السعودية تدفع العالم إلى التواطؤ لإجهاض العدالة
أعربت المُقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أنييس كالامار، عن قلقها البالغ لضعف رد الفعل الدولي تجاه جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية العام الماضي. وكتبت المسؤولة الأممية، التي تشغل أيضاً منصب مدير معهد حرية التعبير الدولية بجامعة كولومبيا الأمريكية، مقالاً بصحيفة واشنطن بوست اتهمت فيه السعودية بارتكاب فعل مُخالف للقانون خارج نطاق حدودها الإقليمية.
وقالت كالامار: إن السعودية تُخضع حالياً 11 متهماً في جريمة خاشقجي لمحاكمات، لكنها لا تتوقع أن يتمخّض ذلك عن “عدالة حقيقية”.
وأضافت أن اغتيال خاشقجي ليس شأناً محلياً يخص الرياض وحدها، لأن الجريمة ارتُكبت خارج نطاق القضاء وداخل الحدود التركية بهدف انتهاك حرية التعبير، كما أنها عرّضت حرمة العلاقات القنصلية للخطر، وتعارضت مع مصالح المجتمع الدولي برمته. وقالت: من “المقلق جداً” حتى الآن أن رد الفعل الدولي، القانوني أو السياسي أو الدبلوماسي، لم يكن فعّالاً لتلك الدرجة.
وأضافت “صحيح أن الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين الدائمين بمجلس الأمن الدولي يتابعون سير المُحاكمات إلا أنهم اتفقوا على ألا يفصحوا عن مجرياتها ما جعلهم متواطئين في إجهاض العدالة”. فماذا بعد ذلك؟، تتساءل كالامار وتجيب بالقول: إن على المجتمع الدولي مُضاعفة مطالبه لإجراء تحقيق فعّال لمعرفة العقول المُدبّرة للجريمة، ومن ثم ملاحقتهم قضائياً.
واستدركت قائلة: إن العدالة لخاشقجي لا ينبغي أن تُترك لإجراءات القضاء السعودي “المعيبة”، وعلى الدول الأخرى أن تطالب ب “ولاية قضائية عالمية” لمُحاكمة المسؤولين عن الجريمة.
ومضت الكاتبة في تقديم مقترحاتها بمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين خبراء في القانون الجنائي لتحديد المسؤوليات الفردية عن مقتل خاشقجي.
وترى كالامار أن ما تسميه “مُماطلات الأمم المتحدة” بشأن القضية لم تؤد إلى شيء سوى إضعاف المنظمة الدولية، التي يجب عليها أن تضع آلية دولية مُستقلة لإجراء تحقيقات جنائية في الاغتيالات التي تستهدف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وأضافت “صفوة القول أن الصمت أو التقاعس، أو في أسوأ الأحوال التواطؤ المضمر أو الصريح، لن يتسبّب سوى في مزيد من الظلم وعدم الاستقرار الدولي”، على حد تعبير مقال أنييس كالامار.
من جهة أخرى قالت المُقرّرة الأممية لحالات الإعدام خارج القانون: إن قضية اغتيال خاشقجي ستبقى حية حتى يقتنع الرأي العام العالمي بأنه جرى اتخاذ ما يلزم لتحقيق العدالة له، ودعت واشنطن إلى فتح تحقيق فدرالي في القضية. جاء ذلك خلال ندوة في لندن عقدتها منظمة القسط لحقوق الإنسان تحت عنوان “اغتيال جمال خاشقجي .. السر المفضوح”. ودعت كالامار إلى تعيين خبراء في القانون الجنائي لتحديد المسؤول عن مقتل خاشقجي، واعتبرت أن على الولايات المتحدة مسؤولية فتح تحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي، باعتبار أن خاشقجي كان يقيم على أراضيها ويعمل في مؤسسة صحفية أميركية.وشددت كالامار على ضرورة إنزال عقوبات فردية تطال أشخاصا في أعلى هرم السلطة في السعودية، داعية تركيا إلى كشف ما لديها من أدلة، معتبرة أن الطريقة التقليدية في التحقيق لن تنتهي لتحديد القاتل وإدانته، وأن المطلوب هو تعاون دولي في هذه القضية. واعتبرت المُحققة الأممية أن إنجاز العدالة لجمال خاشقجي يعني العدالة للناشطات السعوديات، وللشعب اليمني وغيرهم، داعية إلى الاستمرار في النضال من أجل تحقيق العدالة لروح الصحفي المغدور.
من جهتها انتقدت الصحفية بواشنطن بوست كارين عطية الإدارة الأمريكية لمواصلة دعمها لمن وصفته ب “دكتاتور السعودية”، مُعتبرة أن مقتل خاشقجي هو بمثابة هجوم على صحيفة واشنطن بوست وعلى الصحافة والمؤسسات الأمريكية كلها. وروت عطية كيف تعرّفت على جمال خاشقجي الذي التقته عام 2017 في صحيفة واشنطن بوست وكانا متحمّسين لفهم التغيرات السريعة التي تجري في السعودية، وكيف انحاز خاشقجي - بحسب زميلته - للحريات وخسر جرّاء ذلك مناصب وامتيازات بسبب الخيارات التي اتخذها في حياته ليكون صوتاً للآخرين، مؤكدة أنها كصحفية تدين له بهذه الأخلاق والرسائل التي كان يحملها في سبيل تحقيق العدالة. وانتهت عطية بالإشارة إلى أن ارتكاب الجريمة في مبنى دبلوماسي هو بمثابة خرق لجميع القواعد، كما أن درجة قساوة الجريمة لفتت الانتباه إلى “بشاعة الحكام الجدد في السعودية”.
من جهتها، تحدّثت خديجة جنكيز خطيبة الصحفي الراحل عن الجهود القانونية التي تواصل اتخاذها في سبيل مقاضاة قتلة خطيبها. وفي حين نفت جنكيز تعرّضها لأي تهديدات أو ضغوطات حالياً لإسكاتها، فقد أشارت بالمقابل إلى تلقيها الكثير من رسائل الكراهية، مُشدّدة على أنها ستواصل نضالها من أجل العدالة لروح خطيبها. وقال رئيس مؤسسة القسط لحقوق الإنسان يحيى عسيري: إن “العالم أدرك أن هناك خطراً من السلطات الحاكمة في السعودية وأنها لن تجلب الاستقرار”. وأوضح أن هناك عقوبات بدأت تتخذها بعض الدول، من بينها إلغاء بعض صفقات التسليح.
ارسال التعليق