*جمال حسن
تاريخ قيام حكم آل سعود ومنذ دويلتهم الأولى في عام 1744 في الدرعية وشملت أجزاءً كبيرة من شبه الجزيرة العربية حيث لم يكن في بداية الأمر قوة تذكر لمحمد بن سعود وكادت دولته تسقط لولا الطلب الذي تقدمت به زوجته "موضي بنت أبي وطبان" للشيخ "محمد بن عبد الوهاب بنجدة بن سعود فذهب اليه وعقد معه ميثاق الدرعية عام 1745 على أساس أن تكون السلطة الدينية للوهابية داعمة لحكم آل سعود مقابل بذخ المال(مما يغنمه ابن سعود من غزواته ضد اهالي الجزيرة وقبائلها) من الطرف الثاني على الأول وإعطائه نسبة من المشاركة في السلطة، فكان السبب في بقاء سلطان آل سعود حتى يومنا هذا وتماديهم في الإجرام وولوجهم في الفضائح والعبث في أمور البلاد والعباد، عبر إمتطائهم للدين وركوبهم رجاله الذين أصدروا ويصدرون لهم الفتوى تلو الاخرى لتمرير مآربهم حتى هذا اليوم.
علاقة آل سعود والدين ورجاله ومشايخه شهدت توترات عدة بين الحين والآخر لاختلاف الرؤى بين الطرفين حول بعض الأمور السياسية، فكانت معركة السبلة (المعركة الحاسمة) في 30 مارس 1929 بين مملكة الحجاز ونجد وملحقاتهما بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وبين قوات الإخوان بقيادة فيصل بن سلطان الدويش و سلطان بن بجاد في روضة السبلة ما بين الأرطاوية والزلفي انتهت بانتصار قوات عبد العزيز (حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين ص295)، بعد أن كانوا جيشه وسيفه في قتل ابناء الجزيرة العربية وتدمير كل من وقف ضد قيام الدويلة السعودية الثالثة، فكانت بداية للصراع الدموي الذي حكم العلاقة القائمة بين جماعة اخوان من اطاع الله وآل سعود .
اما "جماعة الأخوان المسلمين" والتي تأسست في مصر-والتي لا ترتبط بالجماعة الاولى- كانت لها رغبة كبيرة لتأسيس فرع لها في المملكة في الأربعينات على شاكلة فروعها القطرية في سوريا والعراق وغيرها من الدول العربيّة؛ ورغم أن المرشد العام لها آنذاك "البنا" حاول كثيراً تأسيس فرع للجماعة في السعوديّة، وتقدم بطلب شخصي عام لعبد العزيز آل سعود للسماح له بإنشاء هذا الفرع. لكن عبد العزيز واستناداً إلى الروايّة الشهيرة رفض ذلك، لأن قوانين المملكة تحظر الأحزاب والنشاط السياسيّ، ورد "عبد العزيز" على "البنا" بجملة ما تزال تتكرر حتى الآن "كلنا إخوان وكلنا مسلمون"؛ لكنها تمكنت من أن تنشط في المملكة عبر هجرة منتسبيها الى السعودية (1964 - 1975) خلال فترة حكم فيصل بن عبد العزيز خاصة حينما حكم عبدالناصر على الشهيد سيد قطب ورفاقه بالإعدام شنقا (حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية- وجمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية - جريدة أم القرى – 19ذو الحجة 1354هـ / 14 مارس 1936م).
ورغم أن العلاقة بين آل سعود وجماعة الأخوان شهدت الكثير من المنحدرات ومنها الثورة اليمنية وجماعة الضباط الاحرار والحرب الخليجية الثانية (غزو صدام للكويت) وفي نهاية المطاف الربيع العربي، حيث كان آل سعود يشعرون في كل حادث منها بتهديد قوي يستهدف كيانهم ووجودهم وبقائهم في السلطة، وبناءاً على تعليمات الراعي البريطاني الكبير ومن بعده العم سام سرعان ما كانت القيادة السعودية تفتح باب المصالحة مع رجال الدين من دعاة التحريف والتزييف والتزوير لتمرير مخططاتها الشيطانية مستغلة بذلك بعض علماء الوهابية لعودة العلاقة مع الأخوان الى مجاريها الطبيعية وهو ما كانت الجماعة تصبو اليه ايضاً.
فيصل بن عبد العزيز وبغية أن يتوج ملكا عام 1964 سعى عبر إنتاج خطاب سياسيّ ودعائي داعماً لسلطنة آل سعود مضاد للكتلة الاشتراكيّة وطروحاتها الوحدوية التي كانت تعصف بالبلاد العربية آنذاك، حيث يقول ستيفن لاكروا :"لم يجد فيصل بداً من جعل الإسلام، المصدر الرمزي الأول في المملكة، أيديولوجية معاكسة. لكن العلماء الوهابيين التقليديين عجزوا عن الانخراط في جدال سياسي بهذا الحجم. لذلك جرى ضم أعضاء الإخوان المسلمين المقيمين بالمملكة إلى الجهاز الدعائي المناوئ لعبد الناصر بأعداد متزايدة.. فجعل من الجماعة جهة محورية فاعلة، ونشطت في الجهاز الدعائي عبر إذاعة "صوت الإسلام" مقابل إذاعة "صوت العرب"، وفي الجامعات الدعويّة كالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لتكون الموازي لجامعة الأزهر. وتقلد الإخوان مناصب حكومية وقيادية في المملكة لاسيما في الجهاز الاعلامي والدعوي والتربوي، ومنح كثير من قياداتها الجنسية السعودية، وحصلوا على امتيازات اقتصادية وسياسية عدة".
جماعة الأخوان المسلمين هي الاخرى كانت ولا تزال بحاجة ماسة لعلاقتها مع آل سعود بسبب هبات البترودولار المنهوب والمسروق من لقمة عيشنا وإنسياله في موائد وسفر وحسابات كبار قادة الجماعة في البنوك العربية والغربية فدفع بها الى ذهابها نحو تقديس وتبجيل آل سعود الى حد العبودية المطلقة كما حدث خلال زيارة عبد العزيز لمصر عام 1945 حيث استقبلته جوالة الإخوان المسلمين في مطار القاهرة بالمشاعل والهتافات الإسلامية مرحبين بمقدمه وكذلك في الإسكندرية في ملعب الأولمبي باشراف سعد الدين الوليلي المراقب العام للأخوان آنذاك وهم يسردون "ملائكة تلك أم أنبياء أم ابن السعود إلى مصر جاء فأهلا وسهلا بأكرم ضيف ويا مرحبا بالسنا والسناء" - («ابن القرية والكتاب» 1-212، وذكرها الشيخ يوسف القرضاوي نفسه وجاءت في«حكايات عن الإخوان»، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998، الجزء الثاني ص90).
ومنذ انطلاق الثورات العربيّة التي جاءت لتحدث تغيرات كبيرة ليس في بنية الأنظمة العربية فقط، بل في بنية النظام الإقليمي العربي؛ اتخذت السعوديّة موقفاً مناوئاً لها، واعتبرت نفسها مستهدفة كسائر الأنظمة العربية ذات الحكم السلطويّ. وانتاب آل سعود الخوف الكبير من تقلص دورهم أمام دول عربية صغيرة، وقوى إقليمية منافسة. وزاد من هذا التخوف وصول الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي إلى السلطة، فقناعة المملكة أن هذه الحركات ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران توطدت وتعززت خلال العقدين الأخيرين.
من هذا المنطلق رأت السعودية في صعود الحركات الإسلامية السلطة تهديداً كبيراً لما تعتبره "نموذجها الإسلامي" حيث ترى في نفسها رافعة لـ"الإسلام السني"، ونموذجاً لدولة تجسد مبادئ الإسلام!!.. لذلك خشيت من نماذج "إسلاميّة" وطنيّة جاذبة، ما دفع آل سعود الى اعتبار الإسلام السياسي نموذجاً يهدد وجودهم لا يقل خطراً عن النموذج الناصري. وبما أن السياسة لا تعرف المبادئ فقد أصبح حلفاء الأمس "أعداء اليوم"، وأعداء الأمس (الحركات اليسارية والعلمانية، والناصرية) حلفاء اليوم.
وفي خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أدرجت وزارة الداخلية السعوديّة في 7 آذار/ مارس 2014 جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب تنظيمات إسلامية وجهادية من مشارب فكرية وسياسية مختلفة؛ كتنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب واليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب الله في السعودية، وجماعة الحوثيين في اليمن.
اليوم وبعد كل ما تطرقنا له نرى عودة آل سعود لجعل الدين وجماعة الأخوان المسلمين مطية يمتطوها وكبش فداء يذبحونه في معابدهم على يد كهنتهم ورهبانهم، فيما الجماعة وقياداتها التي إنجرفت في دعم رذيلة السلطة السعودية ومجازرها وجرائهم لن تعي الواقع والحقيقة ولا تزال تقدس هبل آل سعود طمعاً بالمال متناسية الدين الحنيف، لا تفقه لما يدور من حولها من توطيد للعلاقات بين الرياض والسيسي لضربهم في عقر دارهم وبين آل سعود والدويلة الصهيونية وكذلك بين أنقرة وتل أبيب لتكون الحركة الجهادية الفلسطينية في مأزق من أمرها يدفع المال المنهوب لطمس القضية الفلسطينية وطي ملفاتها في أرشيف النسيان والقبول بدويلة يهودية مقابل منطقة فلسطينية معزولة تفتقد لكل مقومات الحياة وتذهب أسس الجماعة ومناهجها مهب الريح ويعود الوعاظ ليركنوا الى موائد السلاطين ويقتاتون على فتاتها كما كان على عهد السلطة العثمانية لا طائل لهم ولا قول ولا فعل إلا ما سمح لي "ولي الأمر" سمعاً وطاعة رغم تضاده وتعارضه مع قول الله سبحانه وتعالى وتعاليم الدين الاسلامي السميح، فنبيح إراقة دماء الأشقاء العرب والمسلمين تمشية مع رغبة الراعي تحت عباءة الاسلام المنخورة .
ارسال التعليق