إلى أي مدى ستتدهور علاقات واشنطن وال سعود
تظهر سياسات البيت الأبيض الأخيرة في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة تخسر مكانتها في المنطقة بشكل متزايد كل يوم، وكانت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى السعودية دليلًا على ذلك.
وبعد الانسحاب المثير للجدل من أفغانستان، وأزمة الوجود العسكري الأمريكي المستمر في العراق وسوريا، وعدم التقدم في استعادة الاتفاقية النووية مع إيران، فشل الرئيس الأمريكي وإدارته في استعادة النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة.
كما لم ينجح الرئيس الأمريكي أيضًا في تبني أي نهج لحل الدولتين فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفشل بشكل تام في محاولته للترويج لمشروع تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة، وكذلك في جهوده لحث "أوبك+" على زيادة إنتاج النفط من أجل تعويض النقص الناجم عن عقوبات واشنطن ضد روسيا.
في الواقع، أصبح "بايدن" بالفعل "بطة عرجاء" في البيت الأبيض وسط انتقادات متزايدة ليس فقط بسبب سياسته الخارجية، وإنما أيضًا الداخلية التي تفاقم كل يوم الوضع المالي للمواطنين الأمريكيين.
وفي ظل هذه الظروف، فإن إشارات "بايدن" بأنه يعتزم الترشح لفترة ثانية تبدو جوفاء، وتحرم الديمقراطيين من أمل إحراز انتصار في الانتخابات النصفية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
على هذه الخلفية، قرر "بايدن"، بتحريض من مستشاريه المقربين الذين يشبهونه، أن "يعاقب" السعودية التي يرى أنها أساءت له. ووفقًا للسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض "كارين جان بيير"، فقد أكد "بايدن" أن الولايات المتحدة بحاجة إلى نوع مختلف من العلاقة مع السعودية.
وبالفعل، قدم أحد مستشاري "بايدن"؛ الديمقراطي "روبرت مينينديز" الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، اقتراحا بتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية. كما اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس النواب سحب كافة القوات الأمريكية من الإمارات والسعودية ردًا على قرار "أوبك+"، وفقًا لتقارير "واشنطن تايمز".
من شأن مشروع قانون "الشراكة المتوترة" الذي قدمه النواب الديمقراطيون "توم مالينوفسكي" و"شون كاستن" و"سوزان وايلد"، سحب الوحدات الأمريكية إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك أنظمة "باتريوت" و"ثاد".
وكما هو معروف، فإن السعودية تستضيف عددا كبيرا من القواعد العسكرية الأمريكية، مع ما يصل إلى عدة آلاف من القوات في مختلف أنحاء المملكة.
وبالنسبة لهذه القواعد، فإن الولايات المتحدة نفسها هي التي تحتاجها في المقام الأول، مثل القاعدة الجوية في مطار الملك عبدالعزيز الدولي وقاعدة الملك فهد البحرية في جدة. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن الولايات المتحدة تستخدم القواعد العسكرية في الخارج (والقواعد الأمريكية في السعودية ليست استثناء)، لتدريب أفراد الأجهزة العسكرية المحلية والإقليمية. لذلك، فهي تعد بمثابة حاضنة أمريكية لعملاء النفوذ المستقبليين، والنخبة الموالية للولايات المتحدة في الجيش المحلي والأجهزة الخاصة.
لكن بالرغم من الخلافات بين واشنطن والرياض خلال العام الماضي، فقد أبدت الولايات المتحدة نيتها لتعميق الاتصالات العسكرية والتعاون مع السعودية. والمثال الرئيسي على ذلك هو خطط القيادة المركزية الأمريكية لفتح منشأة اختبار عسكرية جديدة في المملكة.
ووفقًا لتقارير، ستختبر المنشأة تقنيات جديدة لمكافحة التهديد المتزايد من الطائرات بدون طيار، وستقوم بتطوير واختبار قدرات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة. في حين لم يتم الانتهاء من تحديد موقع المنشأة بعد، قال المسؤولون إن المملكة هي الأكثر منطقية لأنها تحتوي على مساحات مفتوحة كبيرة مملوكة للحكومة والقدرة على اختبار أساليب مختلفة للحرب الإلكترونية، مثل تشويش الإشارات والطاقة الموجهة.
وبينما ينتقد السياسيون الأمريكيون السعودية في خطاباتهم العامة، فإنهم يدركون جيدًا أن إغلاق الأبواب والانسحاب من السعودية سيخلق فراغا لصالح موسكو وبكين. وبالفعل يحدث الآن تحول واضح في توازن القوة في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، تجري عملية إعادة تشكيل للعلاقات بين الخصمين الإقليميين (طهران والرياض) واللتان تظهران ميلًا لتحقيق الاستقرار وبعض التوازن في المنطقة. وقد أظهرت الدولتان رغبة في الانضمام لمنظمة "شنجهاي للتعاون" و"بريكس" بعيدا عن التحالفات الغربية.
وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة البقاء في المنطقة إلا في حالتين: إذا استخدمت القوة العسكرية ونصبت أنظمة تتحكم فيها، أو إذا أعادت التفكير في سياساتها وبدأت في التعاون على أرضية بعيدة عن مبدأ الهيمنة المطلقة.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة اليوم لا تملك القوة للقتال لوحدها، وهي ببساطة لا تعرف كيفية التعاون وتحييد سياسات الهيمنة، ولا تريد ذلك. لذلك، فإن تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة أمر لا مفر منه تقريبًا، ولن تنجح العقوبات التي يهدد بها "بايدن" ودائرته الداخلية في وقف هذا الاستنزاف لنفوذ واشنطن.
ارسال التعليق