاب التكفيري،لكن محللي النظام السعودي يقولون إن بن سلمان قادر على تصويب بوصلة العلاقات السعودية الأمريكية على الصعد الاستراتيجية، على أن الأمر يحتاج إلى الصبر ومضى بعض الوقت حتى تتغير تلك الأجواء، وفي كل الأحوال يمكن القول إن النظام السعودي اهتزت صورته إلى حد كبير، وبذهابه إلى التحالف مع العدو، والتماس الحماية من أمريكا، فإنه زاد من الأخطار التي تتهدد هذا النظام، وليس في تحصينه من هذه الأخطار، سيما الأخطار الداخلية التي أشار إليها الرئيس الأمريكي باراك اوباما في احدى تصريحاته حول النظام السعودي.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق