استثمار سعودي – خليجي في الأزمة المصرية
بقم: حسن الطاهر...لماذا تخشى مصر من أي توتر مع دول الخليج؟ سؤال تناول إجابته موقع “أفريكان ريبورت” مشيراً إلى احتواء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمشاحنات بين الكتّاب والسياسيين المقرّبين من محمد بن سلمان والإعلاميين المصريين الموالين للحكومة المصرية.
وذكر الموقع أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتجه للهدنة، مؤكدا عمق العلاقات بين القاهرة والرياض، وهو تحالف قائم على المنافع المتبادلة والبراجماتية.
وفي 9 فبراير، وقف السيسي إلى جانب الرياض عندما ألقى كلمة خلال حفل افتتاح مشروع وطني في محافظة المنوفية، مؤكدا تقديره لـ”العلاقات الطيبة مع الأشقاء” وأنه “لا يقبل الإساءة أو الانجراف وراء الفتنة”، مؤكدا أن علاقات مصر “حكيمة ومتوازنة مع الجميع”.
وفي كلمة أخرى، تحدث السيسي، أمام القمة العالمية للحكومات بدبي، في جلسة حضرها كل من رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، مشيدا بالدولة الخليجية الصغيرة، قائلا: “إذا لم نستطع قول شيء جيد، فعلينا التزام الصمت.. كل ما قلته لم يكن ليكون ممكناً لولا الدعم الذي تلقيناه”.
منافع مصرية وتشير عملية مصر الدبلوماسية نحو تخفيف التوترات المحتملة إلى سياستها الخارجية ووضعها الاقتصادي، حسبما أفاد مصدران دبلوماسيان طلبا من الموقع عدم الكشف عن هويتهما.
وأوضح المصدران أن القاهرة “لا تستطيع خلق توترات أو السماح بها مع دول الخليج التي كانت الداعم الوحيد للنظام الحاكم بعد 2013”.
وأضافا أن “العداء الشديد بين الإمارات والسعودية من جهة والإسلام السياسي من جهة أخرى أتاح فرصة لمصر كي تربح مليارات الدولارات في شكل مساعدات، وهو كرم لا يمكن أن تنساه مصر أبدًا”.
شروط سعودية:
ومع ذلك، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، خلال مشاركته بالمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، في أوائل يناير الماضي، إن بلاده “اعتادت على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود، وهي بصدد تغييرذلك”.
وأضاف: “نحن بحاجة لرؤية الإصلاحات. نحن نفرض الضرائب على شعبنا. ونتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه وأن يبذلوا قصارى جهدهم. نريد المساعدة، لكننا نريدك أيضًا أن تقوم بدورك”.
الكويت على خطى السعودية:
وتردد الخطاب ذاته في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، حيث أفادت صحيفة القبس الكويتية بأن المسؤولين شددوا على أن “القروض يجب أن تتماشى مع السياسة الخارجية للكويت، لاسيما فيما يتعلق بالدعم السياسي لقضايا معينة، وأن يكون لها مردود إيجابي”.
وقد قررت الكويت القطع مع سياسة تقديم المساعدات المجانية، والاستعاضة عن ذلك بسياسة جديدة قائمة على ربط أي دعم بتحقيق فوائد اقتصادية أو سياسية، أسوة بالسعودية التي أعلنت في وقت سابق عن مراجعات في هذا الإطار.
هذه السياسة الجديدة، التي تأتي متزامنة م أخرى مشابهة من النظام السعودي، قد يكون لها أثر كبير على مصر، التي تطلب حاليا من المانحين الخليجيين جمع الأموال والاستثمار في الشركات المدرجة ضمن برنامج الطروحات الحكومية.
هذه الخطوة، تشير إلى ما يبدو أن أموال الدول النفطية الثرية في الخليج، قد اتحدت على رفع شعار جديد للحلفاء، وهو: “لا تدفق لمزيد من الأموال والمنح من دون شروط وإصلاحات”.
وحسب تصريح جديد لوزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح، فإن “بلاده تعتزم مراجعة الطريقة التي تنتهجها في تقديم المساعدات للدول العربية والنامية عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية”.
وأضاف الوزير الكويتي في فيديو مصور وزعته وزارة الخارجية، “هناك تطورات على المستوى الدولي تتطلب منا أن نعيد النظر في آليات عمل الصندوق وتجيير (تسخير) عمل الصندوق للمحافظة على مصالحنا الوطنية”.
وهذا الموقف الذي يأتي متسقاً مع سياسات جديدة كشفت عنها دول خليجية أخرى كالإمارات وقطر، التي بدأت بالتلويح إلى أن “عصر الودائع المصرفية غير المشروطة قد ولى”، مفضلة الاستثمار بدلاً من تقديم المساعدات المالية المباشرة. كما أن الإمارات غير راضية عن تطبيع مصر البطيء والبارد مع الكيان الصهيوني، وكذلك موقفها في ليبيا.
حسابات مصرية خاصة:
أما مصر فلديها العديد من الأسباب لعدم إغضاب النظام السعودي في الوقت الحالي، إذ كانت القاهرة تمارس ضغوطًا لكسب دعم المملكة والولايات المتحدة للسماح لسوريا بالعودة إلى جامعة الدول العربية ورفع العقوبات عن حكومة الرئيس بشار الأسد، حسبما أفاد مصدر دبلوماسي حضر اجتماع جامعة الدول العربية في 12 فبراير، مشيرا إلى أن “مصر بحاجة إلى الأميركيين والسعوديين لرفع العقوبات عن سوريا”.
وأضاف أن مصر حاولت، على مدى العامين الماضيين، تصدير الغاز الطبيعي إلى لبنان عبر فلسطين المحتلة وسوريا، وهو مشروع سيموله البنك الدولي وسيزيد الدخل الأجنبي للقاهرة. كما “تستفيد مصر من الأزمة السورية التركية لإعادة دمج حكومة الرئيس السوري بشار الأسد مرة أخرى في جامعة الدول العربية، وهو إجراء تعارضه قطر والنظام السعودي” بحسب المصدر، الذي أكد أن “مصر تتعامل مع هذا الأمر بعناية حتى لا تزعج السعوديين”.
وإزاء ذلك، ظل العمل الرسمي كالمعتاد، وقادت وسائل الإعلام الموالية للحكومة المصرية وأعضاء البرلمان حملة لرأب الصدع، كما فعل السيسي.
وفي السياق، قال يسري المغازي، رئيس لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري، في تصريحات صحفية، إن “العلاقات المصرية السعودية تاريخية واستراتيجية”، مضيفًا: “الرياض تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول ذات العلاقات الاقتصادية القوية مع مصر، حيث وصلت قيمة التبادل التجاري بين مصر والسعودية 9.1 مليار دولار في عام 2021، مقارنة بـ 5.6 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 62.1%”.
وبحسب المصدرين الدبلوماسيين فإن الحديث عن إنهاء كتابة النظام السعودي للشيكات “على بياض” ووقف فورة الإنفاق قد يكون صحيحًا من الناحية الخطابية، ولكن في الواقع هناك توازنات أخرى، جيوسياسية واستراتيجية تجعل مصر مستمرة كبؤرة ساخنة لمصالح دول الخليج.
فالكويت وقطر والسعودية والإمارات حريصة على تنويع اقتصاداتها القائمة على النفط والغاز، وتوفر خصخصة بعض الشركات المصرية المملوكة للدولة طريقة لتحقيق هذا التنويع.
كما أن دول الخليج، خاصة “السعودية” والإمارات، لا تحب أن ترى أزمة مصر الاقتصادية تتطور إلى اضطراب سياسي، لأن الدولة المستقرة في مصر تعني قوة إستراتيجية لمواجهة الإسلاميين، وتضيف بعض التوازن إلى العلاقات مع الكيان الصهيوني، بحسب المصدرين.
أزمة خانقة وتشهد مصر أزمة اقتصادية خانقة في ظل تضخم حجم الدين الخارجي للبلاد ونقص معروضه من العملات الأجنبية، ما جعله ثاني أكبر بلد مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.
ويؤدي التضخم المتسارع، الذي لا يظهر أي علامة على التراجع، إلى تراكم البؤس على أكثر من 100 مليون شخص في مصر، من الطبقة العاملة والمتوسطة على حد سواء.
وإزاء ذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في يناير بأسرع وتيرة على الإطلاق، وتقول الحكومة إن معالجة هذا الارتفاع يمثل أولوية قصوى.
ويقول المسؤولون المصريون إن الأزمة مختلفة هذه المرة، وإن مجموعة كبيرة من الإصلاحات الموعودة ستعطي تحولاً في أسواق مصر واقتصادها، وربما في المجتمع ككل. لكن ذلك لم يقدم دليلاً على سهولة التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة الحالية.
أما التوقعات بفتح حلفاء مصر الخليجيين صنابير الدعم المالي فكانت في غير محلها. إذ لم يتحقق سوى جزء بسيط من هذا التمويل، الذي وصفه صندوق النقد الدولي بالحرج، منذ ما يقرب من عام. وأثارت التعليقات الأخيرة للنظام السعودي حول ضرورة إقرار إصلاحات اقتصادية كشرط لمساعدة الدول الأخرى تكهنات بشأن تعطيل المساعدة المالية لمصر.
كل هذا يعني أن الصفقة الكبيرة التالية التي من المحتمل أن تتضمن في الغالب بيع حصة مملوكة للدولة المصرية في شركة كبرى إلى الإمارات أو قطر أو النظام سعودية، قد تكون لحظة فاصلة، يتبعها بسرعة المزيد من المعاملات.
وقد يشير ذلك إلى أن المستثمرين الخليجيين يرون أن الجنيه المصري قد وصل إلى القاع، ما يسمح لهم أخيراً بالاستقرار على ما يرونها أسعاراً محلية عادلة للأصول التي يرغبون في شرائها.
ارسال التعليق