FP: إلى أين تمضي حرب أسعار النفط بين آل سعود وروسيا؟
التغيير
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافيين ريد ستانديش وكيث جونسون، يقولان فيه إن كلا من روسيا وحكومة آل سعود تراهنان على أنهما في وضع أفضل لتحمل ألم حرب أسعار النفط التي اشتعلت الأسبوع الماضي، وأن بإمكان كل منهما الحصول على النتيجة التي تريدها.
ويجد أن "هذا يثير سؤالين: هل بإمكان البلدين تحمل الألم؟ وما هو بالضبط الذي يريده كل منهما؟".
ويشير الكاتبان إلى أن الخلافات بدأت في اجتماع أوبك وروسيا قبل أسبوع لمحاولة وقف انزلاق أسعار النفط بسبب فيروس كورونا، لكن موسكو قررت التخلي عن اتفاق عمره ثلاث سنوات، ولم توافق على مقترح لتخفيض إنتاج النفط، ما أدى إلى هبوط حاد في الأسعار، وردت الرياض، ليس بخفض إنتاجها بل بتخفيض أسعارها، وبالإعلان أنها ستزيد من إنتاجها، ما زاد من هبوط أسعار النفط لتصل اليوم إلى 33 دولارا للبرميل بعد أن كانت 50 دولارا للبرميل قبل أسبوعين.
وترى المجلة أنه "بالنسبة لروسيا، كما هو للسعودية، كونهما تعتمدان بشكل رئيسي على النفط لتغطية الميزانية، فهي لعبة خطيرة، مشيرة إلى أن روسيا حسبت بأن بإمكانها الانسحاب من الاتفاقية غير الرسمية مع آل سعود وأوبك حتى لو عنى ذلك انهيارا في الأسعار؛ لأنها أولا، وفرت أموالا طائلة في فترة ارتفاع سعر النفط، ما يخفف عليها الخسائر من هبوط سعر النفط، وثانيا، لأن أكبر الخاسرين من حرب أسعار النفط هذه هم منتجو النفط من الصخر الزيتي في أميركا، ودفع الأسعار نحو الأدنى سيتسبب بأضرار اقتصادية لأمريكا، ويقوض سلاحها المفضل: العقوبات.
وينقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية في شركة Renaissance Capital والمسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي، صوفيا دونتز، قولها: "روسيا في وضع يسمح لها بعبور هذه الأزمة سالمة.. سيكون الأمر صعبا، لكن لديها ما يكفي من الموارد لتجاوز الأزمة".
وتلفت المجلة إلى أن "روسيا قضت خمسة أعوام تقلل من نفقاتها وتبني احتياطيا مقداره 550 مليار دولار، وهو ما يقول المسؤولون إنه سيسمح لها بتحمل أسعار ما بين 25 – 30 دولارا للبرميل حتى لو امتد ذلك عقدا، وأعلنت الحكومة الروسية، يوم الاثنين الماضي، أن وزارة المالية الروسية سوف تسحب 150 مليار دولار من صندوق الثروة الوطني لدعم الميزانية، وحتى لو وصل سعر النفط الخام إلى 27 دولارا للبرميل فإن روسيا تحتاج إلى سحب 20 مليار دولار في العام لموازنة الميزانية".
ويبين التقرير أن ذلك الصندوق الحربي هو نتيجة قرار موسكو القيام بإعادة هيكلة اقتصادها بعد معاناتها من الركود الاقتصادي عام 2015 بسبب العقوبات التي فرضت عليها بعض ضمها للقرم، وقرار أوبك أن تفتح حنفيات النفط قبل ذلك بعام، مشيرا إلى أنه مع أن محاولات تنويع الاقتصاد الروسي بعيدا عن الهيدروكربونات فشلت بشكل كبير، إلا أن تركيز موسكو على الاستقرار أكثر من النمو في السنوات الأخيرة، وهو ما يجعلها اليوم في وضع أفضل لتحمل الصدمة أكثر من المرة الماضية.
ويستدرك الكاتبان بأن "هناك مشكلة، فعلى الرئيس بوتين إنفاق المزيد، حيث كان بوتين قد ركب موجة الازدهار النفطي في بداية الألفية الثالثة لتحقيق اقتصاد جيد وشعبية كبيرة، لكن يصعب تحقيق ذلك عندما تنهار الأسعار، وكون النمو الاقتصادي أحد أهداف بوتين فإن زيادة الاستثمار في البنية التحتية والمصاريف الاجتماعية مركزية لمستقبله وأساسية لوعوده بأن ينهي الركود في مستوى المعيشة، وكانت المداخيل المخفضة وإجراءات التقشف خلف الشعبية المتراجعة، وعاملا أساسيا لتغيير الحكومة في كانون الثاني/ يناير، الذي شهد خروج ديمتري مدفيدف من رئاسة الوزراء".
وتنوه المجلة إلى أن الحكومة كانت تخطط لاستخدام الثروة لتمويل مجموعة من المشاريع المركزية للأجندة التنموية، مستدركة بأن حرب أسعار نفط طويلة قد تضطرها لإعادة النظر في المخططات.
ويورد التقرير نقلا عن الخبيرة الاقتصادية الرئيسية في بنك ألفا في موسكو، ناتاليا أورلوفا، قولها: "إن لم تكن هناك اتفاقية جديدة مع منتصف الصيف، واستقر سعر البرميل في حدود 30 دولارا للبرميل، فإن على روسيا أن تتأقلم".
ويجد الكاتبان أن "ضعف الروبل سيعوض بعض الدعم الذي تحتاجه الميزانية بسبب سعر النفط المنخفض، لكن إن بقي سعر النفط منخفضا فإن على الحكومة الروسية أن تخفض النفقات أو ترفع الضرائب، وربما الأمران معا، ولا يعد أي من الحلين مشجعا من ناحية سياسية".
وتنقل المجلة عن أورلوفا، قولها: "إن صندوق الثروة الوطني للاستخدام الطارئ، أما إن ساءت الأمور فإن على الحكومة اختصار الميزانية أو زيادة جمع الضرائب.. وسيدفع ثمن هذا المستهلك الروسي".
ويجد التقرير أن ما أرادته روسيا عندما قامرت هو قتل إنتاج النفط من الصخر الزيتي في أمريكا، فقد احتج رئيس الشركة الحكومية للنفط (روسنفت) أيغورسيتشين، بأن محاولة إبقاء أسعار النفط مرتفعة عن حد الإنتاج يساعد فقط على تقوية قطاع نفط الصخر الزيتي في أمريكا، فاستعادة ذلك النصيب من السوق هي الهدف الرئيسي لانسحاب الكرملين من الاتفاق مع آل سعود.
ويشير الكاتبان إلى أنه "في الوقت الذي يواجه فيه إنتاج النفط من الصخر الزيتي تكاليف إنتاج كبيرة، وعلى القطاع ديون كثيرة، فإن روسيا تتوقع بأن أسعار النفط المنخفضة ستؤدي إلى إفلاس العديد من الشركات أو إعادة هيكلتها، بالإضافة إلى أن إضعاف إمكانية أمريكا الإنتاجية للنفط ستحد من مقدرتها على فرض العقوبات مثل تلك المفروضة على جزء من شركة (روسنفت) بسبب عملها في فنزويلا".
وترى المجلة أن "روسيا محقة من ناحية أن منتجي نفط الصخر الزيتي المثقلون بالديون عالية الفوائد يشكلون فتيلا يمكنه تفجير سوق الديون كله، وإن أرادت روسيا أن تضغط مفتاحا يتسبب بفوضى في أمريكا فإن هذا مفتاح جيد، ولذلك فإن هناك دعوات للحكومة الأمريكية بأن تتدخل لمنع انهيار نظام الديون".
ويورد التقرير نقلا عن خبيرة الطاقة في مجلس العلاقات الخارجية، إيمي جافي، قولها: "للحد من إفلاس الشركات والحيلولة دون زعزعة استقرار أسواق الائتمان، يجب أن نرى وزارة الخزانة الأمريكية تدرس شروط القروض لمنع وقوع الشركات في التخلف عن السداد.. لا أظن أن علينا القلق بشأن رجال الأعمال في قطاع النفط، لكن يجب علينا أن نكون قلقين بالنسبة لسوق الديون".
ويستدرك الكاتبان بأن "صناعة الصخر الزيتي أثبتت أنها مرنة في الماضي عندما حاولت أوبك خنقها عام 2014- 2015 من إغراق السوق بالنفط الرخيص، فعندما تنخفض الأسعار ينخفض إنتاج أمريكا بما يكفي لإعادة الأسعار إلى معدلها، وحينها تبدأ حقول النفط بالضخ ثانية، ومع أن صناعة النفط الأمريكية لا تتمتع بهامش حماية كما كانت، إلا أن بإمكانها امتصاص بعض الضغط، ولذلك يستغرب البعض الجهد الروسي الأخير لقتل قطاع الصخر الزيتي".
وتنقل المجلة عن أستاذ الاقتصاد في جامعة ساينسز بو في باريس ورئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الأوروبي للبناء والتنمية سابقا، سيرغي غوريف، قوله: "إنه أمر غريب فعلا، لو نظرت إلى الأرقام والمعطيات فلا معنى لها.. والتفسير الوحيد هو أن ذلك سوء حسابات من أشخاص لا يملكون تحليلا شاملا للسوق، ولا يستوعبون كيف تعمل صناعة النفط الأمريكية".
ويلفت التقرير إلى أن "الكثير استغربوا أيضا قرار آل سعود، ليس فقط أن تتخلى عن تخفيض الإنتاج، بل ذهبت إلى تخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج لدفع الأسعار إلى مستويات أدنى، وإن كانت روسيا قد وجهت الضربة الأولى فإن الرياض قامت بتوجيه الضربات الأربعة التالية".
ويعلق الكاتبان قائلين: "يبدو هذا تحركا فيه مخاطرة من محمد بن سلمان، الذي أشرف على تحركات جريئة لكنها كارثية منذ سيطر على مقاليد السلطة في المملكة، في اليمن، ومقاربة منشار العظم مع المعارضين، مثل كاتب العمود في (واشنطن بوست)، جمال خاشقجي، فحكومة آل سعود -التي تحتاج أن يكون سعر النفط ضعف ما تحتاجه روسيا لموازنة نفقاتها- تلعب بالنار من خلال دفع الأسعار إلى مستويات أدنى للضغط على روسيا للعودة إلى مجموعة أوبك+ غير الرسمية".
وتورد المجلة نقلا عن الخبير في شؤون النفط والجزيرة العربية في مركز "أتلانتك كاونسل" جان فرانسوا سيزنك، قوله: "إنه متهور من بعض النواحي، فهو يحاول القيام بهجوم بتسبب بـ(الصدمة والرعب)، وليقول للروس (نعني ما نقول وإن خسرنا.. ستخسرون أيضا ولذلك من الأفضل لكم العودة إلى الصف)".
وينوه التقرير إلى أن "لدى آل سعود احتياطيا نقديا لتحمل الأسعار المنخفضة، لكن أقل مما كان لديها عام 2014، وأقل مما لدى روسيا اليوم، إذا ما أخذنا في الاعتبار ضروريات الميزانية، فكانت سلطات آل سعود أصلا في طريقها إلى العجز بقيمة حوالي 50 مليار دولار، وأسعار النفط المنخفضة قد تزيد ذلك بحوالي 70 مليار دولار أخرى، لتصل إلى 120 مليار دولار في العام، ويمكن للسعودية أن تتحمل ذلك 4 سنوات، لكن من الواضح أن الرياض تأمل ألا تطول هذه الحرب".
وينقل الكاتبان عن سيزنك، قوله: "إنهم كانوا يعلمون ذلك عندما بدأوا، وتخيلوا أن الروس سيستسلمون بسرعة، ويظنون أن الحرب ستستمر 30 يوما.. لكن الروس أيضا يعتقدون أن السعوديين سيستسلمون بسرعة".
وترى المجلة أن "الرهانات بالنسبة للسعودية تذهب إلى أبعد من النجاة على المدى القصير وتتعلق بالتحول، فلدى محمد بن سلمان خطة طموحة جدا -رؤية 2030- التي تقوم على إنفاق مليارات الدولارات لتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد حديث لا يعتمد تماما على النفط، ولكن ذلك يتطلب أموالا جاهزة، وهو ما لن يكون وافرا كلما طالت حرب أسعار النفط".
ويشير التقرير إلى قول سيزنك: "أعتقد أنه يقتل خطته الخاصة، رؤية 2030"، فيما يرى آخرون أن هناك منطقا في هذا الجنون، فمع أن الأسعار انهارت وتقوم حكومة آل سعود بزيادة الإنتاج والتصدير بشكل كبير، فقد لا يشكل ذلك في المحصلة خسارة للمملكة، كما يرى الخبير في قطاع النفط السعودي أنس الحجي.
ويفيد الكاتبان بأن "أسعار النفط كانت تنهار بسبب الفيروس وتجاوزات روسيا، وبرفع الإنتاج من أكثر من 7 ملايين برميل في اليوم إلى أكثر من 9 ملايين في اليوم أو حتى أكثر من ذلك، يعود على آل سعود ما كان يعود عليها ودون تعاون من روسيا، لكنها تحصل على نصيب أكبر من السوق".
وتجد المجلة أنه "في المحصلة فإن كلا من روسيا وآل سعود تقامران بأن الطرف الآخر سيستسلم أولا، ولكل منهما أسبابه ليعتقد أنه محق، وهناك أسباب بأن كلاهما أو أحدهما مخطئ، وكلاهما يخطط ليتحمل الألم على المدى القصير ليجعل الآخر يستسلم لشروطه".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول سيزنك: "يذكرني هذا بالحرب العالمية الأولى عندما ذهبت كل من ألمانيا وفرنسا إلى الحرب، ظنا منهما أن الأمر سيصل إلى نهايته مع حلول أعياد الميلاد، وقضتا أربع سنوات في الخنادق.. وهذا ما يجعل الأمر خطيرا جدا".
ارسال التعليق