انتخابات لبنان: هل تستطيع دول الخليج الحد من خسائرها المتوقعة؟
بقلم: زاهية ناصر / صحافية لبنانية...
فيما يترقب اللبنانيون إحدى أكثر المعارك الانتخابية ضراوة في تاريخ لبنان في 15 أيار/مايو المقبل، والتي توصف بأنها مصيرية لمستقبل البلاد، تتجه الأنظار إلى العاصمة اللبنانية بيروت، بعد عودة سفيري السعودية والكويت إلى لبنان قبل أسابيع من هذه الانتخابات النيابية، وبعد 5 أشهر من المغادرة، بسبب أزمة دبلوماسية أحدثتها حينها تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، التي أدت إلى قطع دول خليجية علاقتها مع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية خانقة أكثر ما يحتاج فيها إلى الدعم الخليجي.
السفير السعودي وليد بخاري لفت غداة عودته، إلى أنه "لم يكن هناك قطع للعلاقات مع لبنان إنما إجراء دبلوماسيّ للتعبير عن موقف كان مسيئاً للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي".
فيما يتعلق والأطراف المناوئة للسعودية، تثبت هذه العودة فشل الرياض في إملاء شروطها على لبنان وتحديداً على حزب الله وإضعافه، خصوصاً وأن أغلبية المؤشرات تذهب إلى أن هذه الانتخابات ستتجه إلى مصلحة حزب الله وحلفائه، خصوصاً أن البيت السني متصدع وقوى 14 آذار مشتتون. لذلك، سرّعت العواصم الخليجية عودة دبلوماسيها لمساعدة حلفائها على الفوز بالانتخابات أو ربما، وبشكل أكثر دقة، الحد من خسائرهم.
تعول دول الخليج أن تكون هذه العودة القبول بمواجهة ما تسميه دول الخليج التمدد والنفوذ الإيراني وعدم ترك الساحة اللبنانية، نظراً إلى ما تمثله من أهمية محورية، وخصوصاً أن لبنان ساحة نفوذ وتجاذبات قوية لقوى إقليمية في المنطقة.
تعتبر بعض دول الخليج أن حزب الله لا يعبث بأمن لبنان فحسب، بل يمتد "عبثه" ليشمل تدخله كثيراً من مناطق الصراع في سوريا واليمن والعراق، كذلك التدخل في شؤون دول الخليج عبر دعم جماعات المعارضة من خلال تنظيم مؤتمرات لها، كما حصل مؤخراً في الضاحية الجنوبية لبيروت.
الرياض أعلنت أن عودة سفيرها جاءت بناءً على ما اعتبرته "استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان"، والتزام الحكومة اللبنانية "بوقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي"، في إشارة إلى حزب الله، الذي تتهمه السعودية بالسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية.
وغداة عودته إلى بيروت، بدأ السفير السعودي وليد بخاري بتقديم دعوات لعدد من القيادات المعارضة لإفطار موسّع شاركت فيه شخصيات إعلامية، وهو ما تبدى في الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام للمائدة التي جمعت أقطاب ما كان يعرف بقوى 14 آذار، ووجوه أخرى مناوئة لسياسات حزب الله وفريقه السياسي، فضلاً عن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا.
وفي دليل على اهتمام السعودية بالانتخابات هو تدخل سفارتها مباشرة في تركيبة بعض اللوائح، وترتيب وضع حلفاء المملكة في الاستحقاق الانتخابي، لافتة إلى أن الرياض ساعدت قبل عودة السفير وليد بخاري إلى بيروت في تشجيع تشكيل اللوائح المشتركة لحلفائها ودعمهم، ولا سيما حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وستسعى في الوقت المتبقي لرفع نسبة الناخبين والمقترعين السنّة لهذه اللوائح في الدوائر ذات الأغلبية السنيّة.
تدرك الرياض والعواصم الخليجية أن سياسة الحصار الاقتصادي والعقوبات على حزب الله لم تضره، بل عززت من نفوذه وجاءت بنتائج عكسية على باقي اللبنانيين وحلفاء المملكة.
وتشير معلومات معظم استطلاعات الرأي إلى أن المجلس المقبل لن يشهد الانقسام المعهود بين القوى المعروفة باسم 8 و14 آذار، إذ يُتوقع أن تقتحم المشهد قوى حديثة منبثقة من ما يعرف بانتفاضة تشرين الأول، بالتزامن مع انسحاب تيار المستقبل الذي تربّع على عرش التمثيل الأكبر للطائفة السنية منذ العام 1996.
وإذا كان حزب الله وحلفاؤه قد تمكنوا من الوصول إلى أكثرية نيابية في انتخابات العام 2018، أعطته فرصة التحكم في مفاصل المشهد السياسي في لبنان وتشكيل حكومات لا تتناقض ومشروعه، بعد أن أوصل الرئيس الحالي ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، يراهن خصومه اليوم على انتزاع تلك الأكثرية منه لفرملة هيمنته المتزايدة على السلطة.
في المقابل، يعمل حزب الله على توحيد حلفائه، ويسعى لتأمين حاصل بالأصوات التفضيلية للتيار الوطني الحر في عدد من الدوائر الانتخابية.
ومهما تكن نتائج هذه الانتخابات، لا يبدو أن أي قوة من القوى السياسية اليوم تستطيع أن تحكم بمفردها أو تعزل المكونات الأخرى، خاصة وأن تركيبة هذا البلد الطائفية لا تسمح بذلك.
وبالتالي، ستجد عواصم القرار الغربية والعربية نفسها مجدداً أمام مشهد عراقي جديد؛ فبعد 6 أشهر من الانتخابات العراقية، لم تتمكن القوى المنتصرة من وضع العجلة الدستورية في سكتها، لجهة انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة جديدة.
ويعتقد أن هذا المأزق الذي سيصل لبنان إليه، وتحديداً إذا خسر حزب الله الانتخابات (وهو أمر مستبعد) سيعاد طرح المؤتمر التأسيسي لإعادة إنتاج السلطة في لبنان، ما يترك فراغاً قد يطول في المؤسسات الدستورية لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، سيكون محل خلاف بين حلفاء حزب الله أنفسهم، أي بين زعيمي تيار المردة سليمان فرنجية والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل؛ وبينهم وبين المرشح الروتيني للمعارضة وحليف السعودية زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع؛ إذ سيتعين تشكيل حكومة جديدة، وهي عملية تمتد عادة إلى شهور طويلة، بسبب الفيتو الذي يضعه حزب الله على أي شخصية يجد فيها مناوئة لسياسته.
بموازاة ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن عودة السفراء تعتبر بمنزلة تسوية خارجية، إيرانية أميركية، تقضي أبرز مخرجاتها بتخفيف حزب الله من حدة تصعيده تجاه دول الخليج وتخفيف وتيرة المؤتمرات والتصريحات المناوئة لها. وما جرى في اليمن من هدنة لا ينفصل عن عودة السفيرين إلى بيروت.
وأمام هذه المعطيات، وبانتظار نتائج الانتخابات، يبقى السؤال: هل ستسطيع ايران الضغط على حزب الله للحد من لهجته التصعيدية المعتادة ضد دول الخليج، أم أن طريق العودة للسفراء ستصطدم بمعطيات جديدة منها: تكرار أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كلامه بأن "ايران لا تتدخل في إدارتنا السياسية داخل البلاد"؟!
ارسال التعليق