NY: كورونا والنفط سحبا البساط من تحت خطط ابن سلمان
التغيير
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن وباء فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط، سحبا البساط من تحت خطط التنمية التي رسمها محمد بن سلمان، ووضعا حدا للسخاء الحكومي.
وذكرت الصحيفة في تقرير أعدته الكاتبة "فيفيان يي" إن مملكة آل سعود تواجه أصعب وقت في عهد محمد بن سلمان، مؤكدة أن الأخير لم يعط مؤشرا على اختزال خطط بعينها، بل صرح وزير ماليته محمد الجدعان لموقع بلومبيرغ، بأن بعض المشاريع مثل نيوم قد تتأخر.
وأشار التقرير إلى أن مملكة آل سعود كانت تعلق آمالها على النفط لتمويل المرحلة الانتقالية، بحيث تدفع من إيراداته تكاليف جلب المغنين الأجانب وتنظيم المناسبات الرياضية، وتعليم الشباب السعوديين في الخارج، وكفالة صناع السينما بمملكة آل سعود، وتطوير مواقع السياحة الصحراوية، والمزيد من مثل هذه الأمور.
وتاليا نص التقرير كاملا:
"ذات يوم لم يكن هناك شيء، وفي اليوم التالي وجد كل شيء". هذا ما قالته نورا خالد، طالبة إدارة الأعمال ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً في الرياض في شهر ديسمبر/ كانون الأول وهي تصف شعورها بينما كانت تشاهد بلدها التي كانت تتميز بالرصانة والوقار وهي ترحب بنجوم الراب وأبطال المصارعة الدوليين، وتشاهد النساء يقدن السيارات، ودور السينما وقد غدت مفتوحة، والمقاهي يختلط فيها الإناث بالذكور وغير ذلك من البدع التي لم يكن أحد يتصور حدوثها حتى سنوات قليلة مضت. وأضافت نورا: "كل شيء يحدث بسرعة فائقة، وبلا توقف".
والآن، ها هي المملكة تواجه لسعة سوط أخرى.
لا يقتصر الأمر على فيروس كورونا الذي يعيد توصيف الحياة اليومية للسعوديين، بل إن أسعار النفط المنهارة تسلب المملكة من الثروة الهائلة التي كانت تشكل ضمانة لمملكة آل سعود الجديدة. تهدد هذه الضربات المزدوجة بتقويض الأجندة الاجتماعية والاقتصادية الجارفة لمحمد بن سلمان، علماً بأنها قد حجمت دولة الرعاية الضخمة التي ظلت حتى وقت قريب توفر لمعظم السعوديين حياة مريحة ومكفولة.
سعى محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لمملكة آل سعود، إلى قلب البلاد رأساً على عقب انطلاقاً من الإدراك بأن المملكة ما كانت لتتمكن من العيش إلى الأبد معتمدة على النفط وحده. فإضافة إلى الإصلاحات الاجتماعية شهدت البلاد تحركات ملؤها الزهو نحو تنويع الاقتصاد السعودي من خلال إقامة قطاعات للسياحة والترفيه، بل وحتى إنشاء مدينة مستقبلية اسمها نيوم، وكل ذلك ضمن خطة أطلق عليها اسم "رؤية 2030".
ولكن بعد أن ألغيت السياحة ولم يعد وارداً إقامة الحفلات الموسيقية والغنائية، ومع انهيار أسعار النفط، بات البلد الذي كان قبل شهور قليلة ينبض بالإثارة في مواجهة مستقبل مختلف تماماً عن ذلك الذي وعد به محمد بن سلمان.
يقول مايكل ستيفنز، الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن: "أعتقد أن رؤية 2030 لم يعد لها وجود. أعتقد أنها قد انتهت".
وقال إن مملكة آل سعود تواجه "أصعب وقت مرت به حتى الآن، وهي بالتأكيد أصعب فترة تمر بها المملكة في عهد محمد بن سلمان".
لم يعط ابن سلمان مؤشراً على اختزال خطط بعينها، بل لقد صرح وزير ماليته محمد الجدعان لموقع بلومبيرغ الإخباري بأن بعض المشاريع مثل نيوم قد تتأخر فقط.
ومع ذلك، فإن السعوديين الذين طالما تعودوا على تلقي دعم سخي لأسعار الوقود والكهرباء، وعلى وظائف حكومية مريحة، وعلى تعليم ورعاية صحية بالمجان، قد يضطرون للعيش بمستوى أقل رغداً مما كان عليه حال الأجيال السابقة، الأمر الذي قد يستدعي إعادة صياغة العلاقة بين السعوديين وحكامهم.
أعلنت الحكومة يوم الاثنين أنها سوف تزيد قيمة الضريبة المضافة في البلاد على البضائع والخدمات ثلاثة أضعاف بحيث ترتفع من 5 إلى 15 بالمائة، وأنها سوف تلغي ما يقدر بحوالي 266 دولاراً من البدل الشهري الذي يتلقاه كل واحد من العاملين في القطاع الحكومي، وأنها ستعيد النظر في غير ذلك من البدلات المالية التي تدفع للموظفين والمتعهدين.
قال السيد الجدعان في بيان صادر عنه: "إننا نواجه أزمة لم يشهد لها العالم مثيلاً في التاريخ الحديث". وأضاف أن التغييرات التي ستطرأ على الضرائب والبدلات "على الرغم من قسوتها، إلا أنها ضرورية ومفيدة للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي الشامل".
بينما قد لا تحدث إجراءات التقشف خدشا ملحوظا في حياة الأثرياء، إلا أنها قد تشكل ضربة قاسية لباقي الناس في البلاد.
"نشعر فعلاً بالقلق". هذا ما قاله عبد الرحمن، الذي يبلغ من العمر 52 عاماً ويعمل تاجراً في قطع غيار السيارات ومواد البناء في الرياض، والذي طلب -مثله في ذلك مثل كثير من السعوديين- تعريفه بذكر اسمه الأول فقط حتى يتسنى له الحديث بحرية عن سياسة الحكومة. وأضاف: "سوف يشعر بالمعاناة في نهاية المطاف المستهلكون. إن أبناء الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا هم من سيعانون كثيراً بسبب ذلك".
يبدو أن التغييرات الاجتماعية مثل الحريات الموسعة للنساء ستبقى، وفعلاً فقد بدأت سلوكيات الناس تتغير. أما التحولات الاقتصادية فلسوف تستغرق عقوداً حتى في أفضل الأحوال، وهذا ما يجمع عليه معظم الخبراء.
كانت المملكة تعلق آمالها على النفط لتمويل المرحلة الانتقالية، بحيث تدفع من إيراداته تكاليف جلب المغنين الأجانب وتنظيم المناسبات الرياضية، وتعليم الشباب السعوديين في الخارج، وكفالة صناع السينما بمملكة آل سعود، وتطوير مواقع السياحة الصحراوية، والمزيد من مثل هذه الأمور.
إلا أن سعر النفط هبط إلى أكثر من النصف في شهر مارس/ آذار بعد أن جمد الوباء الطلب عليه وبعد أن شن محمد بن سلمان حرب الأسعار مع روسيا. وبات سعر النفط الآن أدنى بكثير من المستوى الذي تحتاجه الحكومة لضبط ميزانيتها.
ويوم الثلاثاء صرحت شركة نفط أرامكو بأن أرباحها للربع الأول من هذا العام انخفضت بحوالي 25 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
تقول كريستين سميث ديوان، الخبيرة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: "كثير من الأشياء التي كانت مجانية قد لا تبقى كذلك من الآن فصاعداً. إنه اختبار للقومية الجديدة، وسيكون لسان حال الحكومة، أنتم جزء من هذا البلد، وعليكم أن تساهموا من أجل البلد".
لقد قامت الحكومة بالاهتمام برعاياها أثناء الوباء بشكل لا يحلم به الأمريكيون، فقد تكبدت تكاليف نقل السعوديين جواً وإعادتهم إلى بلدهم من مختلف أنحاء العالم، ووضعتهم في الحجر داخل فنادق على حسابها، وتكفلت بدفع ما يقرب من 60 بالمائة من رواتب عمال القطاع الخاص.
في هذه الأثناء لا يواجه السعوديون مخاطر فقد وظائفهم، كما عرضت المملكة قروضاً بلا فوائد وتخفيضات على أسعار الكهرباء وغير ذلك من المحفزات.
ولكن بالمستوى الحالي من أسعار النفط والمستويات الحالية من الإنفاق الحكومي، سوف تصبح جيوب المملكة خاوية من المال خلال ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، ما سيضطرها إلى تحمل مزيد من الدين، كما تقول كارين يونغ، زميلة معهد دول الخليج العربي في واشنطن.
يقول بعض الخبراء إن المملكة في وضع يمكنها من استئناف إنتاج النفط بسرعة بمجرد أن يتحسن الطلب عليه في النهاية. ولكن، لا يتوقع أحد أن تعود أسعار النفط إلى المستويات التي كانت عليها في الفترة من 2004 إلى 2013.
ما من شك في أن حياة السعوديين باتت اليوم أصعب مما كانت عليه من قبل. فبعد أن هبطت أسعار النفط في عام 2014، قطعت الحكومة بعض الدعم على السلع، وفي عام 2018 أدخلت ضريبة القيمة المضافة، إعداداً للسعوديين لكي يستقبلوا اليوم الذي سيعتمدون فيه على الدخل من العمل في القطاع الخاص وليس من الهبات النفطية.
ولكن من خلال رفع الضريبة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، تسرع مملكة آل سعود من عملية الانتقال بعيداً عن الدولة الرعوية، كما يقول المعلق السعودي علي الشهابي، مضيفاً أن الرواتب السخية التي يتقاضاها العاملون في وظائف مستقرة داخل القطاع الحكومي سوف تخفف من وطأة هذا الارتفاع ناهيك عن أن الناس تنفق أقل بكثير الآن بسبب وباء فيروس كورونا.
إلا أن خبراء آخرين اعتبروا الخطوة ضارة، إذ بدلاً من مساعدة المشاريع التجارية والمستهلكين على تنشيط الاقتصاد، كما يقول السيد ستيفنز، فقد اختارت الحكومة تحميل عبء التقشف على كواهل الناس الأقل قدرة على تحمله.
عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجاوب بعض السعوديين مع الخطوة بالإذعان أو بالتعبير عن الوطنية. في نفس الوقت تساءل آخرون: لماذا يمول صندوق الثروة السيادي السعودي عملية شراء نادي نيوكاسيل يونايتد لكرة القدم في إنجلترا بمبلغ 370 مليون دولار بينما تقوم الحكومة بتخفيض الإنفاق داخل البلاد؟
يقول الخبراء إنه فيما لو استمرت مثل تلك الاستثمارات الصارخة والإنفاق على الحفلات الغنائية التي يجلب إليها النجوم من أرجاء العالم، فقد تشهد المملكة تذمراً شعبياً، ولكن ربما لا شيء أكثر من ذلك.
لم تتردد مملكة آل سعود في الإنفاق بكثافة على البدلات والخدمات عندما كانت بحاجة إلى حشد الدعم المحلي واستخدام القوة لقمع المعارضين.
ولا يزال كثير من السعوديين يشعرون بالامتنان لما تلقوه من هبات سخية. فكما يقول المحلل السعودي السيد الشهابي كان من نتائج الاضطراب الإقليمي خلال العقد الماضي أن "تعلم السعوديون أن ما هم فيه جيد رغم كل ما يعتريه من علل".
يقول خالد، وهو موظف حكومي في الخمسين من عمره، إنه يتفهم الحاجة إلى تقليص الخدمات والبدلات، رغم أنه سيضطر بسببها إلى تخفيض إنفاقه.
ويضيف: "لما كنا سعوديين، فقد منحتنا الحكومة الكثير لسنوات، كما أنها ساعدت بلداناً أخرى كانت بحاجة للعون. نقبل بالقرار إن كان من شأنه أن يساعد الحكومة".
ارسال التعليق