البرقيات السرية للخارجية السعودية.. الحلقة الثانية
الوثائق الكاملة للبرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية التي تتضمن المراسلات السرية لوزارة الخارجية السعودية المسربة عبر موقع ويكيليكس والتي هزت الرأي العام العالمي لما حوته من قضايا سياسية خطيرة لم يكشف عنها النقاب من قبل.
وتكشف هذه الوثائق السياسية السرية تباعاً لتسلط الضوء على الوثائق السرية التي وردت في كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية" الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني.
ويكشف الكتاب خفايا صناعة القرار في المملكة السعودية وكيف تدار الدبلوماسية السعودية في الخارج.
وفي هذه الحلقة ننشر جانباً من البرقيات التي تكشف كيف تسخر السعودية سفاراتها حول العالم في خدمة النافذين والأمراء ومصالحهم الشخصية والخاصة والتغطية على تجاوزاتهم، بل وحتى توفير الحماية الكاملة للمجرمين منهم.
وتكشف الوثائق من خلال فحص برقيات البعثات الدبلوماسية بالخارج التفشي الكبير للمحسوبية في أوساط النظام السعودي المؤسس بكامله للاستجابة لطلبات الأمراء والنافذين وحاشيتهم، بينما يفتقر المواطن السعودي العادي إلى أبسط الحقوق والخدمات الضرورية التي تقدمها الدولة، أي دولة في العالم، لرعاياها.
التغطية على تجاوزات النافذين
تعود الكثير من الأمراء والأميرات السعوديات على التملص والتهرب من دفع الكفالات والفواتير لأصحاب الفنادق أو المحال التجارية الراقية أو شركات الليموزين أو غيرها، حيث تتولى السفارات السعودية بالخارج التسديد لإغلاق القضايا المرفوعة ضدهم في تلك البلدان.
وتعج الصحافة الغربية بالكثير من القصص عن النافذين وزوجاتهم، فقد سددت السفارة السعودية في باريس ثمن ملابس داخلية لإحدى الأميرات لم تدفع قيمتها لأحد المحلات الفرنسية الراقية.
كما دفعت نفقات فنادق لأمراء وحاشيتهم لإغلاق القضايا في مواجهتهم.
وبينما تعمل المحسوبية لصالح أصحاب النفوذ في السعودية، يدفع المواطن السعودي ثمن الأعباء الاقتصادية الناجمة عن السياسات الاقتصادية وتدهور أسعار النفط والحروب العسكرية، من خلال قرارات رفع الدعم والرسوم المؤلمة، في الوقت الذي يتلقى فيه أخباراً مثل تسوق إحدى الأميرات بمبلغ 20 مليون دولار من باريس، أو خبر شراء إحدى الأميرات شقة بـ30 مليون دولار في فرنسا.
السفارات مكاتب خدمات خاصة
تحولت سفارات السعودية إلى مكتب خدمات خاص بأصحاب النفوذ والأسرة الحاكمة في الدولة والمقربين منها، بدلاً من دورها الرئيسي في حماية مصالح الدولة ومصالح رعاياها في الدول الأخرى، ضمن الحدود التي يقرها القانون الدولي إلى جانب تعزيز العلاقات الودية للسعودية مع الدول الأجنبية وتنمية علاقاتهما الاقتصادية والثقافية والعلمية، وسفير السعودية وطاقم سفارته في أي دولة، هم مجرد حاشية تبقى على أهبة الاستعداد لاستقبال ووداع النافذين وتقديم الخدمات الخاصة لهم.
وبنظرة سريعة إلى التقرير نصف السنوي لنشاط السفارة السعودية في برلين عام 2012 لا يجد المرء كبير عناء في الوصول إلى حقيقة أن السفارة والعاملين فيها مجرد مكتب خدمات خاص بالنافذين يستقبلهم ويودعهم ويعتني بشؤونهم الخاصة.
وتتحدث إحدى الوثائق عن استنفار سفارة السعودية بالقاهرة لمتابعة اتصال هاتفي من أحد الأمراء بالسفارة ليلاً، يطلب فيها تأديب مجموعة مواطنين مصريين وسعوديين قاموا بمضايقته أثناء عودته سيراً على الأقدام إلى الفندق في شرم الشيخ.
الدولة توفر الحماية للمجرمين من أصحاب النفوذ:
تظهر البرقيات المتبادلة بين السفارة السعودية في لندن، ووزارة الخارجية في الرياض فيما يتعلق بقضية الأمير الذي قتل مساعده في فندق بلندن، الجانب الأبرز لتدخل الدولة ومؤسساتها لتوفير الحماية للمجرمين من أصحاب النفوذ.
كان لهذه الجريمة وقع الصدمة على النظام السعودي، لما أحيط بها من ملابسات مثيرة وفضائح سارت بذكرها الركبان والصحافة الغربية، بعد أن عُثر على جثة مساعد الأمير في فندق لاندمارك الفخم في حي مارليبون وسط لندن، حيث كان يقيم الأمير وحاشيته.
وأقر الأمير أمام إحدى المحاكم البريطانية بالتسبب بمقتل مساعده، لكنه نفى تهمتي القتل العمد وإلحاق الأذى الجسدي البالغ بالضحية عن سابق إصرار وترصد.
وتكشف الوثائق أن النظام السعودي أنفق مبالغ مالية باهظة للتغطية على الجريمة واستخدم كل ما يلزم من علاقات ونفوذ سياسي واقتصادي، لإغلاق ملف القضية وإبعاد تفاصيلها عن الإعلام والرأي العام. وبحسب تقرير استخباراتي بريطاني فقد بلغت جملة الرشاوى التي دفعت من قبل النظام السعودي أكثر من خمسين مليون دولار.
وحاولت السفارة السعودية، بحسب الوثائق، في أول الأمر بذل كل الجهود لإقناع القضاء البريطاني بإطلاق سراح الأمير بكفالة، لكي يقوموا بتهريبه إلى السعودية، غير أن جهودهم هذه لم تفلح بعد رفض القاضي كل المبررات والضمانات التي ساقتها هيئة الدفاع عن الأمير لإطلاق سراحه بكفالة.
غير أن النظام السعودي، الذي باءت مساعيه على كل المستويات بالفشل، لجأ، بحسب الوثائق، إلى عقد اتفاقية قضائية مع وزارة العدل البريطانية تقضي بنقل السجناء المحكومين بين البلدين من أجل قضاء فترة محكوميتهم في بلدانهم. وأخيراً وافقت بريطانيا على التوقيع على الاتفاق الذي جرى إبرامه وصياغة بنوده، على مقاس الأمير النافذ، الذي جرى نقله فعلاً، بعد أن تم الحكم عليه بالسجن المؤبد في بريطانيا، إلى السعودية ليتم إطلاق سراحه بعد ذلك.
ارسال التعليق