هل يصمد مسار التحسن في علاقات تركيا مع دول الخليج؟
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، استضافت أنقرة "محمد بن زايد"، الحاكم الفعلي للإمارات. وفي فبراير/شباط 2022، زار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الإمارات. ويمثل التقارب بين أبوظبي وأنقرة منعطفا حادا بشكل خاص؛ لأن "أردوغان" سبق أن اتهم الإمارات بالوقوف وراء محاولة الانقلاب ضده عام 2016.
وخلال زيارته إلى تركيا، تعهد "بن زايد" باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا، وفي يناير/كانون الثاني 2022، اتفق البلدان على مقايضة بقيمة 5 مليارات دولار.
وأثناء زيارة "أردوغان" إلى أبوظبي بعد ذلك، تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات بين البلدين، بما في ذلك الاستعدادات للتعامل مع الكوارث الجماعية، وتغير المناخ، والتعاون الأولي في صناعة الدفاع.
علاوة على ذلك، قررت السلطات القضائية التركية في أبريل/نيسان 2022، في قرار غير معتاد، تعليق الإجراءات القانونية بشأن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" وإحالتها إلى السعودية.
وجاء هذا القرار بعد حوار استمر لمدة عام بين أنقرة والرياض كان عبارة عن إجراء تمهيدي قبل زيارة "أردوغان" الأولى إلى المملكة منذ عام 2017 في 28 أبريل/نيسان 2022، والتي تضمنت لقاء الملك "سلمان" ونجله مبس.
لقد كانت تركيا هي التي بدأت في إبداء حسن النية للرياض وأبوظبي كجزء من جهد لتحسين علاقاتها مع جوارها الإقليمي، الذي شمل إسرائيل ومصر أيضا.
ويبدو أن الدافع الرئيسي لمحاولات أنقرة للتقارب مع دول المنطقة مرتبط بحاجتها إلى تحسين وضعها الاقتصادي، وقد تطورت هذه الجهود على خلفية تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، واتفاق التسوية في الخليج بين قطر وجيرانها؛ ما يتيح عمليا مزيدا من المرونة الدبلوماسية بين الجانبين.
ومن وجهة نظر تركيا، فإن حقيقة أن أبوظبي فرضت قيودا على زعيم المافيا التركية "سيدات بيكر"، الذي اختبأ في أراضيها وبث مقاطع فيديو أحرجت الحكومة في أنقرة، كان أيضا أمرا بالغ الأهمية لتغيير السياسة تجاه الإمارات.
وكان تنسيق المواقف بشأن الأحداث في اليمن دليلا آخر على حدوث تغيير في العلاقات بين الجانبين؛ حيث أدت هجمات الحوثيين ضد الإمارات والسعودية في يناير/كانون الثاني 2022 إلى إدانة وزارة الخارجية في أنقرة للهجمات، ولأول مرة تدعوها بـ"الأعمال الإرهابية".
خلفية التوترات:
وبغض النظر عن قطر، ترى دول الخليج أن تركيا تحت حكم "أردوغان" لاعبا مزعزعا للاستقرار، وله تطلعات عثمانية جديدة تدعم حركات الإسلام السياسي بالمنطقة.
وفي أعقاب تداعيات الاضطرابات الإقليمية، برزت مخاوف بشأن تركيا في ضوء دعمها لأطراف مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وتحديدا الإخوان في مصر وحماس في غزة.
وتشكل هذه السياسة التركية تهديدا لدول الخليج، ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن الأهم على الساحة الداخلية.
وفي أوائل العقد الماضي، كانت هناك محاولة لتوطيد العلاقات بين تركيا ودول الخليج في ظل رغبة السعودية في ضم أنقرة إلى المعسكر المناهض لإيران. حتى أن تركيا أعلنت دعمها للسعودية في المراحل الأولى من الحرب في اليمن.
علاوة على ذلك، انضمت تركيا إلى التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، الذي أنشأه "بن سلمان" عام 2015. وأجرى قادة الدول زيارات رسمية حظيت بتغطية إعلامية جيدة، وأنشأوا مجلسا للتعاون الاستراتيجي بينهم.
وكان هذا التقارب مؤقتا. فقد شكلت تطلعات تركيا الإقليمية مشكلة بالنسبة لمعظم الأطراف السنية الرئيسية، وكل منها لا يزال يرى نفسه على أنه يستحق القيادة الإقليمية.
نتيجة لذلك، تنافست أنقرة وأبوظبي والرياض مع بعضها البعض على تشكيل النظام الإقليمي، ودعمت الأطراف المتحاربة في صراعات مختلفة، بما في ذلك الحرب الأهلية في ليبيا.
وكانت سياسة أنقرة الحازمة ودعمها للإخوان المسلمين وقطر مصدر توتر مستمر بين الدول الـ3. وإلى جانب إنشاء القواعد العسكرية والموانئ ودعم الوكلاء، حاولت الدول تشكيل تحالفات، وإن كانت فضفاضة في بعض الأحيان، من أجل تحقيق مصالحها.
وفي هذا السياق، شهدت الأعوام الأخيرة مزيدا من دفء العلاقات بين الإمارات والسعودية من جهة، وبين اليونان وقبرص الرومية من جهة أخرى.
التحديات المقبلة:
ويبدو أن الحوار الحالي يركز على التعاون الاقتصادي، مع ترك الجوانب السياسية المركزية مفتوحة، إلى جانب الشكوك الأساسية المتبادلة فيما يتعلق بطموحات ودوافع الجانبين على المدى الطويل.
وبالنسبة للإمارات، من الواضح أن تحسين العلاقات مع أنقرة يتوافق مع خططها لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستفادة من الموقع الجغرافي لتركيا لتحقيق هذه الغاية.
وتحتاج أنقرة، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بها، إلى استثمارات خارجية. وفيما يتعلق بالسعودية، تريد تركيا إعادة دخول السوق المحلية لأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز السياحة، وربما حتى بيع سلاحها للمملكة.
وإضافة إلى ذلك، فإن الافتراض السائد في السعودية والإمارات هو أن أنقرة السنية يمكنها على الأقل موازنة قوة إيران الشيعية.
وتشعر دول الخليج بالقلق من التوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكنها تخشى أيضا، على سبيل الانتقام، أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، فقد توسع طهران أنشطتها العدوانية.
وفي حين أن تصور أنقرة الذاتي كقوة إقليمية لديها تطلعات لتوسيع نفوذها كان أحد أسباب العداء بين تركيا ودول الخليج في العقد الماضي، فإن هذا المنظور تغير بشكل واضح في الخليج؛ ما انعكس في محاولة التقارب مع تركيا هذه المرة كثقل موازن لإيران.
ومن المشكوك فيه أن تشارك أنقرة هذا المنظور الاستراتيجي. وبالرغم من التوترات الدورية مع طهران، فإن السياسة التركية تجاه إيران مختلفة. لذلك، من المفترض أن يشكل هذا الانقسام مصدر خلاف بين الجانبين في المستقبل.
وإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن تتحقق التوقعات في الخليج بحدوث تغيير استراتيجي في نهج تركيا الإقليمي. فلا يزال الوجود العسكري التركي في الخليج وتدخلها في ليبيا والبحر الأحمر يشكل تهديدا.
وفي الواقع، فإن الانفراجة بين أنقرة وأبوظبي مدفوعة جزئيا بالتوازن الدقيق الذي نشأ في أعقاب المناقشات بين القوى المتنافسة في ليبيا، التي تمكن الأطراف الخارجية مؤقتا من تعديل سياستها.
وبالنسبة للسعودية، سيكون من الضروري معرفة ما إذا كانت أنقرة ستظل ثابتة في دعمها لسياسات الرياض الإقليمية.
ومن جانبها، تتقدم الرياض بحذر وتدريجيا أكثر من أبوظبي تجاه تركيا، بينما تواصل حوارها مع أنقرة.
وفي مايو/أيار 2021، زار وزير خارجية تركيا السعودية، بعد مكالمة هاتفية بين الملك "سلمان" و"أردوغان".
وفي مارس/آذار 2022، التقى وزيرا خارجية البلدين، واتفقا على "تحسين العلاقات".
ويبدو أن الحوار نجح في خفض مستوى التوتر إلى حد ما، لكن التنافس الشخصي بين "أردوغان" و"بن سلمان" سيستمر في إبطاء تطوير العلاقات حتى بعد زيارة "أردوغان" للمملكة.
وكذلك ليس من الواضح، كما تتوقع أبوظبي والرياض، ما إذا كانت أنقرة ستنجح في استعادة علاقاتها مع مصر في ظل صعوبة الاعتراف بشرعية نظام الرئيس "عبد الفتاح السيسي".
ومع ذلك، هناك تقدم في هذا السياق أيضا. وترددت أنباء من الجانب التركي عن تعيين سفير في القاهرة بعد 9 أعوام على طرد السفير السابق من البلاد، وعن زيارة مخططة لوزير الخارجية المصري إلى تركيا.
وإضافة إلى ذلك، فإن استعداد أبوظبي للعمل من أجل إعادة التأهيل السياسي لنظام "الأسد" في سوريا هو تطور أُجبرت أنقرة على قبوله على مضض، لكن جمود الحرب الأهلية السورية يمكّن الطرفين من الامتناع مؤقتا عن الصراع حول هذه القضية.
ومن وجهة نظر تركيا، تتمتع دول الخليج بنفوذ كبير عليها يتمثل في توثيق علاقاتها مع اليونان وقبرص الرومية، وخاصة مع إسرائيل.
ففي سياق شرق البحر الأبيض المتوسط، تواصل تركيا تقديم مواقف لا هوادة فيها تجاه قبرص الرومية واليونان، وقد تؤدي التطورات في هذا المجال أيضا إلى تفاقم التوترات بين أنقرة وأبوظبي.
ولا تنظر قطر بإيجابية إلى التقارب الواضح بين تركيا وأبوظبي والرياض والقاهرة؛ حيث لا تزال الخلافات قائمة بينها وبين جيرانها، ولا يزال التنافس الإقليمي على النفوذ قائما.
ويبدو أن قطر قلقة من فقدان دورها الفريد مع تركيا في الخليج؛ حيث تستضيف الإمارة قاعدة عسكرية تركية.
كما اتخذ الجانبان مواقف مختلفة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع القضية الفلسطينية الإسرائيلية، خاصة بعد توقيع "اتفاقيات إبراهيم". وكانت تركيا من بين الذين استنكروا التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج، بل وهددت باستدعاء سفيرها من أبوظبي بعد توقيع الاتفاقات.
ولم يتم تنفيذ التهديد، ويبدو أن عملية التطبيع دفعت أنقرة بالفعل إلى الاعتراف بقيود موقفها العدائي والانضمام إلى التيار.
ومع ذلك، فإن التصعيد الكبير في الساحة الفلسطينية الإسرائيلية قد يخلق ضغطا من أنقرة على الإمارات لتهدئة علاقاتها مع إسرائيل.
وبصرف النظر عن هذا، فإن النجاح في الانفراجة بين تركيا والإمارات قد يؤدي إلى تهدئة معينة في العلاقات بين إسرائيل والإمارات، التي حددت هدفا يتمثل في الدخول في حوار مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة ولا يمكنها إظهار مواقف داعمة لإسرائيل بنفس القدر الذي كان الأمر عليه خلال الفترة الأولى بعد توقيع اتفاقات التطبيع.
وتعد قدرة الدول السنية على التحوط في المخاطر وإظهار البراجماتية في العلاقات فيما بينها أساسا مهما لقدرتها على التأثير في التطورات الإقليمية وإعادة رسم خريطة التحالفات.
وتشكل حقيقة كون الإمارات رائدة في جهود تحسين العلاقات مع تركيا طريقا للرياض والقاهرة لسلكه.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه التحسن الحقيقي في العلاقات مع أنقرة تعد علامة تحذير للدول العربية لكي تتعامل مع مغازلة تركيا بحذر.
ويوجد هذا الشك تجاه مستوى استعداد أنقرة للاستمرار في المسار الجديد الذي رسمته في إسرائيل أيضا. ومع ذلك، يعد هذا تغييرا في الاتجاه على مستوى المنطقة، ويساعد في تقوية فرص الخريطة الجديدة للتحالفات.
ارسال التعليق