بيان يعفي النظام السعودي من المساءلة عن فلسطين
من المسلمات التي أرستها العملية العسكرية العدائية على قطاع غزة المحاصر أن الشعب الفلسطيني لم يعد ينتظر أجرا ولا شكورا من الأنظمة العربية المطبعة رسميا ولا تلك التي تمارس تطبيعها من تحت الطاولة. ساهمت السنوات الأخيرة في تشكيل وضوح الصورة في الذهن الغزّاوي والفلسطيني عموما حتى بات انتظار أي موقف عربي عموما وخليجي خصوصا ترفا و”قلة عقل”.
كان من الأمر اللافت مثلا إصدار الإمارات بيانا قالت فيه ” “على المواطنين الموجودين بإسرائيل أخذ الحيطة والحذر واتباع تعليمات السلطات الإسرائيلية”.
كما قالت سفارة البحرين في تل أبيب “نهيب بالمواطنين الموجودين بإسرائيل توخي الحيطة والحذر واتباع الإجراءات الرسمية”.
أما بالنسبة لوزارة الخارجية السعودية المتواطئة فقد أعربت في بيان غير متعوب عليه عن ” إدانتها واستنكارها للهجوم الذي قامت به قوات الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة.
وتؤكد الوزارة على وقوف السعودية إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، وتطالب المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء التصعيد، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين وبذل كافة الجهود لانهاء هذا الصراع الذي طال أمده”. مستفز أمر هذا البيان، بما فيه من تسويف وإسفاف وتشويه للحقائق.
إلى من تتوجه الرياض بهذا البيان؟ هل إلى أهل غزة فعلا بهدف التضامن؟ أم هي تبيع موقفا للشعوب العربية والإسلامية؟ تجرأ الكيان في خطوته العدائية ضد القطاع، وهو المتخبط في واقعه الداخلي المستمر سياسيا.
تجرأ مدعوما باتفاقيات الذل مع دول التطبيع التي صحيح أنها لم تسجل يوما موقفا مؤثرا في شكل الصراع وطبيعته مع الكيان، إلا أنها باتت اليوم شريكا للكيان في عدوانه من خلال تبنيها سياسة “السلام” وانفتاحها على كافة أشكال التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري والمالي.
لقد سبق الاعتداء الصهيوني على غزة بأيام، قيام جيش الاحتلال باعتقال القيادي في الجهاد الإسلامي الشيخ بسام السعدي من مخيم جنين شمال الضفة الغربية، في عملية استخدمت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي طائرات مروحية وأخرى مسيّرة، ومصفحات وقناصين وكتيبة من الجيش والمستعربين وكلاباً بوليسية. رافق ذلك حشد عسكري قرب السياج المحيط بقطاع غزة المحتل، واجتمع لبيد بالقيادات الأمنية، وقرّر قطع إجازته المقررة سلفاً.
وواصل الاحتلال حينها إغلاق معابر قطاع غزة خوفا من أي توتر حدودي محتمل، مع وقف العمل بحركة القطارات بين مستوطنتي عسقلان وسديروت. جرى كل ذلك، وسط حالة من الصمت سادت مختلف الأجواء الرسمية في “السعودية”، باعتبارها غير معنية حتى بالاستنكار.
يذكر أنه في الأسابيع الأخيرة شنت وسائل الإعلام اليمينية، مع اليمين الإسرائيلي المعارض حملة على حكومة لبيد-غانتس، واتهمتها بالجُبن والتقاعس عن مواجهة التحدي الذي أبدته المقاومة اللبنانية، وفق المعادلة الجديدة، التي أطلقها سماحة السيد، “ما بعد “كاريش” وما بعد بعد “كاريش”، و”إما أن نستخرج غازنا ونفطنا من البحر وإلا فلن نسمح لأحد بأن يستخرج”! هذه المعادلة شغلت الحكومة الإسرائيلية والرأي العام، وسرّعت وتيرة نشاط المبعوث الأميركي الصهيوني، أموس هوكستين، للوصول إلى حل لترسيم الحدود، وبدأت الحكومة الإسرائيلية ترجو من كل ذي صلة أن يتوسط لدى حزب الله بألا ينفذ تهديداته. الأمر الذي دفع الصهاينة إلى إبعاد الأنظار عن الجبهة الشمالية لتخفيف الضغط مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الداخلي.
“السعودية” التي دعت لإطالة أمد الحرب على لبنان في تموز 2006 واتهمت رجال المقاومة بجر البلاد إلى المجهول، هي نفسها وبصورة جلية وواضحة أكثر من ذي قبل اتخذت قرارا بفتح أجوائها أمام الناقلات الجوية الصهيونية، قبيل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أراضيها آتيا من تل أبيب في زيارته الأخيرة إلى المنطقة.
هذا وقد ألف الحاخام اليهودي يعقوب هرتسوغ جو “السعودية”، لأخير أبدى رغبته في تأسيس مجتمع يهودي متكامل في “السعودية”، وتدشين العديد من المشروعات التي تخدم أصحاب الديانة اليهودية.
وقال: “اليهود يأتون إلى المملكة بشكل أساسي للعمل والسياحة، معظم المغتربين الذين يأتون إلى السعودية، أطباء ومعلمون وموظفون في كل هذه المشاريع الدولية الضخمة الجارية، نسبة معينة من هؤلاء الوافدين هم من اليهود”.
وزعم أن هناك حوالي ألف يهودي يعيشون في “السعودية” في الوقت الحالي، ويضيف: “استنادا إلى الإحصائيات، يوجد حوالي مئة ألف وافد أمريكي في المملكة، لنفترض أن اليهود يمثلون واحدا بالمئة منهم، هذا يعني أن هناك ألف يهودي في السعودية من الجنسية الأمريكية، بالإضافة إلى أن هناك يهودا أيضا من دول أخرى مثل المملكة المتحدة وفرنسا وجنوب أفريقيا”. ويقول هرتسوغ: “بدأت بالتفكير في السعودية منذ سنوات؛ لطالما فتنتني.
والآن، أينما نظرت، هناك نمو سريع، وبنية تحتية، ورعاية صحية، وذكاء اصطناعي، وأمن إلكتروني، لقد اندهشت، لكني تساءلت: من الذي سيهتم باحتياجات اليهود الدينية؟”.
وفي السياق نفسه، احتفى الإعلام “الإسرائيلي” بدخول أول يهودي للحرم المكي. جيل تاماري مراسل القناة 13 العبرية نشر مقطعا مصورا بعد تسلله إلى جبل عرفة في مكة المكرمة خلال الحج. وفي التقرير أعرب المراسل الصهيوني عن “عظمة اللحظة” بالقول “أنا كنت هنا في مكة..الحلم أصبح حقيقة”.
ومن الجدير الذكر، أن جيل تاماري في تقريره المصوّر والذي وثق فيه رحلته إلى “السعودية” خلال موسم الحج، ظهر وهو يتجول بحرية في المشاعر المقدسة مع الحجيج، حيث كان يتكلم العبرية بلا قيود.
مؤكدا أن “الحكومة الإسرائيلية منحته تصاريحا أمنية، سهلت له من خلالها المرور في كل الأماكن التي أراد زيارتها”.
في هذا السياق، يتحدّث مراسل قناة الـ”13″ العبرية جيل تماري عن رحلته إلى المدينة المقدسة خلال موسم الحج الأخير، قائلًا: “في لحظة، يتغيّر المشهد أمام أعيننا: جدة المسطحة تفسح المجال للجبال المحيطة بمنطقة مكة”، لافتًا إلى أن “يافطات الطرقات تغيرت، على الرغم من أنها تعلن باللون الأحمر أنه على غير المسلمين النزول من هذا الطريق والسفر عبر طريق التفافي حول مكة، لكي لا يصلوا أبدًا الى المدينة، إلا اننا قررنا السفر مباشرة”.
وأضاف تماري: “في طريقنا سلكنا الطريق المخصّص للمسلمين، وبعد التفتيش الأمني أمرنا الشرطي السعودي بمواصلة الرحلة باتجاه مكة. من بعيد يمكن أن نرى برج الساعة الضخم في المدينة، ومن تحت توجد الكعبة – الحجر الأسود”.
ارسال التعليق