يوم التأسيس: يوم إلغاء حق الشعب في تقرير مصيره
كعادتها بفرض ما ترغبه ويصبّ في صالحها ومنعِ ما تخشاه ويفضح صورتها، فرضت السلطات السعودية على الشعب استذكار ما أسمَته “يوم التأسيس”.
هو اليوم الذي قرّرت فيه العائلة الحاكمة مصير شعبٍ دون أن تسأله أو أن تُتيح له المشاركة في تقرير مصيره، كحقٍ بديهي.
تُحيي العائلة الحاكمة هذه الذكرى متفاخرةً بأمجاد لا وجود فعليّ لها. هي ليست أمجاد، حين تُبنى أمجاد الحاكم على دماء الشعب، فإنها تُسمّى نكباتٍ.
منذ “يوم التأسيس” ذاك، لم تُتح للمواطنين أية فرصة لمشاركة فعلية في تقرير مصيرهم، أو اختيار من يمثّلهم ويُدير شؤونهم. استأثرت العائلة الحاكمة بكل شيء، منذ “التأسيس” الذي تتباهى به، حتى اليوم.
وما يزيد الوضع سوءاً، هو القمع المفرط الذي تمارسه السلطات، والاستبداد الذي اتخذته نهجاً للحكم، ما حوّل البلاد إلى سجنٍ كبير بجدرانٍ وقضبانٍ كثيرة. وهذه السياسات التي تعتمدها السلطة ضيّقت الخناق على أصحاب الرأي والمعارضين، ما قلّص أمل الشعب بحدوث إصلاحٍ أو تغييرٍ حقيقيٍ من قِبَل العائلة الحاكمة.
وفي الوقت الذي تروّج فيه السلطات لحصول إصلاحات، يناضل الشعب للحصول على أبسط حقوقه.
المشاركة السياسية: كذبة غير مكتملة العناصر:
عند البحث عن “الانتخابات في السعودية” عبر الانترنت، إحدى النتائج التي ستظهر هي “المنصة الوطنية” التابعة للسلطات، ضمن التفاصيل الموجودة في هذه المنصة عن الانتخابات في السعودية، تعرّف السلطات الانتخابات بأنها عملية “يتم فيها اختيار المرشحين لشغل مناصب تنفيذية، والتي تتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار والإدارة”، في إشارةٍ إلى أن الحكومة السعودية تتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار.
عند الاطلاع على “المناصب التنفيذية” التي يشارك المواطن في صنع القرار عبر اختيار من يراهم أهلاً لتولّيها، نكتشف أن المناصب هي: أعضاء المجالس البلدية، أعضاء الغرف التجارية الصناعية، رؤساء الأندية الطلابية (!!)، مجالس إدارة الاتحادات الرياضية..
هكذا تعتبر السلطات السعودية أن المواطن “يشارك في الإدارة وصنع القرار”:
تنصّ المادة السادسة في الباب الثاني من النظام الأساسي للحكم، على أن “يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره”، فهل يختار المواطنون هذا “الملك”؟ لا. فالمادة الخامسة من الباب عينه تنصّ على أن “نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ملكي. ويكون الحكم بحسب المادة نفسها “في أبناء المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود و أبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”.
إذاً لا خيار للمواطنين ولا قرار، دورهم الذي قررته العائلة الحاكمة هو “المبايعة” ليس إلا.
“ولي العهد” يختاره الملك ويعفيه. رئيس مجلس الوزراء هو نفسه الملك بحسب المادة 56 من نظام الحكم الأساسي، ولكنّ استثناءً هو الأول من نوعه حصل في عام 2022، حين عُيّن محمد بن سلمان رئيساً للوزارء، بقرارٍ أبويّ “ملكي”.
بحسب المادة 57، يُعيّن الملك نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الأعضاء في المجلس، ويعفيهم “بأمرٍ” منه، وبحسب البند الأخير من المادة نفسها، للملك صلاحية حل مجلس الوزراء وإعادة تكوينه. وتنصّ المادة الـ58 على أن الملك يعيّن من في “مرتبة الوزراء ونواب الوزراء، ومن في المرتبة الممتازة، ويعفيهم من مناصبهم بأمر ملكي”.
إذاً هي حلقة مغلقة لا منفذ إليها. الحكم الأساسي بيد جهةٍ واحدة هي عائلة آل سعود. وعلى الرغم من ما ينصّه نظام الحكم الأساسي بصراحةٍ مُدهشة، لا زالت الحكومة تزعم أنها تتيح مشاركة المواطنين في صنع القرار.
فكيف يحتفل المواطن “بتأسيس” ما لم يُشارك في تأسيسه ولا إدارته يوماً؟
ارسال التعليق