أبعد من "التطوير" #محمد_بن_سلمان يحقق أهدافه بالحرب الناعمة
تعقد "السعودية" الآمال على مشروعي حقل القطيف النفطي والتخطيط العمراني، لما يختزنه الأول من كميات نفطية وغازية هائلة، تقدّر بـ 8.4 مليار برميل من النفط، وقدرتها على "تعزيز الاقتصاد الوطني السعودي" بمتوقع إستمرارية بالانتاج لمدة تتجاوز28 سنة. أما الثاني لما يعكسه من قرار رسمي يقضي بإحكام السيطرة على المنطقة وضمان ربط منشآتها الحيوية بمراكز التصدير، في ضربة ثانية يتعرض لها أهالي المنطقة تُكمل على ما تبقى من أحياء لم يشملها المشروع الأول.
ما ورد في كلا المشروعين من حيث الشكل قد يُغري القارئ ويشوّه له عناصر الحقيقة. تلك الحقيقة القائمة على أن النظام السعودي يسرق خيرات الأرض لصالح مراكمة ثرواته من جهة، وزيادة منسوب الاستثمار في الترفيه ومدن محمد بن سلمان الخيالية على حساب أصحاب الأرض ومكان سكنهم وما يُقال عنه باللغة العامية "الحيلة والفتيلة".
هكذا إذاً، يروج ابن سلمان لحملات المسح والتهجير المرتقب تعاظمها في الفترة المقبلة بحق أبناء عدد غير قليل من مناطق محافظة القطيف، ليتركهم لمصيرهم المجهول في مجاهل "المملكة".
بعد أن عرضنا تفاصيل المشروعين المعلن عنهما، لابدّ من تناول الأهداف التي يرمي النظام السعودي تحقيقها، تحت غطاء التطور والتنمية الاقتصادية.
خلخلة الروابط الاجتماعية لأبناء القطيف:
وهنا لا بدّ من التأكيد، أن القطيف بمساحتها الحالية مشغولة كلّيا، ولا وجود لمساحات قابلة للإعمار فيها، بعد أن منع النظام السعودي تمددها باتجاه الغرب وأطبق الحصار عليها، عدا عن منع النظام السعودي، حتى وقت قريب، من بناء 3 طوابق في القطيف. بالإضافة إلى عدم وجود أراضي بيضاء قابلة للاستغلال بعد أن اقتطع النظام امتداد أراضي الفضاء وضمّها إلى محافظة البيضاء المبتدعة مؤخرا، في محاولة متجددة لتفتيت "المنطقة الشرقية"، التي هي بالأصل مكوّنة من القطيف والأحساء، وما مناطق كالدمام والجبيل والخبر ورأس تنورة إلا جزء لا يتجزأ من الإقليم، وفي أغلبها مناطق حديثة أنشأت بعد تأسيس شركة أرامكو.
وأمام هذا الواقع، يتضح أن جوهر المشروع يقوم على قرار النظام السعودي بتهجير أبناء القطيف داخليا، وبالتالي تشتيت وتفتيت النسيج المجتمعي للمنطقة، والعمل على توزيع أبناء الطائفة الشيعية في الجزيرة العربية بشكل لا يسمح في تشكيلهم مجموعات سكنية واستحواذهم على مناطق واسعة من الأراضي في ما يحسب أنه وطنهم "السعودية". وهنا نستشهد بواقعة اجتياح المسوّرة وإضطرار العديد من الأهالي إلى الخروج من المنطقة باتجاه المناطق السنيّة كالخبر والجبيل والدمام والرياض وجدة.
وفي صلب هذه التحولات، تظهر الانعكاسات المجتمعية المقصودة من قبل النظام على الكتلة الشيعية المتماسكة في القطيف، وما يجمعهم بينهم من وحدة المعتقد والثقافة وتقاسم المعاناة والتطلعات والأهداف. وبالتالي القطع بين أبناء الجيل الأول من المنطقة والأجيال الحالية والقادمة.
والجدير بالذكر أن مساعي النظام التفتيتية ليست بجديدة، فعلى خطى سياسة التقسيم والفصل العنصري الصهيوني، أقدم آل سعود في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 2022 على تقسيم محافظة القطيف إلى قسمين شرقي وغربي، حمل الجانب الغربي اسم محافظة البيضاء، في حين احتفظ الجانب الشرقي منها باسم القطيف.
محافظة البيضاء المستحدثة من بعض أجزاء المنطقة الواقعة غرب طريق دول مجلس التعاون، (أبو حدرية) وكلها كانت ضمن الحدود الطبيعية لمحافظة القطيف حتى وقت قريب. “البيضاء” يحدّها من الشرق مدينة الدمام ومحافظة القطيف ويفصلها عنهما طريق دول مجلس التعاون، ومن الغرب محافظة بقيق، وشمالاً محافظة الجبيل، وجنوباً مدينة الدمام، ويفصلها عنها طريق الدمام الرياض السريع. مساحة المحافظة تبلغ 1278 كيلومتر مربع، فيما تُشرف على عدّة أحياء كانت تابعة في السابق لغرب الدّمام، وهي: حي ضاحية الملك فهد، حي الأمانة، حي الأنوار، حي الشروق، حي الفرسان، حي المطار، حي الهضبة، حي المها، حي الإسكان الشمالي وجزء من حي العروبة.
خلال السنوات العشر الماضية كان للجنة “الصمود من أجل الحدود” دوراً بارزاً في إظهار مدى خطورة تقليص الحدود الإداريّة للقطيف، وما يتّبع هذا الإجراءات من تغييرات إداريّة خاصّة على مستوى الإسكان والصّحة والتعليم والشؤون الاجتماعيّة والبلديّة وكافة المنافع الخدميّة.
اللجنة سبق وبيّنت أن التقسيم يحرم محافظة القطيف من فرص التنمية المستحقّة، بالإضافة إلى اقتطاع مساحات شاسعة من أراضي المحافظة وما لهذا الإجراء من مآلات خطرة، وهو الأمر الذي عملت اللجنة على تبيانه منذ عام 2011، لكن السلطات السعودية سرعان ما حظرت نشاط اللجنة واعتقلت بعض القائمين عليها.
إن تقسيم محافظة القطيف يعكس محاولة النظام السعودي لـ"فكفكة" الحالة الوحدوية لأبناء المنطقة لناحية وحدة المطالب الخدماتية والاجتماعية، الأمر الذي يفتح هامشا أوسع أمام النظام للمناورة والتفاوض مع الطرفين، كل على حدى، وإضعاف الثقة بين أبناء المنطقتين وإثارة الشكوك حول إمكانية الانفصال وانقطاع التنسيق بينهما.
اللافت أن مطالب حيوية كإنشاء جامعة في القطيف تخفف عن أبنائها عناء قطع المسافات الطويلة، كما تلبي الحاجة لناحية مروحة الفروع العلمية والاختصاصات المطلوبة، لم يجرِ تناولها فعليا من قبل النظام فيما لو أراد فعلا إثبات حسن نواياه حول الغرض الذي من ورائه أقدم على تقسيم المحافظة "للتنيمة"، كان لأقدم على استخدام الأراضي الموجودة حول المطار الوحيد في المنطقة لبناء صرح جامعي رسمي، بدلا من الجامعة الأهلية التي أنشئت مؤخرا.
يذكر أن التسجيل في جامعات خارج المنطقة ليس بالأمر السهل أيضا، إذ باتت العديد من الجامعات تضع المتقدمين للتسجيل من خارج المنطقة على خانة الاحتياط ، نظرا لاشتراط "أولوية القبول لخريجي المنطقة". كما أن الدرجات العالية لم تعد ورقة تسهل أمور طالب القطيف في جامعات المناطق الأخرى، للسبب الوارد أعلاه.
وفي قرار النظام السعودي تأمين أبسط الحقوق، بالمقارنة مع تأمينها في منطقة كهجر وغيرها من المناطق النائية والتي لا يمكن مقارنة السكان فيها بنسبة الكثافة السكانية الموجودة في القطيف. ما يعكس الإهمال الرسمي المتعمّد لأبناء القطيف، وبالتالي محاولة تضييق الخناق عليهم وخلق العثرات والعقبات بوجه مسارهم الأكاديمي وتطورهم المعرفي، لغرض واحد وبسيط "إما أن تظلوا بالمستوى الذي نريده لكم تبحثون عن قوتكم اليومي ولا تفكرون أبعد من ذلك، أو أطلبوا الهجرة أو النزوح بديلا وفي ذلك انقطاع مع الأرض والأهل وأحوال المنطقة".
وفي السياق نفسه، توقف عملية التقسيم الذي جرت لمحافظة القطيف المشاريع الصحية التي كان من المنتظر الشروع بها، سيّما المطالبة بمستشفى تلبي احتياجات المواطن. إذ أن النظام السعودي يمنّن الأهالي بمستشفى القطيف المركزي ذي الـ360 سرير الذي يخدم نصف مليون نسمة. وانعدام التناغم بين الميزانيّات المقرّرة والزيادة السكانيّة، بالإضافة إلى تهالك الخدمات الاجتماعيّة والخدميّة والحكوميّة.
الهدف الأمني أولوية:
على جانب آخر، يستهدف النظام قطع أواصر النشاط السياسي للمعارضة في القطيف والأحساء. إذ شكلت نقطة انطلاق للتحركات الشعبية في العام 2011، ومساحة تمركز واحتضان للثوار من قبل الأهالي. بالإستناد إلى معرفة أبناء المنطقة بتضاريسها وجغرافيتها وحاراتها الضيقة والتاريخية مقابل جهل المجنّد السعودي بهذه التفاصيل التي حالت دون قدرته على التعامل مع الاحتجاجات.
لطالما شكلّت النقطة المذكورة، ورقة قوة بالنسبة لأبناء القطيف والأحساء. وعليه يسعى النظام من خلال سياسات التهجير والإزالة إلى سحب هذه الورقة من أبناء الطائفة الشيعية في الجزيرة العربية من بوابة الهدم بذريعة الاستثمار والتطوير، وجعلها منطقة غير محميّة ومكشوفة، تَسهُل عملية اقتحامها والتحكم بمداخلها ومخارجها.
الحرب ضد الهوية :
مبكراً، عمل النظام السعودي على اجتثاث كل عناصر ومظاهر وملامح التكوين الهويّاتي للمجتمعات المحلية في المناطق، سيّما المناطق ذات الأغلبية الشيعية، فارضا نمط هوياتي موحد يقوم على وهبنة المجتمع، ونجدنته، وحصر التاريخ بـ"فتوحات" آل سعود حتى إقامة "السعودية" بشكلها الحالي.
مع استلام محمد بن سلمان زمام الأمور فعليّا في "السعودية"، وحربه على مظاهر الوهابية دون اجتثاثها من الممارسة على مستوى التكفير وإراقة الدماء، تبنى نهجا أكثر توجها إلى نجدنة المجتمع وطمس الهويات الأخرى بغناها العقدي والثقافي والتاريخي والاجتماعي. وما سياسة الحصار والتضييق على إحياء المناسبات الدينية لأبناء الطائفة الشيعية، خاصة في عاشوراء، إلا جانب من حرب ابن سلمان المعلنة على القطيف والأحساء . بالإضافة إلى تحجيمه دور المحاكم الجعفرية، وتكريسه العقيدة الوهابية في المناهج التعليمية.
ارسال التعليق