التحالف وميليشيات هادي.. من البناء المحدود إلى مرحلة التفكيك والإضعاف
التغيير
مرت ميليشيات هادي بمحطات كثيرة في تاريخها منذ تأسيسها، تعرض خلالها لانتكاسات وإعادة هيكلة، خاصة في أعقاب الحروب والصراعات التي خاضها، والتي تركت آثارها عليه، سواء من ناحية التكوين البشري أم القدرات العسكرية والاستعدادات القتالية.
في 2011 خيب الجيش اليمني آمال شعبه؛ من خلال ولائه لعائلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في أحداث ثورة فبراير الشبابية، وكان الجيش اليمني يتألف من 90 لواء عسكرياً تتوزع على 44 لواء حرس جمهوري، و32 لواء يتبع الفرقة الأولى مدرع، و14 لواء يتبع وزير الدفاع، بالإضافة إلى القوات الخاصة والشرطة العسكرية والشرطة والأمن المركزي (معظمها موالية لصالح)، لكن مع سيطرة أنصار الله على للعاصمة صنعاء في 2014، اتضح أن معظمها كانت تذعن بالولاء لصالح، الذي أسهم في إنهاء حكومة الوفاق التي شُكلت باتفاق خليجي أممي، والقضاء على حكم عبد ربه منصور هادي.
ومع دخول التحالف السعودي والإماراتي إلى اليمن، في مارس 2015، كان ضمن الأدوات المهمة لمحاربة أنصار الله إعادة بناء الجيش تحت مسمى "الجيش الوطني اليمني"!، وكانت نواته من الضباط الذين فروا من الجيش اليمني الذي يقاتل حاليا إلى جانب أنصار الله، إلا أن الأحداث الأخيرة بدأت تمضي نحو تدمير الجيش الذي شكله آل سعود.
نواة ودور حاسم
قبل أن يتدخل التحالف بقيادة آل سعود كانت وحدات من الجيش تتجمع في محافظة مأرب ومنطقة العبر التابعة لحضرموت، بقيادة اللواء عبد الرب الشدادي، الذي قتل لاحقاً في مواجهات مع أنصار الله، ليُسهم التحالف في بناء قوات الجيش الجديد من خلال تدريب أفراده بقواعد عسكرية في إرتريا وعلى الحدود مع مملكة آل سعود وبعض المناطق اليمنية.
الجيش الجديد الذي أوضح تقرير صادر عن مركز "أبعاد" اليمني أن قوام تشكيلاته تبلغ نحو 200 ألف مقاتل تم توزيعها على سبع مناطق عسكرية؛ الأولى والثانية في محافظات حضرموت والمهرة وسقطرى، والثالثة في محافظة مأرب، والرابعة في محافظات عدن ولحج وتعز والضالع، والخامسة في محافظتي حجة والحديدة، والسادسة في محافظات الجوف وصعدة وعمران، والسابعة في محافظات صنعاء وذمار وإب والبيضاء.
ورغم أن هذا الجيش كان له دور حاسم في حسم عدد من المعارك، غير أنه تعرض لهزات عنيفة؛ متمثلة بتجاهل متعمد لبناء قواته الجوية والبحرية، ومن ثم بناء مليشيات تفوقه بالعتاد ولاؤها للخارج، وصولاً إلى التحريض الإعلامي ووصفه بالجيش الوهمي والتشكيك بولائه، وتعمد تأخير مرتبات أفراده.
ولم تتوقف عمليات استهداف كيان هذا الجيش هنا، بل وصلت إلى حد قصفه بالطيران، كما حدث في أغسطس 2019، عندما قصف من قبل طيران الإمارات على مشارف عدن، إضافة إلى اتهامات سابقة بقصف كتائب للجيش خلال مواجهتها مع أنصار الله ومنعها من التقدم نحو العاصمة صنعاء.
لا بحر ولا جو
أولى النقاط المُثارة حول الجيش اليمني الجديد أنه جيش بري فقط، ولم يُشرع في بناء قواته البحرية والجوية، رغم مرور خمس سنوات على تأسيسه، يُفسر ذلك الخبير العسكري اليمني علي الذهب بأن التحالف بشقيه السعودي والإماراتي "لا يريد لسلطة هادي التحرر من قيوده، ولا يريد منحها سيادة جوية كاملة، سواء من خلال إعادة إعداد الأسطول الجوي السابق أو شراء طائرات جديدة، وهذا أمر مستبعد".
وفي حديثه يرى الذهب أن السيادة الجوية "تُمكّن سلطة هادي من الاستغناء عن التحالف في أي لحظة، لأنه بمجرد حصولها على القوات الجوية تصبح ذراعها طويلة، ولن تحتاج للتحالف، وما تطلبه الآن هو وجود الطيران، وهذا سيمنحها استقلالية أكثر".
وأضاف: "أما البحرية اليمنية التي كانت ضعيفة أصلاً فإن بناءها يتطلب أموالاً كثيرة، فهل يمكن أن يشتري التحالف سفناً تُكلفه ملايين الدولارات أو زوارق بحرية أو لنشات حراسة؟".
وتابع: "مع أن تقارير أمريكية توضح أن 20 مليار دولار تكفي لبناء جيش قوي، في ظل حكومة متوافق عليها وبرلمان منتخب، وهو رقم بسيط مقارنة بما أنفقه آل سعود من صفقات، خصوصاً أن الحملة التي يقودها آل سعود كان من أهدافها المساهمة في إعادة بناء الدولة وهياكلها، ومن ضمنها المؤسسات العسكرية والأمنية، وما تتطلبه من أسلحة ومعدات؛ ليس كما كانت عليه ولكن على الأقل مستوى يجعلها دولة قادرة على بناء نفسها وتجاوز مرحلة ما يسمى بالدولة الهشة".
وأشار الذهب إلى أن هناك عاملاً آخر مهماً "هو أن الوقت لم يحن لترتيب هذا الملف، خصوصاً مع حدوث انشقاقات داخل قوات هادي؛ فالمجلس الانتقالي مسيطر على الساحل الجنوبي، وطارق صالح على الساحل الغربي، وسلطة هادي يدها ضعيفة في هذه المناطق".
استراتيجية لآل سعود واستنزاف
أما من الناحية الاستراتيجة فيقول الذهب: إن "سلطات آل سعود لا تريد دولة قوية في المنطقة تثير تهديدات أمنية، بحسب استراتجيتها؛ لأنها كانت تنظر لليمن على أنه مصدر تهديد، وأن تسليحه يمكن أن يُخل بموازين القوى في المنطقة. ومن ثم فإن التسليح البحري والجوي يدخل في إطار الأسلحة التي تتطلبها هذه القوى إلى جانب الأسلحة البرية".
وتابع: "كثيراً ما كانت سلطات آل سعود تفرض قيوداً على تسليح اليمن بالأسلحة الاستراتيجية مثل الصواريخ الباليستية، وحتى على مستوى مصادر التسليح كانت تحاول دفع اليمن إلى المعسكر الغربي للحصول على الأسلحة، لكن اليمن كانت عقيدته العسكرية شرقية، وتسليحه وتعليمه في إطار المعسكر الشرقي".
ويتوقع المحلل العسكري اليمني أنه حتى القوات البرية للجيش اليمني لن يُعاد بناؤها لعدة اعتبارات وتحولات، ويقول: "بات من الواضح وجود عامل الاستنزاف كاستراتجية لآل سعود، حيث يتم استنزاف القوات المحسوبة على التيار الإسلامي (الإصلاح) في نهم وصرواح، واستنزاف ما يشار إلى أنه القاعدة في البيضاء، واستنزاف أيضاً في تعز لأنها محسوبة على الإصلاح، واستنزاف أنصار الله بخصومهم طارق صالح في الساحل الغربي".
وأشار إلى أن المعركة في اليمن "تسير في حلقة مفرغة وربما لن تصل إلى حل؛ بسبب تخبط التحالف ونواياه التي انكشفت في الأحداث الأخيرة في نهم وصرواح".
تفاهمات ومليشيا موازية
من جانبه يرى الصحفي اليمني مصعب عفيف أن الجيش الجديد يمر بعملية ممنهجة لإضعافه، "ليس فقط عدم وجود قوات جوية وبحرية، بل لأنها لم تحظَ باهتمام الحكومات اليمنية السابقة في عهد نظام صالح، والقيود على اليمن التي جاءت نتيجة تفاهمات بين آل سعود والدول المصدّرة للسلاح تمنع تطور القدرات العسكرية لليمنيين".
ويقول عفيف: إن التحالف "يعمد لتشكيل مليشيات ولاؤها للمال فقط، وبمجرد توقف الدعم المالي تتمزق بسهولة؛ لأنها لا تمتلك قضية وطنية أو عقيدة قتالية".
وعكفت الإمارات على إنشاء مليشيا المجلس الانتقالي بعقيدة انفصالية في الجنوب، ومليشيا أخرى في الساحل الغربي بقيادة طارق صالح نجل الرئيس السابق علي صالح، بالإضافة إلى مليشيا سلفية كونتها الإمارات تحت مسمى العمالقة، ومليشيا سلفية أخرى تقاتل في الحدود مع آل سعود.
وأوضح الصحفي اليمني أن "توقف الرواتب والحملة على الجيش الجديد تتشارك فيها أطراف عدة؛ أولاً فساد حكومة هادي وجهات سياسية داخلية لا تريد نجاح هذا الجيش لأنه ليس في دائرة نفوذها السياسي".
واعتبر عفيف أن "دعم آل سعود للجيش الجديد كان محدداً ومحدوداً بحيث لا يصبح قوياً، ويظل بحاجة لدعم آل سعود وتحالف العدوان، وهذا كله نتيجة مخاوف آل سعود القديمة من تشكل دولة يمنية قوية على حدودها، وهذه هي أهم الدواعي، بالإضافة للخشية من صعود أي تيار سياسي قوي في اليمن قد يقوم ببناء دولة قوية ويرفض التبعية لآل سعود".
ارسال التعليق