السلاح السعودي في وجه المقاومة الفلسطينية: حربٌ على الوعي
لم يُنتظر قط من مملكة آل سعود أن تقدم دعما عسكريا أو سياسيا أو حتى ماديا لأهل غزة في أي عدوان تعرضت له هذه الأخيرة. فهي حتى في دبلوماسيتها ظالمة ومنحازة.
وكان الفتح العظيم بقمة عربية- اسلامية عقدها حكام آل سعود على أرض الجزيرة العربية في "الرياض"، التي خرجت بأضعف ما يمكن أن تخرج به قمة بهكذا ظرف وبهكذا حجم. ولكن كانت إيران وسوريا الدولتان الوحيدتان في القمة اللتان رفعتا الصوت عاليا في وجه الكيان الصهيوني صراحة وفي وجه أميركا، والوحيدتان اللتان نادتا بفعل المقاومة الحتمي كأداة وحيدة للتصدي لهمجية الصهاينة.
وعلى قاعدة أرساها الفيلسوف الفرنسي جان بودريار تقول بأن "آخر الحروب الحقيقية هي الحرب العاليمة الثانية"، أخرجت "السعودية" سلاح ترويض الوعي "السعودي"، أي الذباب الإلكتروني، لصد أي احتمال في خلق جيل أكثر انحيازا لفلسطين ومن الشاهدين في البث الحي على وحشية العدو.
تفعيل الذباب الإلكتروني.. أي غايات:
تأتي مساعي ضبط الوعي "السعودي" تجاه القضية وتجاه الكيان الإسرائيلي، خاصة أن محمد بن سلمان كان مقبلا على تطبيع علاقاته مع الكيان المتحل، فيأتي سعيها للتعمية على الحقيقة، في سياق حفظ ضمانة استمرار "طموحات" ابن سلمان في تدشين علاقة بلاده مع العدو؛ دون عقبات شعبية محتملة.
ومن منطلق مفاده أن آل سعود يخافون من الكلمة التي تُقال بحقهم مثلما يخافون من تلك التي تُقال بحق بني صهيون، جرى تفعيل الذباب الالكتروني "السعودي". لترويج الرواية الإسرائيلية القائلة بأن إيران هي من تقف خلف عملية طوفان الأقصى وليس عمل مقاوم في وجه وجود استيطاني استعماريّ.
إضافة إلى عدم التطرق إلى أي إنجاز حققته المقاومة الفلسطينية، وتسليط الضوء على مآسي الغزيين الحالية من منطلق أن "انظروا ماذا فعلت حماس".
والذباب الإلكتروني السعودي، هو ذراع "النظام السعودي" في منصات التواصل. والذي يهدف في الظروف العادية لمهاجمة المعارضة وتشويه سمعة الناشطين، تبييض صورة العائلة الحاكمة، تحسين سمعة محمد بن سلمان، التعتيم على الواقع الحقيقي في السعودية.
ويعملون من خلال نشر كميات كبيرة من التغريدات ، التحكم بالوسوم الأكثر انتشارا، مهاجمة عشوائية لتغريدات الناشطين، وتمجيد إنجازات الحكومة الوهمية.
ونشهد في ظل هذا العدوان الصهيوني على غزة تنشيط لحسابات شخصيات سعودية غير وهمية ولكن تكاد تكون مُسيرة عبر روبوتات، حيث أن تغريداتهم تصب في المصبّ عينه. من مهاجمة حركة المقاومة الفلسطينية في غزة، وتحميلها مسؤولية ما يتكبده البشر والحجر من جراء العدوان على القطاع.
يأتي هذا في إطار هدف "تسخيف وجهة نظر مقابل تعزيز وجهة نظر أخرى". ووجهة النظر المُراد تعزيزها هي مجددا ومجددا الرواية الإسرائيلية، التي تقول أن كل هذا القتل والتشبيح مبرر لأن حماس لا يحق لها أن تفعل ما فعلته، ولكن دون القول مباشرة بأن "إسرائيل" محقة بِردّ فعلها هذا.
فكما تظهر التغريدة أدناه لأحد "الشخصيات السعودية" الذي حيث كتب "إنجاز حماس الفارسية أنها حققت إبادة أهل غرة وتهجيرهم، وحققت مالم تفعله الجيوش العربية من أن تكون تابعة للفرس وتنفذ أجندتهم وهي صاغرة ذليلة ولا تبالي بدماء أهل غزة ولا مستقبل حياتهم.. أن تكون أخونجي يعني أن تمتهن الدياثة على وطنك وأرضك وقضايا الأمة"
ومع صعود صورة "أبو عبيدة" المتحدث الرسمي للقسام (الجناح العسكري لحركة حماس) في الوطن العربي، انتشرت منشورات شبه متطابقة على العديد من الحسابات "السعودية" تقوم بتفريغ كل القوة والصمود التي تظهرها المقاومة الفلسطينية في غزة، في مسائل أقل ما يُقال عنها أنها سخيفة.
ويَظهر عدد من الحسابات، على سبيل "المصادفة"، وهم يثيرون الفكرة الغبية عينها حول لون خمار المتحدث باسم القسام "أبو عبيدة".
ذكر أحد هذه الحاسبات هذه الفكرة في قوله: "عزيزي السعودي.. ليش هالجبان المنقب يلبس شماغ أحمر وما يلبس الكوفية الفلسطينية؟! خذ نفس وفكر فيها وبتعرف هدف من أهدافهم الخبيثة ضدك استخدموه سابقاً في حادثة تحطيم أبراج التجارة العالمية لما غرروا بسعوديين حتى تُتهم السعودية بالإرهاب".
وفي الآتي عدد من الحسابات التي ذكرت الفكرة عينها:
هذا ولم تكتفِ "الرقابة" السعودية على فرض نشر الرواية الاسرائيلية، ولكن تمادت للتضييق على المنشورات التي تدعم القضية ولو بشكل عام. حيث كان نادي الهلال "السعودي" لكرة القدم قد حذف صورة أحد لاعبيه وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية في أقل من ساعة واحدة بعد نشرها على موقعX .
وظهرت حسابات "سعودية" منتقدة لهذا السلوك الذي بدر من النادي الرياضي، ولكن سرعان ما عادت واعتذرت هذه الحسابات وسحبت معارضتها. وذلك حتما بعد تعرضهم للتهديدات في الحالة الطبيعية للموقف "السعودي" من أي انتقادات تُوجه.
ولم يتوقف التضليل على منصات التواصل الاجتماعي حصرا، بل تعدتها لسلوك وسائل الإعلام "السعودية" في تغطية أحداث غزة.
حيث عنونت صحيفة "الشرق الأوسط" في مقالها الذي تناولت فيه الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء، مستعيرة توصيف "عملية دقيقة ومحددة" من بيان "الجيش" الإسرائيلي. ولكن بعد الأصوات التي ارتفعت مستنكرة اعتماد الصحيفة لهكذا توصيف لهجوم لا يمكن تبريره على مجمع استشفائي، عادت وغيرت العنوان.
وفي التقرير، استهلته بما صدر عن جيش الكيان الإسرائيلي والناطق باسمه "إيلي كوهين"، في تقديم الرواية الصهيوني على أصل الرواية.
حسابات ممنهجة ومتكاملة نصرة لسردية الكيان:
وكشف تحقيق لمنصة “إيكاد” المتخصصة في استخبارات المصادر المفتوحة، عن طبيعة عمل حسابات سعودية صهيونية تهاجم المقاومة الفلسطينية وتنتقد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام.
وقالت إيكاد في تحقيق مطول نشرته عبر حسابها الرسمي على منصة “X” (تويتر سابقا) أن هذه الحسابات ظهرت “بروايات وسردية متطابقة تمامًا، مُرددة الجمل والعبارات ذاتها بكثافة بعد ساعات فقط من بدء عملية طوفان الأقصى”، مثل حسابات حمد العتيق وسلمان بن حثليين وعبدالله الطويلعي.
وقالت المنصة إن هذه الحسابات وغيرها ركزت على ترويج مزاعم حول استهداف المقاومة للمدنيين الإسرائيليين ومعاملتهم بوحشية وأسرهم.
وأرفقت إيكاد تلك المزاعم التغريدات بصور لنساء وروايات مضللة، وزعمت الحسابات أن ما يحصل مجرد مسرحية بين المقاومة وإسرائيل، وأن هدفها الرئيسي جمع المال والدعم لا أكثر.
وتَبيّن وفقا لمنصة "إيكاد" أنها "لجنة واحدة" بسبب تاريخ إنشاء حسابات عديدة منها (أُنشئ معظمها في أكتوبر وسبتمبر وأغسطس الماضي)، وأنها تتفاعل مع الحسابات ذاتها، وتروّج لنفس الفكرة.
ومن خلال تحليل الحسابات التي رددت العبارات ذاتها وروّجت لسردية معادية للمقاومة، لوحظ أن هذه الحسابات هي عبارة عن لجان إلكترونية ممنهجة ومترابطة ومتفاعلة مع بعضها بشكل واضح، تتفاعل وتغرد مع الحسابات المركزية السعودية وتردد العبارات نفسها.
ولفت تقرير لمركز كارنيغي يسلط الضوء على القمع الذي يتعرض له المغردون من داخل "السعودية" في منشوراتهم حول العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى "نمو المؤثرين العرب المؤيدين لإسرائيل، في حين يُعد المؤثرون العرب المؤيدون للفلسطينيين الذين يمارسون الرقابة الذاتية ظاهرة جديدة نسبيًا. لكنه يناسب نمطًا أوسع من المحاولات التي تقودها الدولة من قبل بعض الحكومات العربية لقمع المعارضة وتشكيل السرد حول إسرائيل في عصر جديد من التطبيع".
وأضاف التقرير "قد تعتقد الأنظمة العربية أن الحد من المحتوى المؤيد لفلسطين، مع استمرار إسرائيل في هجومها على غزة، قد يساعد في خلق الوهم بوجود توازن بين وجهات النظر المؤيدة لإسرائيل والمؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما تعتبره الحكومات استراتيجية في علاقاتها مع إسرائيل والغرب".
للسعودية تاريخ موثّق:
في وقت سابق أعد موقع "ذي إنترسبت الأميركي"(The Intercept ;تحقيقا كشف فيه خفايا مهام الذباب الالكتروني التابع للـ"نظام السعودي" وآليات عمله في الترويج الزائف للـ "سلطات السعودية".
وأظهر التحقيق أن الحملات المؤيدة لسياسات الحكومة السعودية تكون عِبر شبكات منظمة من الروبوتات بالإضافة إلى المؤثرين الموالين للحكومة ويتم تضخيم رسائلهم ومشاركتها من قبل شبكة من الحسابات غير الموثقة.
وكشف أن هناك شركات تسويق كاملة مقرها السعودية تساعد في إدارة الحسابات الوهمية للحكومة السعودية، كما يعملون مع الحكومة لمواصلة اغتيال الصحفيين وأعضاء المجتمع المدني الذين لا ترغب بهم الحكومة.
وشدد التحقيق على أن المضايقات عبر الإنترنت والمعلومات المضللة باتت قضايا سياسية في الولايات المتحدة، ولكن في البلدان الاستبدادية يمكن أن يكون التهديد أكثر خطورة على الفور.
وتابع أنه تحت سيطرة الأنظمة الحاكمة، يمكن تسليح المجال العام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، تسليحا كاملا.
ولفت التحقيق إلى كون "السعودية، التي يحكمها ولي عهد محمد بن سلمان، أزهرت على وجه الخصوص استعدادها للذهاب بعيدا ودعم تهديداتها وترهيبها عبر الإنترنت من خلال اختطاف وقتل منتقديها المفترضين، حتى أولئك الذين يعيشون في الخارج".
ارسال التعليق