المعارضة السعودية لم تراهن يوماً على الموقف التركي بقضية خاشقجي
سيأتي صاغرًا إلى السعودية.. يستجدي العون المعنوي للانتخابات القادمة.. جاء بعد انهيار اقتصاده.. سيشد رحِاله للسعودية لطلب ودها.. سيرضخ لشروط الرياض.. قراءات وتحليلات وتوصيفات قيلت بحق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعدما أعلن أمس أنه سيزور السعودية في فبراير/شباط المقبل، وأن السعوديين ينتظروه.
لكن أيما كانت دوافع أردوغان لزيارة السعودية وسواء كان هو من طلب الزيارة أم أن محمد بن سلمان، هو من دعاه عبر وسيط دبلوماسي، فإن المعارضة السعودية لم تعول يوماً على مواقف تركيا بشأن واقعة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2018، والتي تدهورت على إثرها العلاقات بين البلدين.
رفض التطبيع:
هذا ما أكده الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض يحيى عسيري، قائلا: “نحن لا نضع رهانا على أي حكومة أو سلطة، ولا على أي أحد في العالم، ولا نرهن خيارتنا بأحد، ونتمنى ألا تكون زيارة أردوغان للسعودية تطبيعية للعلاقات بشكل كامل لأن التعامل مع سلطات قمعية ديكتاتورية بشكل طبيعي خيانة وغدر للحقوق المشروعة”.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر: “هذا ما نقوله لكل من يذهب لزيارة السلطات السعودية ألا يجعل العلاقات طبيعية وكأن شيئا لم يكن وكأن هذه السلطات لا تقمع أبناء شعبها بالداخل ولا تقوم بجرائم خارج الحدود سواء كانت في اليمن أو في القنصلية السعودية في إسطنبول أو غيرها”.
وتابع عسيري: “هذا لا يعني أننا نعول على أي حكومة أو سلطة في العالم، لكن عندما نقول ذلك للحكومة الفرنسية أو البريطانية أو التركية فإننا نقول ما يجب أن يقال، أما من أراد التطبيع مع السلطات السعودية فهو بالتأكيد يضر نفسه قبل أن يضر القضايا المحقة والمشروعة والعادلة”.
واستطرد: “إذا ظنت السلطات التركية أنها تملك ملف قضية خاشقجي ويحق لها التنازل عن القضية، فنحن نذكرها أنها لا تملك هذه القضية سواء هي أو غيرها، لأن ما قامت به السلطات السعودية هو قتل سياسي يجب محاسبتها عليه، وإذا وقفت السلطات التركية مع هذا الحق المشروع فهذا واجب عليها نشكرها عليه”.
وعد عسيري، خيار السلطات التركية في عدم الوقوف مع هذا الحق غدر منها يجب انتقادها عليه، كما حدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومع كل الذين انحازوا إلى السلطات السعودية وحاولوا تطبيع العلاقة معها بعد قتل خاشقجي وغيره من الانتهاكات التي يرتكبها النظام السعودي”.
تواطؤ تركي:
وسبق أن قال الأمين العام السابق لحزب التجمع في حوار مع الرأي الآخر، إن هناك رغبة عالمية لطي صفحة القضية لكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك حتى وإن سعوا وتقاربوا وحاولوا إخفاء القضية على المدى البعيد، مؤكدا أن ذلك لن يحدث وستبقى هذه القضية مفتوحة تحرق بن سلمان وتطارده أينما ذهب.
وأوضح أن تركيا لم تكن متعاونة منذ بداية قضية خاشقجي، ورفضت إعطاء الحقوقيين السعوديين والمعارضين ملفات التحقيق، أو حتى التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها، معربا عن أسفه من أن النصوص العربية المنشورة عن حديث خاشقجي والنقاش الذي حصل قبل قتله، مترجمة من النصوص الإنجليزية المترجمة من التركية المترجمة من العربية.
ورأى أن هذا يعطي انطباع غير جيد عن الإدارة التركية وطريقة تعاملها مع القضية منذ البداية، وسعيها لأن تكون القضية ثنائية بينهم وبين السعودية لأسباب سياسية واضحة حالياً، قائلا: “لا يملك أحد قضية رأي عام، قتل فيها صحفي مرموق في قنصلية بلاده لأنه انتقد النظام، هذه جريمة سياسية يجب أن يدفع ثمنها من قبل القاتل وكل من يتواطأ معه”.
وأضاف عسيري: “إذا قررت تركيا إغلاق الملف من جانبها فهذا أمر متوقع، ولكن ما نؤكد عليه أن القضية ليست سعودية ولا يمكن للنظام السعودي إغلاقها وقتما شاء وكيفما شاء، وهذا يجري على الأتراك أيضا، فالقضية ليست تركية ولا يحق لهم إغلاقها وقتما يشاءون، فالدم ليس للمتاجرة أو التلاعب السياسي”.
ضغوط القسط:
عسيري كان المدير السابق لمنظمة القسط لحقوق الإنسان، التي أكدت منذ الأيام الأولى لاختفاء خاشقجي، أن ذلك يتطلب تحقيقًا مستقلًّا وغير مسيَّس واستجابةً قوية من المجتمع الدولي الذي دعته لمطالبة السعودية بإنهاء ممارساتها المتهورة، من موجات اعتقالات تعسفية تجاوز عددها الألف وارتكابها جريمة قتل على أراضٍ تقع تحت سيادة دولة أخرى.
ودأبت خلال العام الأول من اعتقال خاشقجي، على تحريك قضيته دولياً والتواصل مع المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة، مستنكرة سرية المحاكمات وعدم الكشف عن المسؤولية الإجرامية في سلسلة القيادة، والتي ترافقت مع تشديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، على الحاجة لتحقيقٍ سريع شامل وشفاف في ظروف موت خاشقجي.
وفي التقرير السنوي للمنظمة لعام 2018، قالت إنه كان عاما مليء بالانتهاكات والجرائم، ولعل أقبحها وأوضحها التعذيب البشع الذي تتعرض له ناشطات حقوق الإنسان ونشطاء آخرون، وعملية القتل البربري لخاشقجي الذي مازال جثمانه مفقوداً حتى الآن.
وفي 9 يوليو/تموز 2019، استضافت القسط بالتعاون مع ديوان لندن ندوة حول اغتيال خاشقجي، وشارك فيها كلٌّ من عسيري، والمقررة الخاصة للأمم المتحدة حول مقتل خاشقجي أغنس كالامار، وخطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، والصحفية في الواشنطن بوست كارين عطية، وأدارتها ناشطة الحقوق المدنية والمدونة سحر الفيفي.
كما شاركت القسط في استضافة فعالية جانبية أثناء الجلسة الواحدة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان حول العدالة لخاشقجي بمشاركة كالامار، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية التعبير والرأي ديفيد كاي، وعسيري، وشاركت مع ناشطين حقوقيين في وقفات احتجاجية عدة أمام مقر السفارة السعودية بلندن.
وفي ندوة عقدتها في 2020، استنكرت الإفلات المستمر من العقوبة في جريمة قتل خاشقجي، وحثت هي و12 منظمة حقوقية أخرى رؤساء البلديات على الانسحاب من قمة رؤساء بلديات المدن الكبرى في مجموعة العشرين وعلى الدعوة العلنية للسلطات السعودية لاتخاذ خطواتٍ عاجلة وواضحة لوضع حدٍّ لانتهاكها حقوق الإنسان.
وفي أعقاب مواصلة القضاء التركي للمحاكمة الغيابية للمسؤولين السعوديين المتورطين في اغتيال خاشقجي، أكدت المديرة المكلَّفة للقسط صفاء الأحمد، أن “هذه المحاكمة لا تعوض عن ضرورة إجراء تحقيق جنائي دولي ومستقل في مقتل خاشقجي، وهذا ما دعت إليه القسط منذ البداية”.
وأضافت أنّه “في ظل غياب العدالة والإجراءات القضائية السعودية المفتقرة لأدنى معايير القضاء العادل، توفر هذه المحاكمة فرصة للإجابة عن بعض الأسئلة التي لم يجب عنها بعد، مثل مصير جثمان خاشقجي، بل ولربما توفر نافذةً لتحقيق العدالة”.
وبعدما خلص تقرير الاستخبارات الأميركية الذي نشر في 27 فبراير/شباط 2021، إلى موافقة بن سلمان على عملية “اعتقال أو قتل” خاشقجي، جددت القسط دعوتها لإجراء تحقيق دولي مستقل ونزيه ومحاكمة بهدف إيضاح الغموض الذي يحيط بهوية من خطط لقتل خاشقجي بالنيابة عن ولي العهد وما جرى لجثمانه ومحاسبة كافة المتورطين في الجريمة.
فعاليات ناس:
وبدوره، يواصل حزب التجمع الوطني السعودي المعارض “ناس” فعالياته المناهضة للنظام السعودي والمطالبة بالعدالة لخاشقجي، وذلك منذ تأسيسه في سبتمبر/أيلول 2020، بهدف التأسيس للمسار الديمقراطي كآلية للحكم في السعودية، بعد انسداد الأفق السياسي، وانتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف والقمع، وتزايد الاعتقالات والاغتيالات السياسية.
وفي بيانه حول التقرير الاستخباراتي للإدارة الأميركية، رحب بالتقرير، قائلا “نعتقد أنه من الأكثر أهميةً اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي هذه الجريمة البشعة على جميع المستويات لتحقيق المسائلة العادلة الرادعة، على أن تستهدف العقوبات الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
وأضاف الحزب أن بن سلمان مسؤولٌ لم ينتخبه الشعب، وهو ومجموعة من المسؤولين الحكوميين يقومون بأفعال إجرامية وغير قانونية، ومدانة من قبل الشعب ولا تمثله، ولتحقيق العدالة لخاشقجي والآخرين الذين يواجهون أخطار مماثلة، فإنه يجب تنفيذ توصيات كالامار التي تشمل إجراء تحقيق مفتوح لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وأنتج الحزب عدة مواد مرئية عن خاشقجي، أحدها في ذكرى اغتياله الثالثة يرصد السقطات الإعلامية في روايات اختفاء خاشقجي، مرفقة بالأغنية التي أهداها المعارض السعودي عمر عبدالعزيز أحد مؤسسي الحزب الذي يعيش في كندا، والتي كتب كلماتها المعارض السعودي الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد.
واستثمر الحزب كل الفعاليات والصفقات التي نفذها النظام السعودي للتذكير بجريمة اغتيال خاشقجي، إذ عد شراء صندوق الاستثمارات السعودية الذي يرأسه بن سلمان، نادي نيوكاسل، فرصة للتذكير بقضية خاشقجي مع كل مباراة يخوضها النادي، خاصة أن الصندوق هو نفسه الذي نقلت طائراته فريق اغتيال خاشقجي.
ويتواصل الحزب مع أعضاء بالكونغرس الأميركي وأخرين في البرلمانات والحكومات الغربية لكشف حقيقة النظام السعودي وقمع للشعب داخليا، ومحاولة إقرار مشاريع تحمي المعارضين السعوديين بالداخل والخارج.
ومنتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلق حزب التجمع حملةً إعلانية على شاحنة متنقلة في شوارع العاصمة الأمريكية، ظهر على جوانبها صورةً لولي العهد السعودي ويداه ملطختان بالدماء مع عبارة: “نحن نستحق الديمقراطية وليس السيد ولي العهد ناشر العظام”، في إشارة إلى موافقته على اغتيال خاشقجي.
واتبعها بحملة أخرى جابت شوارع واشنطن، واستقرت أمام الكونجرس الأميركي، وجه خلالها الأمين العام للحزب عبدالله العودة رسالة مفادها أن جريمة مقتل خاشقجي لن تمر، مثل كل الجرائم الأخرى التي ارتكبت بحق الشعب السعودي، معلنا أن هذه هي حقيقة بن سلمان وسيبقى يذكر العالم بكل جرائمه المرتكبة.
ولفت في أعقاب إعلان أردوغان زيارته للسعودية، إلى أن بن سلمان كان لديه طلب واحد فقط من أردوغان لا يتعلق بتسليح، ولا اقتصاد، ولا أمن قومي، ولا حماية شعبية، وإنما كان ألا يذكر اسم خاشقجي في تركيا، مضيفا: “لكن نحن نقول: ستضطر السفارة السعودية في واشنطن أن تتحدث عنه كل ساعة.. لأنها تقع على شارع جمال خاشقجي في واشنطن العاصمة”.
ويقصد العودة الإشارة إلى ما أسفرت عنه الضغوط الحقوقية من موافقة مجلس واشنطن، بالإجماع على إطلاق اسم “خاشقجي” على جزء من الشارع الواقع مباشرة أمام السفارة السعودية بواشنطن، بهدف إحياء ذكرى رحيله، استجابة لمقترح عضو مجلس العاصمة الأمريكية بروكي بينتو، التي وصفت خاشقجي بأنه مدافع شجاع بقلمه عن الديمقراطية.
دور داون:
العودة هو مدير أبحاث الخليج لدى منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “داون”، التي أعلن إطلاقها رسميا في سبتمبر/أيلول 2020، والتي أسسها خاشقجي مع عدد من أصدقائه قبل عدة أشهر من اغتياله، وتولت سارة لي ويتسون منصب المدير التنفيذي للمنظمة، بعد سنوات من عملها لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وتُحيي المنظمة فعاليات عدة لمناصرة قضية خاشقجي ومحاسبة قاتليه، كما تجري أعمالا استقصائية مناصرة لحقوق الإنسان، وتنشر مقالات معمقة تكشف انتهاكات الحكومات القمعية، مركزة على حلفاء أميركا وأبرزهم النظام السعودي، وتكشف عن المسؤولين عن أعمال القمع السرية من إرهاب وإخراس المنتقدين وسجن المعارضين.
يضاف إلى كل ذلك، مواقف المعارضين السعوديين بالخارج والحقوقيين والناشطين والمتضامنين مع قضية خاشقجي، واستمرار حديثهم عنه كلٍ من المنصة التي اختارها، وكشفهم لجرائم النظام السعودي ووقفاتهم الاحتجاجية أمام السفارات السعودية في الخارج، للمطالبة بالعدالة ومحاسبة من أصدر أمر القتل.
ارسال التعليق