العمالة المنزلية في السعودية: تعذيب و اغتصاب و استعباد للعباد
في الوقت الذي توجه للسعودية انتقادات لاذعة لانتهاكاتها حقوق الإنسان، تواصل السلطات السعودية انتهاكاتها بحق العاملات في المنازل حيث يتم بيعهن كسلع يروّج لها عبر مواقع الانترنتز وقد كرست قوانين استعبادية للعمالة الوافدة في السعودية الانتهاكات الممارسة ضد العاملات في ظل قصور حكومي عن معاقبة المتورطين وهو ما أكدته مؤخرا فضيحة التحرش التي تعرضت لها العاملة الكينية. وقد تم توثيق الاعتداء من خلال قيام العاملة الكينية بوضع كاميرا الهاتف في مكان سري يمكنها من كشف ماتتعرض له من انتهاكات انسانية من قبل كفيلها أو من قبل أحد أعضاء أسرة الكفيل. وذلك يشير إلى أنها ليست بالمرة الأولى التي تتعرض لها العاملة للتحرش حيث أنها وضعت هاتفها في مكان لايراه المتحرش و يظهر الجريمة النكراء بكل وضوح. وما قامت به السلطات السعودية هو نشر صورة الضحية في كل خبر و كأنها تصمها بالعار في حين امتنعت عن الافصاح عن هوية المجرم خوفاً على مستقبله و بهذا الشكل تثبت السلطات السعودية انها متواطئة مع الجاني و تعطي الضوء الأخضر لمواطنيها لانتهاك حقوق الإنسان لا وبل تربي مواطنيها على ذلك.
ومن جهتها أدانت منظمات حقوقية واقعة التحرش الجنسي التي تعرضت لها عاملة منزل كينية في السعودية، في ظل مطالبة السلطات السعودية بضرورة حماية العاملات المنزلية، ومعاقبة المتورطين في مثل تلك الأفعال. حيث أجمعت المنظمات الحقوقية على ضرورة إلغاء نظام الكفالة الذي يساهم بشكل أساسي في حدوث مثل هذه الاعتداءات في السعودية. ونظراً لما تعاني منه العاملات في السعودية من ضعف وعدم حماية من قبل أي قانون فتعاني أغلب هذه الضحايا من نظرة المجتمع السيئة و التكذيب الجماعي حيث يلقي المجتمع و السلطات السعودية بشكل دائم اللوم على الضحية. وفي المقابل يكون المتهم شخص قوي محمي بامتيازات المواطنة يقف مقابل وافدة ضعيفة بلا حقوق فتكون هؤلاء العاملة بمثابة فريسة أمام مثل هذه النفوس الجشعة. ولاتقتصر معاناة العاملات الوافدات في السعودية على التحرش فهناك العديد من الامور التي تعاني منها خلال رحلتها لكسب دخل يعيلها و عائلتها.
وفي الأونة الأخيرة و مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي و سرعة الوصول إلى الخبر أظهرت العاملات الوافدات بعض الشجاعة و الجرأة في فضح اللانتهاكات التي تتعرضن لها بالرغم من خطورة ما قد يتعرضون له بعد نشرهن لهذه المقاطع من ضرب أو قتل لأن أرواح العاملات رخيصة لدى السلطات السعودية التي تتواطؤ مع الكفلاء، وإن لم تتعرض للقتل يتم اعتقالها ثم يقع ترحلها.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة حوادث كثيرة بينت وأظهرت الانتهاكات الحاصلة والمتكررة سواء من شركات الاستقدام او أصحاب العمل، ما حصل للعاملة الكينية بشع والأبشع تساهل القانون والنظام بالعقوبة التي فرضت على المجرم المعتدي.
ويؤكد مراقبون أن موازين العدالة مقلوبة في السعودية وإذا استمر الحال كما هو فستزيد الانتهاكات والجرائم ضد العمال فإذا كان النظام يرفض إلغاء قوانين الكفالة فيجب على السعوديون رفض وفضح هذه الانتهاكات.
ما هو قانون الكفالة:
تشكل العمالة الوافدة إلى السعودية حوالي ثلث سكان المملكة والوضع القانوني لهم يخضع لنظام الكفالة وسلطة صاحب تأشيرة العمل. ونظام “الكفالة” الذي تعمل به المملكة هو الأكثر تقييداً في الخليج، ويعد اتجاراً بالعمالة يرقى إلى عبودية حديثة، وفقاً لمنظمات عمالية وحقوقية.
تقول منظمات حقوق الإنسان وهيئات دولية متخصصة كمنظمة العمل الدولية والمنظمة العالمية للهجرة إن نظام الكفالة يتعارض في أساسه مع مبادئ حقوق الإنسان وأنظمة العمل الحديثة التي تستند في مرجعيتها الى الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق المهاجرين. ورغم أن معظم دول الخليج قد صادقت على هذه الاتفاقية، الا أن نظام الكفالة يشكل قاعدة سائدة في أسواق العمل بهذه البلدان، كما يقول رضوان السعدي مستشار مدير عام المنظمة العالمية للهجرة وأكد السعدي ان المنظمة العالمية للهجرة تواصل حوارها مع حكومات دول الخليج العربي من أجل ملاءمة أنظمة العمل فيها مع مقتضيات حقوق الإنسان والمهاجرين، ولاحظ بأن هذه الدول تطبق أنظمة عمالة مؤقتة دون أنظمة الهجرة الدائمة أو الاندماج المعمول به مثلا في الدول الأوروبية، لكنه اعتبر ان "حق تلك الدول وسيادتها في سن القوانين التي تحتاج إليها ليس محل نقاش، أما استقدامها لعمالة مؤقتة فلا يعطيها الحق في انتهاك أي حق من حقوق هؤلاء العمال المهاجرين".
من الناحية العملية فإن معظم العمال المهاجرين الذين يقصدون بلدان الخليج العربي يخضعون لنظام الكفالة، وهو نظام يكرس " التمييز والاستغلال" كما تقول مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وأضافت انه "يقيد العمال تماما بمخدوميهم ، مما يساعد أرباب العمل على ارتكاب التجاوزات مثل منع العمال من تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد في بعض الأحيان". وفي محاضرة ألقتها بجامعة جدة في المملكة العربية السعودية قالت نافي بيلاي "للأسف غالبا ما يتعرض العديد من المهاجرين في هذه المنطقة ومناطق أخرى للتمييز والعنف والاستغلال وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان".
وكانت منظمة العفو الدولية أفادت في نيسان الماضي، أن ما لا يقل عن 41 امرأة سريلانكية، معظمهن عاملات منازل أجنبيات، قضينَ شهوراً عديدة مُحتجزات تعسفياً في أحد مراكز الترحيل في السعودية، في انتظار إعادتهن إلى وطنهن.واحتُجزت النساء في مركز الترحيل بالرياض لفترات تتراوح من ثمانية إلى 18 شهراً. ولدى ثلاثٍ منهن، على الأقل، أطفال محتجَزون معهن، كما هناك امرأة واحدة في حاجةٍ ماسةٍ إلى الرعاية الطبية والعلاج اللذين تُحرم منهما.وتشكل محنتهن مثالاً صارخاً على كيفية بقاء عاملات المنازل عالقات في براثن نظام الكفالة المسيء بطبيعته. وفي مارس/آذار 2021، تظاهرت السعودية بإجراء إصلاحات على نظام الكفالة، لكن هذه الإصلاحات استثنت عاملات وعمال المنازل الأجانب الذين يشكلون 30% من العمال الأجانب البالغ عددهم 10 ملايين في البلاد!!
ما المطلوب حتى تلغي السعودية نظام الكفالة لاستعباد البشر:
في حين تحرص دول الخليج بشكل متزايد على الإصرار على أنها ألغت هذا النظام. لكن أغلبها تلاعب فعلا بالإصلاحات، ولم يقم أي منها بإلغاء النظام بالكامل. لدى السعودية أحد أنظمة الكفالة الأكثر تقييدا في المنطقة، لأنه يحتفظ بجميع عناصر الإساءة. يتوقف قياس إلغاء السعودية فعليا لنظام الكفالة على إنهاء خمسة عناصر رئيسية تمنح أصحاب العمل السيطرة على حياة العمال الوافدين:
1-إنهاء إلزام العامل الوافد بأن يكون لديه صاحب عمل يكون كفيله لدخول البلاد.
2-إلغاء السلطة التي لدى أصحاب العمال لتأمين وتجديد تصاريح إقامة وعمل العمال الوافدين - وقدرتهم على إلغاء هذه التصاريح في أي وقت.
3-عدم اشتراط حصول العمال على موافقة أصحاب العمل لترك وظائفهم أو تغييرها.
4- إلغاء ما يسمى بجريمة "الهروب"، والتي بموجبها يمكن لأصحاب العمل الإبلاغ عن اختفاء العامل، مما يعني أن العامل يصبح تلقائيا بدون وثائق، ويمكن اعتقاله، وسجنه، وترحيله.
5- عدم اشتراط حصول الوافدين على موافقة صاحب العمل لمغادرة البلاد في صيغة تصريح خروج.
و كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقت كيف تُسهل عناصر نظام الكفالة سوء المعاملة والاستغلال للعاملين الوافدين . حيث لا يتمتع العمال سوى بصلاحية محدودة للشكوى من الانتهاكات أو الهروب منها عندما يتحكم صاحب العمل في دخولهم وخروجهم من البلاد، وإقامتهم، وقدرتهم على تغيير الوظائف. و هذا مايدفع الكثير من أصحاب العمل لاستغلال هذه السيطرة بأخذ جوازات سفر العمال، وإجبارهم على العمل لساعات طويلةدون رحمة، وحرمانهم من الأجور. عاملات المنازل الوافدات على وجه الخصوص قد يُحبَسن في منازل أصحاب العمل، وقد يتعرضن للاعتداء الجسدي والجنسي. كما أدى نظام الكفالة أيضا إلى وجود مئات الآلاف من العمال دون وثائق رسمية، حيث يمكن لأصحاب العمل إكراه الناس على بلوغ هذه الحالة، ويمكن أن يصبح العمال الذين يهربون من الإساءات بدون وثائق.
حالات متكررة:
ولم تكن قضية العاملة الكينية الأولى ولا الأخيرة حيث كانت منظمة منظمة "براك"، وهي غير حكومية تعمل مع العمال المهاجرين البنغال، تحدثت في عام 2019 عن عودة 9 آلاف عاملة بنغالية من السعودية خلال أربعة أعوام، معظمهن يحكين عن التعذيب الجسدي والاعتداء الجنسي.وقال حينها شاريفول إسلام حسن، رئيس برنامج الهجرة في المنظمة، إنه خلال هذه الفترة "أعيدت 152 جثة من السعودية، بينهن 66 أقدمن على الانتحار، دون أي معاقبة للمتسبب في ذلك الوضع".وأضاف: "جميع العاملات تقريباً عدن بأيدٍ فارغة، والعديد منهن ليس معهن سوى الثوب الذي يرتدينه". وتابع: "لقد وجدنا أن العديد من النساء في مطار دكا ما زالت أجسادهن تحمل آثار ندوب التعذيب الجسدي"، لافتاً إلى أنه لا توجد وكالات توظيف أو وزارات معنية تستقبل النساء المصابات بصدمات نفسية.
المستفيدون من نظام الكفالة يكبحون إلغاؤه:
ويرى الخبراء بأن إلغاء نظام الكفالة مسألة تواجهها صعوبات في الواقع، فهذا النظام "أصبح معقدا جدا ومتشابكا مع بنيات اجتماعية واقتصادية في مجتمعات بلدان الخليج" كما يقول دريد البيك الكاتب في صحيفة "غولف نيوز"، وأضاف بأن هيئات حقوقية ونخب محلية في بلدان الخليج تحث حكوماتها على التخلي عن نظام الكفالة، لكن بالمقابل هنالك فئات أخرى لها "مصالح اقتصادية تسعى للحفاظ على المكتسبات المادية التي تجنيها من العمل بنظام الكفالة" مشيرا في هذا الصدد بأن نظام الكفالة ساهم في نشأة فئة اجتماعية تعتمد على نظام الكفالة كمصدر أساسي لمداخيلها وأحيانا الاتجار في عقود الكفالة رغم مخالفة ذلك للقوانين المعمول بها.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل سوف تستجيب السعودية لمطالبات المنظمات الحقوقية في إلغاء نظام الكفالة و إحلال العدالة في العقود بين صاحب العمل و العامل وفق قوانين شفافة و اتفاقيات واضحة. أم انها سوف تستمر بانتهاكها لحقوق الانسان كما تعمل في كثير من المسائل الأخرى.
ارسال التعليق